منذ سنوات قليلة قال الرئيس مبارك رداً على الانزعاج الذى ساد مصر من انتشار الفساد إن الفساد موجود فى العالم كله وليس مقصوراً على مصر، وهو قول صحيح، هل كل الفساد يتساوى؟ إذا تخطى مواطن دوره فى دفع فاتورة التليفون لأن رئيس السنترال قريبه فهذا فساد، ولكن هل يتساوى مع فساد محافظ يتقاضى رشوة بالملايين؟ إن الفساد أنواع ودرجات، وما يعتبر فساداً فى دول شمال أوروبا قد يعتبر لعب عيال فى جنوبها، وفى مصر يعتبر نكتة. أحكى بعض الأمثلة الشهيرة. منذ سنوات قليلة أعلن رئيس الوزراء فى السويد تقاعده فى نهاية العام، وكان من الطبيعى أن تخلفه نائبة رئيس الحزب السيدة منى ساندلين، ويشاء حظ السيدة منى وهى فى طريقها إلى المنزل عن طريق المترو (وهو أمر عادى هناك) أن شاهدت محلاً يعرض فستاناً جميلاً وعليه تخفيض كبير، فدخلت المحل ولم يكن معها فلوس، واضطرت إلى شراء الفستان بكارت الفيزا الذى أعطاه لها الحزب لأعماله. وفى اليوم التالى ذهبت إلى المسؤول المالى فى الحزب وأخبرته بما فعلت ودفعت ثمن الفستان فى خزينة الحزب. قبل توليها منصب رئيس الوزراء أخذ المنافسون ينقبون بحثاً عن أى مخالفات لها ووجدوا حكاية الفستان وقامت الدنيا ولم تقعد. كيف يمكن لرئيسة وزراء المستقبل أن تشترى فستاناً من أموال الحزب، ولا يهم أنها سددته بالكامل بعد نصف يوم. قالوا إن شراء الفستان يعنى أنها ممكن أن تضعف أمام الإغراء، وبعد مقالات طويلة عريضة فى الصحف استقالت السيدة منى من وظيفتها، وفقدت منصب رئيس الوزراء تحت ضغط الرأى العام. هذا هو الفساد فى أقصى شمال أوروبا. أما إذا توجهنا جنوباً قليلاً إلى إنجلترا، فقد استقال ستة وزراء من حكومة جوردون براون وعدد من نواب البرلمان من الحزبين بسبب تفجر فضيحة كبرى، أتعلمون ما هى الفضيحة؟! إن القانون البريطانى يعطى لعضو البرلمان من خارج لندن حق الصرف على شقه لإقامته فى لندن، وقد ثبت أن بعض النواب والوزراء صرفوا بضع مئات من الجنيهات على أشياء ليس لها علاقة مباشرة بالشقة فى لندن أو كانت المصاريف مبالغاً فيها واعتبر الأمر كارثة كبرى سوف يسقط بعدها حزب العمال فى الانتخابات القادمة. أما الفساد فى مصر فحدث ولا حرج. تكتب الصحف عن عشرات الوزراء وبعض رؤساء الوزارات الذين تربحوا من عملهم الوزارى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بمئات الملايين من الجنيهات، وأصبحوا هم وأولادهم وأحفادهم من كبار رجال الأعمال الذين تكونت ثروتهم بالكامل عن طريق النفوذ، وهناك محاسيب أصبحوا مليونيرات بطرق يقال إنها قانونية مثل تملك أراض شاسعة من الدولة أو فيلات كبيرة عن طريق الدولة أيضاً بمبالغ ضئيلة بالتقسيط ثم بيعها بملايين الجنيهات. هناك حكاية معروفة عن طبيب كبير وشهير قضى أربعة عقود يمارس الطب بنجاح، وكون ثروة لا بأس بها من ممارسة المهنة طوال هذه المدة، وفى أحد الأيام اتصل به مكتب أحد الوزراء وطلب منه علاج مريضة تهم الوزير بدون أتعاب، وفعلاً قام الطبيب بذلك وأجرى لها أيضاً جراحة صغيرة، وبعد فترة طلب الوزير الطبيب لمقابلته فى مكتبه وشكره على علاج المريضة وعرض عليه شراء قطعة أرض متميزة. ولما كان الطبيب لا يفهم فى أمور الأراضى والبيزنس فقد شكر الوزير واعتذر، ولكن الوزير صمم وقال إن هذه الأرض سوف يكون لها مستقبل كبير وهى على أقساط طويلة، فاشترى الطبيب الأرض، وبعد سبع سنوات تذكر الطبيب الأرض التى ما زال يدفع أقساطها وقرر أن يعرضها للبيع وفوجئ الطبيب بأن ثمن الأرض المعروض كان أكبر مما كسبه الطبيب الشهير خلال أربعين عاماً من العمل المستمر. إن شراء هذه الأرض كان قانونياً مائة بالمائة ولا غبار عليه، وفى مصر هذا ليس فساداً وإنما فى أى مكان فى العالم هذا الفساد بعينه. ومقارنة بما يحدث فى برلمان إنجلترا انظر إلى ما يحدث فى برلمان مصر، حيث الفساد الأكبر فأعضاء البرلمان فى إحدى دوائر القاهرة يزوّرون الإمضاءات ويشترون ويبيعون أملاكاً لا علاقة لهم بها. وبعضهم يتقاضون أموالاً يقال إنها للصرف على دوائرهم لتنشيط الحزب الوطنى ولكن البعض يقول إن هذه رشوة مقنعة. حين قال عضو البرلمان، والمساعد الرئيسى لرئيس الجمهورية إن الفساد فى المحليات أصبح للركب، فمعنى ذلك أنه وصل من أعلى نقطة إلى أسفل نقطة، وهى المحليات.