خدمت فى العاصمة الهندية «نيودلهى» سكرتيراً أول ثم مستشاراً فى السفارة المصرية هناك وعملت مع سفيرين هما الراحل «هشام عامر» الذى كان أول دفعته فى الجامعة وأول دفعته فى السلك الدبلوماسى الذى قضى إلى ربه فى مطلع الخمسينيات من عمره دون أن تكون له زوجة أو ولد، والسفير الثانى كان هو الفقيه القانونى الدولى د. «نبيل العربى» الذى أصبح بعد ذلك مندوباً لمصر فى مقر الأممالمتحدة«بجنيف» ثم مقرها فى «نيويورك» ثم أصبح قاضياً فى محكمة العدل الدولية، ولقد كان اسم «نجمة هبة الله» قريباً من السفارة المصرية وأعضائها فى جميع عهود السفراء المصريين المختلفين بمن فيهم «عمرو موسى» الذى أصبح سفيراً لمصر فى «الهند» بعد أن غادرتها بأسابيع قليلة، والسيدة «نجمة هبة الله» هى حفيدة مولانا «أبوالكلام أزاد» أحد أبطال الحرية والاستقلال فى «الهند» وزعيم المسلمين فيها ورغم شعبيته الجارفة لم يتمكن المهاتما «غاندى» من توليته المنصب الرسمى الأول فى «الهند» وهو منصب رئيس الوزراء فى النظام البرلمانى الهندى بسبب إسلامه، وذلك رغم أن الهند دولة فيدرالية تحت مظلة جمهورية ديمقراطية علمانية، وأقصى ما استطاعه النظام الهندى هو أن يعطى منصب رئيس الجمهورية لقيادات مسلمة من أمثال «ذاكر حسين» و«فخر الدين على أحمد» والعالم الكبير «أبوبكر عبدالكلام» لأن منصب رئيس الجمهورية فى «الهند» منصب شرفى أكثر منه سياسيا، تقتصر مهمته على بعض المهام المراسمية، لذلك لا تمانع الدولة الهندوسية فى أغلبيتها إعطاء هذا المنصب لممثلى الأقليات تكريماً لهم وتأكيدا للوحدة الوطنية الهندية رغم بعض الأحداث الطائفية والصدامات الدينية، ولقد كانت السيدة «نجمة هبة الله» البرلمانية الهندية البارزة قريبة من الجالية المصرية لأن وحدة الدين تصنع أحياناً جسراً ثقافياً يساعد على التفاهم والتواصل، ولقد حاولت هذه السيدة بجولاتها الخارجية وتحركاتها الداخلية أن تصنع لنفسها ولبلدها اسماً مضيئاً ولقد نجحت فى ذلك إلى حد كبير حتى وصلت إلى منصب رئيس البرلمان الدولى، وكلما التقيتها أنا وأسرتى فى زيارة لها بالقاهرة أو زيارة لنا فى «الهند» أو فى أحد المؤتمرات الدولية بالخارج تتجدد الصداقة وتتعمق الصلة التى امتدت بيننا عبر الثلاثين عاماً الماضية.. إن «نجمة هبة الله» نموذج للسيدة الهندية المسلمة التى ورثت روح المهاتما «غاندى» وجرت فى عروقها دماء جدها مولانا «أبوالكلام أزاد» وهى تنظر إلى مصر تحديداً لا باعتبارها عاصمة أفريقية كبرى فقط ولكن باعتبارها أيضاً عاصمة العالمين العربى والإسلامى وهذه نقطة جديرة بالاهتمام، فالأقليات المسلمة فى دول العالم المختلفة تتطلع إلى القاهرة و«أزهرها الشريف» باعتبارها قلعة الدين وأم الدنيا، لذلك فإن «نجمة هبة الله» هى نموذج مبهر لسيدة آسيوية خرجت من وطن «أنديرا غاندى» لتثبت دور المرأة ومكانتها وتشق طريقها إلى أعلى المناصب وأرفع الدرجات على المستويين الإقليمى والدولى، وقد التقيتها آخر مرة فى مؤتمر الاتحاد البرلمانى الدولى بمدينة «جنيف» ووجدتها هى نفسها بذات الحماس والبساطة والتلقائية والذكاء، لم تتغير شخصيتها ولم تتلون بحكم المناصب الكبرى التى بلغتها، وكنت قد التقيتها قبل ذلك بعامين فى العاصمة الهندية عندما اصطحبنى د. «أحمد فتحى سرور»، رئيس مجلس الشعب المصرى، وهو رئيس أسبق للاتحاد البرلمانى الدولى أيضاً - فى زيارته «لنيودلهى» - لنشارك فى احتفال برلمانها بأحد أعياده، ويومها، كانت السيدة «نجمة هبة الله» تهرول بين المجلسين الأعلى والأدنى (الراجا صابها واللوك صابها) تحيى وفداً هنا وتتحدث إلى وفد هناك متجاوزة عقدة الأقلية ومتفاعلة مع زملائها وزميلاتها من منطلق «الهند» الدولة الكبرى فى جنوب آسيا.. إن العمل الدبلوماسى يعلم الإنسان عشرات النماذج والأمثلة من الشخصيات المختلفة فى أنحاء الأرض ويخرج منها فى خاتمة المطاف برصيد رائع من الأشقاء والأصدقاء والأعداء أيضاً.