وتسكت شهرزاد عن الكلام وعن سرد القصص والحكايات بعد أن أدركت مع الأيام جريمتها وبأنها كى تنقذ رأسها من الفصل عن جسمها شغلت شهريار عن كل شىء آخر فى الحياة. ساعدت على تغييب عقله وتخدير إرادته حتى تفشت الفتن والمكائد. كانت نية شهرزاد قد عقدت على عزمها بالسكوت، والكف عن الكلام بعد سرد قصتها الأخيرة التى ستختتم بها سلسلتها فى ليلتها الأولى والأخيرة بعد الألف. وانطلق صوت شهرزاد يحكى وهو يقول: بلغنى أيها الملك الحكيم، ذو الرأى الرشيد أنه فى العام ألفين من بعد الميلاد وعند أعتاب القرن الواحد والعشرين سوف تشهد المملكة وما حولها من بلاد فوضى وانهيارات، حروبا ومجاعات، زلازل وفيضانات، بطالة وجرائم، دولا ترتع فى الثراء، وتلقى بفائض ثرائها فى ساحات القمامة، ودولا تحتضر من الجوع والفقر والمرض تأكل وتكتسى وتتعلم من فائض قمامة دول الثراء الفاحش، وأنهم فى ذلك الزمان، سوف يتبعون دينا سياسيا جديدا اسمه «الديمقراطية».. ومعناه حكم الشعب للشعب بالشورى ومعناه أيضا الحكم بالدستور والقانون وأنه لا يحق لفرد مهما بلغت مكانته أن ينفرد بالقرار والحكم وحده. ويحكى أيها الملك الرشيد، أنه فى ذلك الزمان الغريب سوف يعبث العابثون بشعار الديمقراطية يمطونه ويلونونه وفق مصالح وأطماع رؤسائهم، بالاتفاق مع أصحاب رؤوس الأموال الذين سيشترون بأموالهم كل ماله ثمن ويساعد على تضخيم ثرواتهم حتى لو كان على حساب دماء الأطفال والعجائز. ويحكى يا مولاى، أن السلطان الحقيقى فى ذاك الزمان لن يحمل على رأسه تاجاً من الألماس ولن يمسك فى يده صولجانا يرهب به الناس، ولكنه سيكون عالماً يجلس فى هدوء داخل معمله يخترع دواءً لشفاء الناس، أو قطاراً ينقلهم لعملهم فى سرعة بساط الريح. وأن الملك الجديد لن يكون ذلك الرجل الجالس فوق العرش يحكم الناس من خلف جدران قصره بالحديد والنار، ولكنه سيكون رجلا فنانا، وامرأة شاعرة يستنطقان الصور والألوان ومعانى الكلمات الجامدة، ويبثون فيها الحركة والحياة. والقائد الجديد لن يكون كل من يقود الجيوش نحو الدمار، ولكنه قائد تلك المؤسسات الثقافية والخيرية التى تبنى عقول الناس وتغذى وجدانهم بأرقى المشاعر وأسمى الأفكار. وفى هذا الزمان يا مولاى سوف يهاب الحاكم محكوميه ويعمل لرضائهم ألف حساب لأن الشعب فى ذلك الزمان القادم واع بحقوقه وواجباته ولن تفلح السيوف والسياط فى كبح جماع إرادته، وسحق كل من تراوده نفسه على سرقة أحلامه. وقبل أن تتثاءب شهرزاد وتسكت عن الكلام المباح وغير المباح أسدت بنصيحتها لمليكها وهى تهمس: والآن فى استطاعتك يا مولاى أن تكون أول سلطان فى تاريخ أمته يحكم شعبه بالشورى والقانون، افتح أبواب قصرك ليدخله الناس البسطاء، استمع لحكايات حياتهم الواقعية التى هى أغرب من كل خيال وحاول أن تساعدهم، تعلمهم وتتعلم منهم، ودع سيافك يحمى الضعفاء من بطش اللصوص بدلا من أن يحميك وحدك من مخاوف أوهامك. والآن ياذا الرأى الرشيد، لك الحرية فى أن تختار، إما أن تأمر بقطع رأسى أو أن تطلق سراحى وسراح نفسك لنعيش أحراراً بين الناس. وانتظرت شهرزاد أن ينطق الملك بحكمه الأخير ويتكلم. انتظرت أن ينادى ويصيح ويزأر ويهتف، انتظرت أن يلعنها أو أن يربت على كتفها مغتبطا، لكنه لم ينطق ولم يتحرك، ولما نادته لم يرد عليها، أسرعت تهزه من كتفه، لكنه سقط ساكناً على الأرض من توه!! [email protected]