فى عام 1348 اجتاح الطاعون العالم، وسماه المصريون الوباء الأصفر. كان هذا فى دولة المماليك البحرية بعد عام من سلطنة الملك الناصر حسن «الأولى»، الذى جاء للحكم إثر مقتل السلطان الكامل ومن بعده مقتل السلطان المظفر حلجى. سماه المصريون أيضا «الموت الأصفر» وقد بدأ فى أواسط آسيا ثم انتقل إلى شبه جزيرة القرم ومنها إلى جنوة عن طريق البواخر ثم انتشر فى أنحاء أوروبا وقيل إنه لما وصل إنجلترا حصد أرواح نصف مواطنيها. يقول ابن إياس إنه كان يخرج من القاهرة كل يوم ما يزيد على 20 ألف جنازة وبلغ عدد من ماتوا بين شهرى شعبان ورمضان نحو 900 ألف، ولم يزرع من الأراضى الزراعية فى هذه السنة إلا القليل بسبب موت الفلاحين، فوقع الغلاء وكادت مصر تخرب فى هذه السنة. أما أبو المحاسن فيقول نقلاً عمن عاشوا بعد شوطة هذا الوباء: فما إن أهل ذو القعدة إلا والقاهرة خالية مقفرة لا يوجد بشوارعها مار لاشتغال الناس بالموتى وامتلأت الأماكن بالصياح فلا نجد بيتا إلا وفيه صيحة ولا تمر بشارع إلا وترى فيه عدة أموات. وفى يوم الجمعة بعد الصلاة على الأموات فى جامع الحاكم صفت التوابيت اثنين اثنين من باب مقصورة الخطابة إلى باب الجامع ووقف الإمام على العقبة والناس خارج الجامع، وكان يدفن فى الحفرة 30 أو 40. وفى عام 1416 داهم الطاعون مصر 3 سنوات انتهت فى عام 1419 كان ذلك فى سلطنة المؤيد شيخ وتحالف الغلاء مع الطاعون لانحسار النيل. ولم تكد تمضى 15 عاماً وتحديداً فى العام 1430 حتى تفشى الطاعون من جديد فى عهد سلطنة الملك الأشرف برسباى ومات بسببه عدد هائل من الناس حتى إن ابن إياس يقول «مات فى يوم واحد 24 ألفاً»، وكان ممن ماتوا الخليفة العباسى المستعين بالله أبو الفضل. وفى العام 1459 أيام سلطنة الملك الأشرف إينال داهم الطاعون مصر قادماً من الشام وكان شديداً إلى الحد الذى هلك به ثلث المماليك والأطفال والجوارى والعبيد والغرباء. وفى سلطنة الملك الأشرف قايتباى العام 1476 تفشى الطاعون فى مصر وهو الوباء الثانى الذى وقع فى سلطنة قايتباى ومات به عدد كبير من الأمراء والأعيان والكبراء والعامة والفقراء. وللمرة الثالثة فى دولة الأشرف قايتباى داهم الطاعون مصر فى العام 1490. ونجد لدى ابن إياس تفسيراً سياسياً ودينياً لتكرار تفشى الطاعون فيقول «كثر بمصر الزنى واللواط وشرب الخمر وأكل الربا وجور المماليك فى حق الناس» يقول ابن إياس هذا معتمداً على الحديث النبوى الذى يقول «ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالفنا». وفى سلطنة الملك الأشرف قنصوه الغورى العام 1505 تفشى الطاعون وبلغ ضحاياه فى اليوم الواحد 4 آلاف فأظهر الغورى ميلاً إلى العدل والورع تقرباً لله ليرفع البلاء فأبطل الضرائب ودعا الناس للإقلاع عن المعاصى. وفى العام 1513 فى سلطنة الغورى اجتاح الطاعون مصر ومات بها فى هذه السنة الكثير من الأمراء والكبراء ومنهم أميران من بنى عثمان بل أصيب الغورى بمرض فى عينيه وتناقل الناس شائعة تقول إنه فقد بصره وكعادته عاد الغورى مع اشتداد الأزمة إلى ورعه ودعوة الناس لهجر المعاصى وأفرج عن المسجونين ونادى بأنه «لا ظلم اليوم ومن له شكوى فعليه بالأعتاب الشريفة». وحين غزا نابليون بونابرت مصر واتخذ التدابير الصحية وكان من بينها إنشاء المحاجر والكورتينات الصحية فور وصوله إلى الإسكندرية، وحينما وصل القاهرة أقام حجراً صحياً فى بولاق وأنشأ مستشفيات عسكرية وأخرى للأهالى، حتى إنه فرض على الأهالى نشر فروشهم على الأسطح لتعريضها للشمس والهواء وعين مشرفين خصيصاً لهذا الأمر. وفى العام 1831 ومع نشوب نزاع بين والى عكا عبدالله باشا الجزار ومحمد على باشا قرر محمد على تجريد حملة لتأديب الجزار، غير أنه مع حلول صيف هذا العام داهم مصر وباء الكوليرا واستشرى فى البلاد لمدة 34 يوماً وحصد ما يقرب من 150 ألف نسمة وامتد إلى الجنود الذين مات منهم 5 آلاف ومع انتهاء الوباء استأنف محمد على حملته. وفى يونيو من العام 1883 ظهر وباء الكوليرا فى مدينة دمياط ومنها سرى إلى باقى أرجاء مصر وأطلق عليه اسم «الهيضة»، وفى هذا يقول أحمد شفيق باشا فى حولياته أنه لم تكد الثورة العرابية تضع أوزارها وينقضى عهد الفتن والاضطرابات التى أدت إلى الاحتلال البريطانى حتى منيت مصر بآفة جديدة لا تقل عن آفة الثورة ضرراً بالبلاد وفتكاً بالعباد وبلغ عدد من ماتوا بالوباء 40 ألفاً ووفدت على مصر لمكافحة هذا الوباء بعثة ألمانية برئاسة الدكتور كوخ مكتشف ميكروب السل وبعثة فرنسية برئاسة العالم باستر الكيميائى الشهير وكان الخديو توفيق يشرف بنفسه على الإجراءات الاحتياطية للمقاومة فكان يتفقد المستشفيات والمصحات ويواسى المصابين ولولا هذا لتضاعف عدد الضحايا. وفى العام 1908 جرى إحصاء لعدد المرضى فكان عددهم فى مستشفيات الحكومة 31800.