عند الحديث عن القضية الفلسطينية تحسس رأسك، فكل الكلام قبض ريح، وكل الحلفاء خانوا، لكن البعض برع فى تغطية الخيانة برداء الوطنية. الآن تدور رحى حرب بين الفلسطينيين، بين خائن وخانع، بين بائع وتاجر، بين من قتل الأهل ومن جردهم من آدميتهم، بين مناضل فى هواء الفضائيات ومناضل يسكن الفنادق الفاخرة، بين ناس يموتون من الجوع وناس يموتون برصاص الأصدقاء والأعداء. حرب تدور بين جيل التجارة والشطارة، أو كما قال نزار قبانى: (آه يا جيل الخيانات.. ويا جيل العمولات.. ويا جيل النفايات.. ويا جيل الدعارة) لا أحد من هؤلاء يريد نهاية، فالقضية لعبة ولقمة عيش. لماذا أخرج فاروق القدومى وثيقة خيانة محمود عباس، ومحمد دحلان الآن؟ هل لتفشل المصالحة فى القاهرة.. أم لإنهاء مؤتمر فتح بقتال بين أبناء الحركة؟ الخيانة تصلح عنواناً عريضاً جداً وفصلاً كبيراً من تاريخ القضية الفلسطينية، لكن هذه الوثيقة تحمل بين سطورها لبساً وتشويشاً، وتحمل فى توقيتها لغماً شديد الانفجار. لا يمكن استبعاد يد إسرائيل فى بث الوثيقة لأنها تهدف بالضرورة إلى استمرار حالة التمزق والتعارك الفلسطينى. إذا كانت الوثيقة صحيحة كان يجب إعلانها قبل تولى عباس السلطة، وإلا يكون القدومى شريكاً، وعرفات أيضاً لأنه امتلك الوثيقة، ولم يعاقب الخائنين، وإذا كانت الوثيقة مزورة، فتفجيرها الآن جريمة كالخيانة. وإذا قرأت الوثيقة لن تجد اتفاقا على شىء، صحيح شارون طلب قتل قيادات حماس وكتائب الأقصى والجهاد والجبهة الشعبية لإحداث فوضى، فرد عباس: «بهذه الطريقة حتما سنفشل، ولن نتمكن من القضاء عليهم أو مواجهتهم». وإليك حوارا وليس اتفاقا على قتل عرفات «شارون: الخطوة الأولى يجب أن تكون قتل عرفات مسموما، فأنا لا أريد إبعاده إلا بضمانات من الدولة المعنية لوضعه فى الإقامة الجبرية، وإلا فإن عرفات سيعود ليعيش فى الطائرة». أبومازن: إن مات عرفات قبل أن نتمكن من السيطرة، على كل المؤسسات، وحركة «فتح»، وكتائب الأقصى، فإننا قد نواجه مصاعب كبيرة. شارون: على العكس تماما، فلن تسيطروا على شىء وعرفات حى. أبومازن: الخطة أن نمرر كل شىء من خلال عرفات، وهذا أنجح لنا ولكم. وفى مرحلة الصدام مع التنظيمات الفلسطينية، وتصفية قادتها، وكوادرها، فإن هذه الأمور سيتحمل تبعاتها عرفات. ولن يقول للناس إن هذا فعل أبومازن. أعرف عرفات جيداً. لن يقبل أن يكون على الهامش، بل يجب أن يكون هو القائد، وإن فقد كل الخيارات، ولم يكن أمامه إلا الحرب الأهلية، فإنه أيضا يحبذ أن يكون القائد. شارون: كنتم تقولون قبل كامب ديفيد إن عرفات آخر من يعلم وتفاجأ باراك وكلينتون وتينت بأنه حر بمن يضم، ويبدو أنكم لا تتعلمون من الماضى. لكن كلام دحلان ينم عن علاقة عميقة مع الصهاينة. كثيرون يقتاتون على القضية الفلسطينية، وكثيرون يرهنون وجودهم بتأزمها، أما الأنظمة فتضعها فى يدها كقفاز ملاكم، يضرب ويتلقى الضربات، ولا ينال القفاز غير الضرب وصد الضرب. أو قل هى كالكرة تتقاذفها الأقدام، تنال الركلات وتخترق الشباك حتى تبلى بينما يحتفل المنتصرون، ويواصل المنهزمون ركلها على أمل الانتصار. القضية الفلسطينية راية فى يد أنظمة وجماعات يلوحون بها متى شاءوا وينكسونها متى أرادوا. ووثيقة القدومى ليست إلا ضربة تحقق أهدافاً إقليمية وشخصية، واسأل عن أولياء نعمة القدومى، والمستفيدين من نشر وثيقة مشكوك فى صحتها، وليس مشكوكاً فى تهم أشد فظاعة ارتُكبت باسم القضية.