عندما كنت صبيا فى سن خطر كان أغلب الناصحين لى يحذروننى من خطورة الافتتان بالمغنى العالمى مايكل جاكسون لأنه ليس سوى يهودى «ناصح» داعر سخرته الصهيونية العالمية من أجل أن يفتن شباب المسلمين ويقنعهم بالانسلاخ من جلودهم كما انسلخ هو من جلده، بالطبع دفعنى الإفراط فى النصح أنا وغيرى لأن نتناصح بسماع موسيقى مايكل ومشاهدة رقصه سرا، وعندما سمعته مترقبا متعة الخطيئة خاب أملى واكتشفت أننى أحببت أكثر الشيخ سيد مكاوى وهو يتجلى مغنيا «الليل بدموعه ساكت وياويلى من سكاته»، وهى بالمناسبة أول أغنية سمعتها من ورا ضهر أهلى الذين كانوا يحرمون سماع الغناء، وكانت تلك لحظة الحقيقة الأولى التى اكتشفت فيها أن الغناء الغربى لن يدخل فى ذمتى بنكلة مهما حاولت أن أفهمه أو أتذوقه، بعدها جربت أن أقلد حركة راقصة أبهرنى أداء مايكل لها ذات فيديو، فاختل توازنى وارتطم رأسى بحرف الدولاب، ومع أن الله سلّم ولم تسل منى دماء تتطلب التفسير، إلا أننى تعلمت درسا مستفادا، لا أعنى استحالة تقليد رقص مايكل المعجز، بل إن نظرية مؤامرة الصهيونية العالمية لا تخلو من الوجاهة، فلو حاول شباب المسلمين أن يفتتنوا بمايكل جاكسون وحاولوا تقليد رقصه الداعر كما فعلت لما بقى الكثيرون منهم بصحة جيدة تكفى لمقاومة الصهيونية العالمية. عندما كبر مايكل وكبرت معه وجدت أغلب من كانوا لى من الناصحين يكبرون ويهللون لأن الله هدى مايكل جاكسون إلى الإسلام، لأن ملايين المعجبين به فى أنحاء الأرض سيدخلون فى الإسلام حتما ولزما، ومرت السنون دون أن يحدث ذلك، ربما لأن الجميع عَلِم والعلم عند الله أن إسلام مايكل كان سبوبة لتضبيط أموره المالية مع نجل ملك البحرين التى استضافته لديها بعد أن أفلس وقضى أياما صعبة بين ديون متراكمة وأزمات نفسية وصحية واتهامات بأنه كان يأخذ عيال لوس أنجلس ليريهم «القطر» فى مزرعته الشهيرة «نيفر لاند»، وهو ماجعل كثيرين من الذين فرحوا بإسلامه «يستعرّون» منه ويطعنون ليس فقط فى صدق إيمانه بل فى حُسن إسلام جماعة «أمة الإسلام» التى أسسها الأمريكى الملتبس لويس فرخان والتى ينسب لها فضل إدخال مايكل فى الإسلام، وهى التى ينتمى لها أخوه الأكبر الذى أعلن أن مايكل كان يحتفظ بمصحف صغير معه، وأنه أوصى بتغسيله وتكفينه وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية ودفنه متجها إلى مكة، على أى حال نرجو أن ينتفع مايكل بإسلامه فى الحياة الآخرة، فلا هو ولا نحن انتفعنا بإسلامه فى الحياة الدنيا. بعد إعلان خبر وفاة مايكل جاكسون بساعات رأيت فى حديقة الهايد بارك بقلب لندن فتيات فى عمر الزهور وشبانا فى حجم البغال يتشحتفون من البكاء الذى تحول بعد قليل إلى حالة غناء ورقص جماعى للتعبير عن افتتانهم بأسطورة مايكل، مع أننى ظننتهم فى البداية يبكون على قيمة تذاكر حفلاته التى راحت عليهم، والتى كان ينتظر لها أن تكون أبرز حدث فنى فى بريطانيا هذا العام، كان مايكل قد أجرى بروفاتها الأخيرة قبل رحيله بأيام، والمذهل أن مايكل كما كشف المحيطون به، من فرط إدمانه للمخدرات و«البورشام» لم يكن كعادته قد قرأ عقود الحفلات التى وقعها مع شبكة المحمول البريطانية الكبرى «أو تو» فقد كان يظن أنها عشر حفلات فقط، مع أن العقد كان ينص على خمسين حفلة تنطح حفلة فى شتى أنحاء بريطانيا، أى أن مايكل لو لم يكن سيموت من المخدرات كان سيموت من الإرهاق، الشركة المنظمة للحفلات التى بيعت تذاكرها فورا لم تبلطج على الجمهور وتقول لهم إن ما حدث قسمة ونصيب وخسارة على الكل ولازم نشيل بعضينا ياجماعة، بل تعهدت أن تعيد التذاكر إلى الجمهور فورا على عينها، ولو أنها حاولت فى البدء أن تصيع قائلة إنها ستنصح الجمهور بأن يحتفظوا بتذاكرهم كسوفينير إن أرادوا، على أساس أن هناك من سيكون سعيدا بالاحتفاظ بتذكرة حفلة مات المغنى قبل أن يحييها، قلت فى عقل بالى لو كان هؤلاء البلهاء استعانوا بخبير فى النصب من أبناء جلدتنا لنفحهم تخريجة بأن يعلنوا أنهم سيتبرعون بقيمة مبيعات التذاكر لدعم الأطفال الذين تعرضوا للتحرش الجنسى، أو يستصدر لهم فتوى من أى برنامج فتاوى بأن رد التذاكر حرام شرعا لأن الأمة التى أصبح مايكل فردا من أفرادها أمة لا تقبل العوض. ونكمل غدا * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]