ليلة السبت الماضى، تغالبت على كراهيتى التاريخية للزحام وقبلت دعوة زميلة من أيام الدراسة، لحضور طقوس (أقرب لمهرجان فنى استعراضى) فجر 21 يونيو، أطول نهار فى السنة، حول أحجار ستونهيدج Stonehenge الأثرية على بعد ثلاث ساعات سفر غرب لندن. الصديقة كاهنة وهى ترجمة اجتهادية لDruid لكاهن/كاهنة الديانة الوثنية قبل الاحتلال الرومانى ودخول المسيحية. صديقتى درويد بالوراثة من نساء الاسرة لألف و500 عام حسب شجرة العائلة التى تعتز بها. الوثنية، ترجمة غير دقيقة لكلمة paganism لأن الدرويديين ( جمع درويد) لم يعبدوا أوثانا كالعرب قبل الإسلام، وليسوا كهنة، فطقوسهم لم تمارس فى معابد مهيبة كالديانة المصرية القديمة وهم اقرب للطبيعة بطقوس احتفالية بموسيقى ورقص حول بحيرات أو شلالات أو أحجار رتبت فى الهواء الطلق لعكس صورة القمر أو أشعة الشمس فى أيام محددة. الديانات القديمة (غير الكتبية المعروفة بالسماوية)، حسب دراسات الثيولوجيين، توافق طقوسها مناسبات ذات أهمية بالغة اقتصاديا، والالتزام بها كان ضروريا لسير الحياة وبقاء الناس. فالديانة المصرية الأصلية الشمسية (آمون - رع) بدأت بتقسيم السنة إلى شهور متساوية وخمسة أيام النسيب لحساب منسوب النيل، واهب الحياة للمصريين، بدقة لتحديد زراعة المحاصيل. ومثل أى أمة تقاوم ديانة الفاتح المستعمر بالتمسك بدينها، تمسك البريطانيون بديانتهم الأصلية لمقاومة المسيحية الرومانية. واستولت الكنيسة الرومية وبعدها الإنجليكية على مناسبات الدرويديين لتنصرها، منتصف الصيف، فأصبح يوم القديس يوحنا المعمدان، وأطول ليلة شتاء أصبحت الكريسماس؛ وعيد الأرواح/ الساحرات Halloween، منتصف الخريف بتساوى النهار والليل طولا، أصبح صلاة الشكر عند الحصاد (مثلما حول الرومان ثم المسيحية أقدم عيد مصرى، شم النسيم إلى أسبوع عيد الفصح/القيامة). أحجار ستونهيدج يقدر عمرها ب 3100 ق.م. فى شكل دائرة ويقف كبير الدرويديين ليواجه صعود أشعة الشمس من بوابتها فى شروق منتصفى الشتاء والصيف (لا تقارن بإعجاز نفاذ شعاع الشمس إلى داخل معبد أبى سمبل فى شروق منتصفى الخريف والشتاء). المؤسسة الدينية الرسمية لا تتدخل فى شؤون الناس بفتاوى التحليل والتحريم، فحرية العبادة أكثر قدسية من الأديان التى يزيد عددها على 700 فى بريطانيا (إحصائيات رسمية)، ولذا احتشد فى ستونهيدج 36500 غالبيتهم pagants يمارسون شعائرهم واكثرها موسيقى واغانٍ متعددة اللغات، فلم تزد نسبة البريطانيين على 10%. أكثر من 32 ألف زائر أدخلوا جيوب الإنجليز فى يومين أكثر من 35 مليون جنيه (3000 مليون جنيه مصرى). أفقت من حساباتى وصديقتى الدرويد تطلب «عزومة» لاحتفالات رأس السنة ال 6251 بالتقويم المصرى الفرعونى فى شهر توت (سبتمبر)، معتقدة أنها ولا شك ستكون فى معبد الكرنك. استغربت صديقتى من تجاهل المسؤولين عن آثارنا العظيمة لقرابة 25 مليونا (معظمهم فى الأمريكيتين واليابان) يدينون بديانة مصر الأقدم (تشير الدراسات الى تطور مفهوم الثالوث المقدس عن ايزيس وازوريس وحورس)، واغلبهم يتمنون «الحج» الى مصر فى ايام محددة كرأس السنة المصرية، وشم النسيم، ويومى نفاذ أشعة الشمس الى تمثال رع فى أعماق قلب معبد أبى سمبل. تخيلت فيلما تسجيليا متعدد اللغات عن قصة ايزيس واوزويريس وحورس، وكتيبات مصورة للاطفال، واحتفالا سنويا تتبناه مصلحة الآثار برأس السنة المصرية لجذب هؤلاء الملايين، فيدرون مليارات على مصر، وتتحقق نبوءة آلاف السنين لأجدادنا فى توابيتهم بنهضة أرواحهم لفتح أبواب الرزق للأحفاد. أفقت على أسئلة صديقتى: لماذا يتجاهل المصريون الجانبين الروحانى والاحتفالى الفنى لآثار أعظم حضارة شهدها تاريخ الإنسانية؟أحيل السؤال لمعالى وزير السياحة، وللدكتور زاهى حواس.