ياعيب الشوم. لدينا عشرات القنوات الفضائية ومئات الصحف والمجلات وآلاف الأبواق الإعلامية التى تغطى سقف وأرضية وحيطان العالم العربى، ومع ذلك لاتزال الصحافة الأجنبية وحدها الأقدر على نشر أسرار وأخبار قادتنا وزعمائنا. منذ أيام نشرت مجلة «الإيكونوميست» تقريراً خطيراً عن مستقبل الخلافة فى مصر فى ظل ما سمته «تطورات صحة الرئيس مبارك»، للأسف لن تجرؤ صحيفة مصرية على نشره كاملاً بدون تصرف أو حذف أو تخفيف، ولو فعلت لرفعت لها القبعة ثم قرأت لها الفاتحة تضامنا، وفى حين تعيد صحافتنا الحكومية نشر أى «بُقّ إيجابى» تنشره الصحف العالمية مصحوبا بالطبل والزمر، ها هى تتجاهل الإشارة إلى تقرير «الإيكونوميست»، ولو حتى من باب تفنيده وتنبيه قادة البلاد إلى خطورة تجاهله على الاقتصاد القومى، خاصة وقد نشرته أهم مجلة اقتصادية فى العالم. فى نفس الأسبوع نشرت مجلة «نيو ستيتمنت» الإنجليزية الرائعة تقريراً ضخماً وخطيراً عن القواعد العسكرية الأمريكية فى العالم وعلى رأسه طبعا العالم العربى، فى نفس الوقت الذى كان بعض المسؤولين العرب يتباهون فيه برفضهم للقواعد العسكرية الأجنبية. التفاصيل التى نشرتها المجلة تدعو للفزع والخجل، وبالطبع لن يجرؤ أحد فى الوطن العربى على نشرها أو حتى التعليق عليها لأسباب لا تخفى على فطنتك أو حتى غفلتك. قبلها وعلى مدى أسابيع متفرقة، نشرت صحيفة «صانداى تايمز» الشهيرة تقارير مفزعة عن حكامنا العرب لم نسمع لها ركزا فى صحافتنا. خذ عندك مثلا قصة عن زعيم كبير رفع قضية على صحيفة أوغندية كشفت علاقته العاطفية الملتهبة بأرملة ملك إحدى الممالك الأوغندية لدرجة أنه اشترى لها طيارة خاصة بأموال الشعب الزاحف. قصة أخرى عن حاكم إمارة عربية اشترى فى منطقة دلهام البريطانية مساحة كبيرة من الأرض تشمل مزارع وغابات و39 منزلا بمبلغ 45 مليون جنيه إسترلينى، يعد رقما قياسيا فى تاريخ العقارات فى بريطانيا، كل ذلك لكى يضمها إلى منطقة أملاكه المجاورة، والتى تبلغ 3 آلاف أكر من الأراضى الزراعية، وذلك لكى يستمتع هو وأصدقاؤه بالصيد خلال إجازاته. بعدها بثلاثة أسابيع نشرت الصحيفة تحقيقا مطولا عن الدعارة فى تلك الإمارة العربية التى تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية على أى شخص عربى يختلى بسيدة خلوة تعتبرها السلطات غير شرعية، بينما تغض الطرف عن نوادى الدعارة المخصصة للأجانب والتى يتم استقدام فتيات من الجمهوريات الإسلامية التابعة سابقا للاتحاد السوفييتى، تحدثن لمراسل الصحيفة عن ظروفهن التى جعلتهن يلجأن للعمل فى الدعارة، وأجمعن كلهن على أنهن لا يفضلن العمل مع العرب لجلافتهم وتعاملهم السادى وغير المتحضر معهن أثناء المعاشرة (هكذا بالنص). لم تفزعنى الفضائح التى نشرها التقرير، فقد استمعت قبله إلى حواديت كثيرة عن الدعارة فى دول كثيرة تخفى عفن مجتمعاتها خلف أقنعة زائفة من التدين، ما أفزعنى حقا تقرير خبرى نشرته الصحيفة نقلا عن قادة المخابرات الإسرائيلية حول اتفاق عقدته إسرائيل مع دولة عربية كبرى لكى توفر هذه الدولة لإسرائيل ممرات جوية آمنة خلال أى ضربة إسرائيلية متوقعة للمنشآت النووية الإيرانية، وذلك بعد لقاءات عقدها رئيس الموساد الحالى مائير داجان مع مسؤولين فى هذه الدولة سبقتها لقاءات سرية عقدها إيهود أولمرت قبل رحيله مع مسؤولى تلك الدولة التى تملك سفارتها فى لندن، بالتأكيد، اشتراكا فى «صنداى تايمز» ومع ذلك لم ينبس مسؤول فيها ببنت شفة ردا على مانشر. قبلها بأسبوع كانت مجلة «نيوزويك» الأمريكية قد نشرت تقريرا عن الانتخابات اللبنانية الأخيرة قال فيها مسؤول بهاتيك الدولة لمحرر المجلة متبجحا إن بلاده أنفقت على من تساندهم فى الانتخابات اللبنانية أضعاف ما أنفقه أوباما على حملته الرئاسية، ولم يجرؤ أحد على تكذيب ما نشر، وطبعا لم يطالب أحد بمحاسبة الذين ذهبت إليهم تلك الأموال المشبوهة فى لبنان. ستسألنى: لماذا تلوم الصحافة العربية على صمتها وجُبنها إذا كنت نفسك قد جَبُنت عن ذكر أسماء الدول العربية التى تحدثت عنها الصحف الأجنبية؟، صدقنى لم أمتنع عن النشر جُبنا أو عجزاً، بل لأننى أعرف أنه حتى لو جُنّت إدارة تحرير هذه الصحيفة وطاوعتنى فى النشر، فلن أدفع أنا والصحيفة فقط ثمن النشر، بل سيدفع ثمنه معنا وقبلنا المواطن المصرى الذى يعمل بشرف وكَدّ فى تلك الدول العربية، والذى يستأسد عليه حكامها كلما نشرت الصحافة المصرية ما يضايقهم، بينما لا يجرؤون مثلا على مس شعرة من رأس بريطانى كلما فضحتهم صحافة بلاده. والمشكلة أن العيب ليس فى حكام تلك الدول بل فى حكامنا الذين لم يعملوا لنا سعرا كالذى عمله حكام بريطانيا لمواطنيهم وصحافتهم. ولاّ كلامى غلط؟ * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]