يدفع البحث عن نقطة لقاء مع الثقافة العربية بملايين القراء فى الغرب للاهتمام بالأدب العربى، محركًا عتاة صناعة النشر فى جميع أرجاء العالم صوب الاجتهاد فى التنقيب عن وجوه جديدة تقدم هذا الأدب، وتحقق أرقام مبيعات كبيرة. آخر هذه المحاولات هى مبادرة «بيروت 39»، وترعاها مؤسسة «هاى فيستيفال» الإنجليزية الشهيرة، التى تقوم على اختيار 39 وجهًا عربيًا شابًا، لتمثيل الثقافة العربية فى الخارج. وبالمثل أعلنت دار «بلومزبيرى» الإنجليزية الشهيرة فى أكتوبر الماضى عن افتتاح قسم نشر عربى فى قطر، تهدف منه إلى اكتشاف مواهب جديدة تحقق نجاحًا كالذى حققه علاء الأسوانى. وعلى الرغم من هذه المحاولات تظل وجوه بعينها تحتكر تمثيل الثقافتين المصرية والعربية عموما فى الخارج، وتختزل واقع الكتابة الأدبية العربية فى أنواع محددة. وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول أسباب هذا الاختزال، وتكريس أسماء بعينها كأوجه الثقافة العربية. أوضح الكاتب إبراهيم أصلان أن ثمة خللاً فى تمثيل الأدب المصرى خارجيا، وقال: «النظرة العامة على النسب تؤكد ذلك، فمن أبناء جيلى (الستينيات) لم يعد يسافر إلى الخارج إلا واحد أو اثنان، ففى معرض تورنتو للكتاب لم يسافر سوى المجموعة، التى ترجمت أعمالها إلى الإيطالية فقط كذلك فى مهرجان تولوز بفرنسا لم يسافر أحد تقريبا». وفى رأى أصلان تشبه اختيارات الجهات الغربية، ما يحدث مع الجوائز الأدبية، فهناك أسماء لا يمكن الاعتراض عليها- والكلام هنا على لسان أصلان- لكن فى سبيل منحها الجائزة يتم تجاوز آخرين مثل محمد البساطى، الذى لم ينل تكريما واحدًا من الدولة رغم منجزه الأدبى الكبير. د.يوسف زيدان، صاحب رواية «عزازيل»، التى حازت جائزة البوكر 2008، يرى أن المشكلة تكمن فى سيطرة بعض الوجوه المصطنعة على الساحة الأدبية العربية خارجيًا، فقال: «تمثيل مصر أدبيا يرتبط بعدة أمور منها ما هو حقيقى ومنها ما هو مصطنع، فمن الأسباب الحقيقية المنجز الذى قدمه الكاتب، وقد يكون هذا المنجز على مستوى الجوائز الدولية أمراً يلفت الأنظار فى مصر وخارجها إلى أديب بعينه». واستطرد زيدان- الذى اقتحم مجال الأدب فى مرحلة متأخرة جدًا من حياته: «هناك أسباب أخرى أيضًا قد تدفع بكتاب معينين إلى المقدمة، منها مثلا الترويج الإدارى الذى تقوم به دار النشر، والمصالح الشخصية المرتبطة بمراكز هؤلاء الكتاب، ومع الوقت قد يتوهمون أنهم حقيقيون وهم ليسوا حقيقيين». ويتفق معه الروائى إبراهيم فرغلى، إذ قال: «اختيار كاتب مثل جمال الغيطانى، أو أى كاتب حقيقى حتى لو من جيل الشباب طبيعى، لكن اختيار بعض المدّعين هو الكارثة». وتابع: «يساهم فى إبراز هؤلاء المدّعين عدة عوامل من بينها المناخ الثقافى نفسه فى العالم العربى، وهو مناخ هش وضعيف وبالتالى فإن تكريس أسماء بعينها جزء من هذا المناخ الفاسد». واستنكر: «تمثيل العرب فى فرانكفورت كان نموذجا من نماذج اختيارات غلب عليها الطابع المؤسسى، أكثر منه اختياراً لوجوه مبدعة حقيقية يمكنها أن تمثل مصر بشكل جيد أدبيا وإبداعيا». أما علاء الأسوانى، فيرد هذا الخلل إلى المؤسسات الثقافية العربية قائلاً: «نحن لم نجتهد فى تقديم الأسماء للعالم حتى نقول إنه تم اختزالها، فوزارة الثقافة ومؤسسات الدولة لا تقدم أدباءها للعالم». وأضاف صاحب عمارة يعقوبيان: «لا يمكن أن نلوم على الغرب اكتفاءه بأسماء معينة، لأننا لم نترجم ما نراه يستحق من الأعمال». ويضع الأسوانى صدور ترجمة جيدة كأولى خطوات تأهيل عمل للانتشار العالمى، مؤكدًا: «يأتى التمثيل بشكل طبيعى حين ينجح كتاب فيترجم فينتشر فى الداخل ثم فى الخارج». أما إبراهيم أصلان، الذى اندهش من رواج بعض الكتب داخليًا وخارجيًا، وهى ذات مستوى فنى ضعيف أو متوسط، فيخلص إلى أن الترجمة ليست معيارًا للقيمة، وأضاف: «لا أعول على الترجمة كثيرًا، ولا أعتبرها أهمية قصوى فباستثناء كتاب أو اثنين لم تصنع الترجمة نجومية أحد»، وأوضح: «الكتب العربية تترجم منذ زمن لكن قراءها محصورون فى أقسام الدراسات العربية والمهتمين بأدب المنطقة، وهؤلاء فى مجملهم أكبر من جمهور القراءة العربى». وانتقد أصلان فى هذا الإطار السعى اللاهث من قبل بعض الأدباء للترجمة إلى لغات أخرى، وقال: «تحولت الترجمة لهاجس، لعب دورا فى تحول مفهوم الكتابة عند الكثير من الأدباء، فأصبحت هناك مواصفات مطلوبة لترجمة الكتاب». من ناحية أخرى، أشار زيدان إلى المفارقة التى قد تصنع نجوما وهم على مستوى أقل بكثير مما يبدون عليه، وقال: «من المعروف أن هناك نصوصا مصرية ترجمت لنصوص أعلى قيمة من النص العربى الأصلى، بالتالى انتشرت وحققت نجاحا». المراقب للكتب التى حققت نجاحات كبيرة فى الفترة الأخيرة عالميا، لابد أن يلمس سعى القارئ الغربى إلى التلصص على تابوهات المجتمع المصرى، فى موضوعات الدين والجنس والسياسة بعيدا عن الجودة الفنية للأدب، وعلى رأسها مؤلفات د.نوال السعداوى و«عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسوانى، وعربيا «بنات الرياض» للكاتبة رجاء الصانع. فسر هذه الظاهرة إبراهيم فرغلى قائلا: «المشكلة الأساسية أن الغرب لا يتعامل معنا باعتبارنا منتجين للثقافة، وإنما يتعامل بمنطق أننا «فرجة» فيأتى الكاتب ليتحدث عن السياسة فى بلاده وحرية التعبير والحجاب والأقباط والمسلمين، لكنه لا يتحدث عن الفن أو الأدب لأنه لا تتاح له الفرصة لذلك من الأساس». ومن جهة أخرى، رفض زيدان تعميم هذا الطرح، قائلا: «هناك أعمال تبدو وكأنها تتحدث عن شأن داخلى، لكنها فى الوقت ذاته تمس القارئ الغربى، مثل روايتى عزازيل التى قد تعطى انطباعًا بأنها معنية بالتاريخ الكنسى فى مصر بالمفهوم الضيق، لكن ذلك غير صحيح لأن الوقائع والأحداث والخطاب الروائى فى عزازيل تتجاوز حدود مصر».