«نحن نشهد نهاية مشروع المتطرفين الإسلاميين»، هكذا قلت للصديق توماس فريدمان عندما سألنى حول رؤيتى لما يحدث فى إيران، ولم أستطرد طويلا فى الشرح، لأن هذا السؤال تكرر كثيرا فى أحاديثنا السابقة، كما أن عمود فريدمان فى «النيويورك تايمز» له خصوصيته فى طريقة إخبار القارئ الأمريكى، فهو عمود ذكى سريع الإيقاع لا يحتمل الشروحات المطولة. ورغم تحفظ الكثيرين فى عالمنا العربى على فريدمان، يبقى هو من أسرع كتاب الغرب التقاطا لهذه الرؤى المختلفة من دون مكابرة ولذلك يجيء عموده كطلقه تصيب الهدف من دون لف أو دوران. قلت له إن «أوباما هزم أسامة»، وقد أخذ هذا الاقتباس فى مقاله الأخير فى النيويورك تايمز، أى أن العالم الإسلامى استمع بمعظمه إلى باراك أوباما عندما ألقى خطابه من جامعة القاهرة، ولم يتوقف عند أسامة بن لادن وخطابه الذى بثته قناة الجزيرة. العالم الإسلامى استمع لأوباما وتجاهل خطاب أسامة لأن بضاعة الإسلاميين قد أصابها الكساد ولم تعد مطلوبة فى العالم الإسلامى اليوم. قلت لتوم فريدمان أيضا، إنه من المفارقات أن المشروع «الإسلاموى» ينهار فى الدول التى لم تتدخل فيها أمريكا، وضربت له مثلا ما يحدث فى إيران. أى كلما قل التدخل الأمريكى خسر الإسلاميون أو ظهروا على حقيقتهم أناسا مفلسين فكريا ولا برنامج لديهم، يتعيشون على عجز الأنظمة فى الداخل وعلى غباء أمريكا فى الخارج. نهاية مشروع الإسلام السياسى ليست بالمقولة الجديدة، فقد تطرق إلى الموضوع من قبل الصديق الفرنسى أوليفى روا، فى كتاباته حول أفغانستان، وزاد هذا الحوار فى نهاية التسعينات فى باريس، حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 التى ضربت برج التجارة العالمى فى نيويورك، بعدها تغير المزاج البحثى وتحدث الكثيرون عن زيادة فى شعبية بن لادن والظواهرى والحركات العابرة للحدود. فى حواراتى المختلفة مع الباحثين الغربيين الذين يؤمنون بالحركات الإسلامية كظاهرة عابرة الحدود، كنت أؤكد لهم أنهم جاهلون بطبيعة ما يحدث فى عالمنا الإسلامى. فى منطقة الشرق الأوسط لا يوجد سوى لاعب وحيد ورئيسى هو الدولة، وإن كان هناك من لاعب ثان فهو القبيلة أو العصبية العائلية فى منطقة الخليج والعراق، ما عدا ذلك فكله «زعبرة» كما يقول اللبنانيون. الإسلامويون أداة من أدوات الدول، سواء كانت حركاتهم شيعية أو سنية. ف«حزب الله» دون إيران لا وجود له، وحركة «حماس» دون دعم دول عربية وغير عربية لا وجود لها أيضا. «حزب الله» هو أداة لحروب بالوكالة بين الدول فى لبنان. إيران أيضا تمارس الحرب بالوكالة نفسها فى اليمن من خلال حركة بدر الدين الحوثى، فهى تحاول تهديد الأمن السعودى من خلال اليمن، ولكن السعودية استفادت من تجربتها مع عبد الناصر ولم تلعب هذه اللعبة مرة أخرى، وربما ستترك النار تحرق اللاعبين. ولم يصل أسامة بن لادن إلى أفغانستان ما لم تغض بعض الدول الطرف عن رحيله إلى هناك والبعض وفر له ثمن التذكرة والإعاشة وأحيانا السلاح بما فى ذلك أمريكا ذاتها، وعاش بن لادن والظواهرى وغيرهما فى بيشاور برضا أجهزة الأمن الباكستانية. كما خرج الظواهرى من مصر ليس هروبا وإنما عندما غض البعض الطرف. فهو لم يخرج هاربا شاقا عباب البحر إلى جدة ومنها إلى بيشاور، لقد خرج الرجل أمام أعين الجميع. ومن هنا أقول إنه لا حركات إسلامية أو غير إسلامية إلا من خلال دول فى المنطقة تعتبر كفيلا لها، ومن هذا المنظور، نقرأ وجود خلية «حزب الله» فى مصر، هى دول بدأت تلعب من خلال أذرع طويلة لاختبار قدرة بعضها البعض. فخلية «حزب الله» هى خلية إيران، إيران هى الكفيل و«حزب الله» هو العميل، وعملاء «حزب الله» فى مصر هم عملاء إيران قبل أن يكونوا عملاء لحزب لبنانى محدود التأثير. ومن هنا يجب ألا نصدق من يضللوننا بمقولة الحركات الإسلامية العابرة للحدود، المعارك فى منطقتنا هى معارك دول وحروب بالوكالة لا أكثر ولا أقل، ومن يقل غير ذلك فهو محدود الفهم أو مشارك فى مسلسل التضليل. ينتهى الإسلام السياسى عندما ينتهى دور الدولة الكفيل. الكفلاء فى منطقتنا اليوم مشغولون بمشاكلهم الداخلية ولا حاجة لهم بالإسلاميين فى هذا الأمر. ومن هنا يكون القول بانتهاء دور الإسلام السياسى، إلى حين، قولا مقبولا، وذلك لانشغال الكفيل بأمور أهم.