لا تفارق ذاكرتى صورة «إسماعيل هنية» المناضل، قبل أن يتحول إلى حاكم بأمره فى «غزة».. كانت الفضائيات تنقل تقدمه صفوف المتظاهرين فى الشوارع، احتجاجا على السلطة الفلسطينية ونازية الصهاينة.. كان يرتدى ملابس بسيطة ويبدو مرهقا مهموما.. صادقا حزينا.. رافضا نبيلا.. لا أنكر أننى كنت أتفاعل معه وأصدقه، وأنفعل لأجله ولأجل الشعب الفلسطينى المفترى عليه من أبنائه قبل أشقائه.. ثم أعطته الديمقراطية مع رفاقه فرصة، أدعو الله ألا تتكرر، حتى لا أعيش لحظة أخرى، أرى فيها نازية حركة «حماس» عندما سحل رجالها أشقاءهم من حركة «فتح» فى لوحة يحاولون طمسها من ذاكرتنا. «إسماعيل هنية» المناضل.. أصبح حاكما بأمر الله فى غزة، ونسى أيام التظاهر والاحتجاج والصراخ فى وجه الظلم.. وترك نفسه فى مواجهة كاميرات الفضائيات، يوزع التهديد والعبارات الملتهبة التى يعرف أنها تضمن وجوده فى بؤرة الضوء.. ولما كان قد أحكم قبضته الديمقراطية – الفاشستية – على أهلنا فى غزة.. راح يوزع الاتهامات على شركاء الكفاح والنضال فى الداخل، ويطعن العرب بكل ألوان طيفهم من المحيط إلى الخليج.. ثم يهاجم المجتمع الدولى.. وفى اللحظة ذاتها يطلب منه الإنصاف والدعم والمساندة.. فالمناضل «بعد الضنا» لبس حرير فى حرير! وعندها يستلزم الأمر الظهور وسط باقات الورد فى مكاتب مكيفة، ليناشد الدنيا فك الحصار عن الذين وضعوه فى هذه المكانة.. ولو أننى مواطن غربى – أوروبى أو أمريكى – وشاهدته، فلا يمكن أن أصدق أن هذا –الحاكم بأمر الله – مسؤول عن شعب لا يأكل ولا يشرب، ولا يجد وسائل تدفئة أو مواصلات، أو دواء وعلاج.. وهو الخطأ نفسه الذى يقع فيه كل المناضلين من أمثاله، عندما تنقل الفضائيات صورهم ملثمين يطلقون أعيرة النار فى الهواء.. وكأنهم يقولون للعالم غير الحقيقة، ليس تآمرا ولكن جهلا وغطرسة.. وهذا سبب فقدانهم تعاطف الرأى العام العالمى وبعض العربى. «إسماعيل هنية» المناضل بعد الضنا حرق أوراق الماضى من أجل مستقبل يداعب خياله.. وأعطى الاحتلال الإسرائيلى كل مبررات الانفراد بشعب مسكين، ليفترسه دون اكتراث بصورة الحاكم بأمر الله فى «غزة».. فهو تاجر كلام فارغ، وموقف وارد «تايوان»!! فمن يملك التهديد.. لابد له من امتلاك السلاح القادر على ترجمة مواقفه وعنترياته إلى معارك على الأرض.. وهذا ما فعله السيد «حسن نصرالله» الذى احترمناه وقدرناه بقدر ما يخشاه العدو.. واختلفنا معه دون أن تهتز صورته كصادق وقوى.. لكن المناضلين أمثال «إسماعيل هنية» لا يقدرون على صناعة غير الخراب، ثم يتهمون عدوهم وشقيقهم بحصار الشعب الفلسطينى، مع أن الذى حاصر هذه الأمة هو «المناضل بعد الضنا ورفاقه»!.. فهم يجيدون العزف على أوتار مشاعر الأمة، ويعجزون عن استخدام عقولهم وتحريك فكرهم الراكد للقتال ضد الأعداء.. ما أسهل أن يرفض الاعتراف بإسرائيل.. وما أسهل أن يطلق صواريخه على المستوطنات.. لكن الصعب هو تلبية احتياجات الأمة لحياة كريمة.. وأولئك لا يؤمنون بالطريق الصعب بقدر ما يجيدون الكلام عنه.. وعلى دربه راح «خالد مشعل» يسب فى كل من يطلب عونهم.. ويزرع الشك فى كل من يرجوهم إنصاف الشعب الفلسطينى.. لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ويعلنون غير ما يبطنون.. ثم يوزعون الاتهامات على غيرهم، طالما أنهم لا يعيشون على أرضهم ولا يحصلون على دعمهم – النقدى – فهذا زمن المناضلين بعد الضنا.. وبعد ما لبسوا حرير فى حرير!! Nasr_elkafas@hotmail