تسعي الباحثة عواطف سيد أحمد في كتابها جرحك يا شهرزاد الصادر عن دار روافد للنشر والتوزيع الي تحقيق طموح كبير في قراءة الخطاب النسوي في ألف ليلة وليلة, وتستند في سعيها الي تحقيق هذا الهدف الي مناهج النقد الثقافي التي ظهرت في ربع قرن الأخير الأمر الذي يجعل من كتابها خطوة مهمة في قراءة نص ألف ليلة وليلة وهو نص شائك وملهم في آن واحد. ولا يملك قاريء هذا الكتاب إلا أن يقرأه بشغف كبير ذلك ان مناهج النقد الثقافي لم تفرض نفسها في الخطاب النقدي العربي الا مؤخرا, ومن ثم لم يخضع نص ألف ليلة' لقراءة من هذا النوع, تستطيع تحليل خطابه بما ينطوي عليه من دراسات الثقافة الشعبية أو الايديلوجية أو علم العلامات والحركات الاجتماعية والحياة اليومية في النص الذي رأت الباحثة أنه بحاجة الي اعادة تقويم من الوجهة الجمالية علي ألا ينفصل هذا التقويم عما يطرحه من قيم مضمونية وثقافية. ويتناول الفصل الاول في الكتاب ما تسميه الباحثة' الخطاب الأنثوي عند شهرزاد ويشتمل علي محورين, يكشف الاول عن الايديولوجيا الاصلاحية في المشروع السردي لشهرزاد التي قاومت الموت بالحكاية و المحورالثاني يبرز تصارع القيم الذكورية عند شهريار والقيم الأنثوية لدي شهرزاد من خلال عرض الأنماط النسوية التي قدمتها شهرزاد في حكاياتها. وتنتهي الباحثة هنا الي التأكيد علي أن فعل الحكي في الكتاب استهدف ابراز نموذجين نقيضين للمرأة, أحدهما سلبي يمثل المرأة الخائنة والثاني ايجابي يطرح نموذج المرأة المخلصة كموذج نقيض, كما أن الايديولوجيا الاصلاحية لشهرزاد حققت عدة نتائج أولاها: تصحيح النموذج المشوه في الوعي الجمعي لدي المتلقي ابن الثقافة الذكورية, وثانيا: القضاء علي ظاهرة' التورم' الذكوري السائد في المجتمعات العربية وهي فضاء الحكاية في أغلب النصوص وبالتالي تحرير المتلقي الذكر من شهوة الحكم والسعي الدائب الي إخماد صوت المرأة وتغييبها المتعمد عن المشاركة المجتمعية وثالثا, هدفت الحكاية الي إضفاء طابع انساني علي شهريار والخروج به من دائرة الدموية الي دائرة متحضرة وأكثر انسانية. وفي الفصل الثاني تقدم الكاتبة رؤي شهرزاد الجنساوية وهي رؤي تكشف كما يقول الكتاب زيف الاتهامات التي توجه للنص باعتباره نصا إباحيا, لان كل السياقات التي يحضر فيها الجنس تكون إما سياقات انتقامية أو اغوائية أو تحريمية أو تعويضية وجميعها يصور حجم المأسأة التي تعانيها المرأة في هكذا مجتمع. يسعي الي قمع رغباتها ويدرس الفصل الثالث بينية الحكاية في النص من خلال دراسة قصص الحب التي تأتي فيه إما بالوصف, أو رومانتيكية النظرة الأولي. وأخيرا يدرس الفصل الرابع صورة الرجل في ألف ليلة وليلة وهو أمر لم يدرس من قبل علي حد قول الباحثة, لان الدراسات السابقة ركزت علي صورة المرأة داخل الليالي وأهملت صورة الرجل الذي يظهر هنا موزايا لسلطة الحكم, فمن خلال دراسة حكايات الملوك والحكام تبين ان شهرزاد تريد أن تعري النموذج السائد وهو غالبا نموذج استبدادي, وتنتهي الباحثة بقراءتها الطموح الي تأكيد أن تحليل الخطاب النسوي في' الليالي' يكشف حقيقة أن المجتمع الذي تغطيه الليالي مصاب بعدد من العلل النفسية التي تحكمه وتوجه سلوكه, وهي علل وليدة تلك الموروثات الخاطئة التي شكلت وجدانه وعقله مما أفقده' الصورة المعتدلة' التي كان ينبغي أن يكون عليها, مؤكدة في السطر الأخير من كتابها أن هذا المجتمع تسيطر عليه سلطة ذكورية غاشمة, سعت شهرزاد الي مقاومتها بالحكاية.. سيد محمود حسن [email protected]