محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    قلادة النيل لترامب.. تكريم رئاسي يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية    89.1 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة الإثنين    نقابة الإعلاميين تناقش خطة تطوير الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي    محافظ قنا يتفقد أعمال تنفيذ كوبري أبو شوشة لمتابعة معدلات الإنجاز وتحقيق السيولة المرورية    ما الذي تفعله مصر لتطوير المهارات الرقمية لمواطنيها؟    رئيس مدغشقر يعلن الانتقال إلى "مكان آمن" لحماية حياته وسط تصاعد الاحتجاجات    إسرائيل تتسلم جثث أربعة رهائن من غزة ضمن اتفاق الهدنة    مصافحة غريبة بين ترامب وماكرون تسرق الأضواء في قمة شرم الشيخ للسلام    أمير قطر: سعداء بنتائج قمة شرم الشيخ ونأمل بحل شامل للقضية الفلسطينية    شبانة: مصر تحمل رسالة سلامة للعالم من شرم الشيخ    ما هي نصوص اتفاق وقف الحرب في غزة؟    أسامة كمال: فلسطين علاقة دم وروح وتضحيات شعب.. مش مجرد ملف سياسي    عضو ب«الشيوخ»: قمة شرم الشيخ حدث تاريخي فارق نحو السلام.. ومصر قلب المنطقة النابض    حلم التأهل يتلاشى، كوسوفو يفوز على السويد في عقر داره بتصفيات كأس العالم    عماد النحاس: تدريب الأهلي كان حلم حياتي، والخطيب قال لي ده وقتكم تقودوا النادي    سعفان الصغير يكشف سبب ضم استبعاد الشناوي وضم شوبير لمنتخب مصر    فوز صعب لألمانيا في معقل أيرلندا الشمالية بتصفيات كأس العالم    شبانة: لقاء وزير الرياضة مع إنفانتينو يفتح الباب أمام مصر لاستضافة كأس العالم    نجم الزمالك السابق: نشعر بالفخر بعد قمة السلام    ويلز ضد بلجيكا.. انتصار مثير للشياطين الحمر بتصفيات كأس العالم 2026    اتهم ابنتي عمته، تحرك أمني في واقعة منع حضور عمرو الدجوي جمعية الشركة المصرية المتحدة    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    مخرجة فيلم الرسوم المتحركة "KPop Demon Hunters" ترفض تحويله إلى عمل واقعي    أحمد المسلماني يعلق على تغطية ماسبيرو لقمة شرم الشيخ    بحضور صناع الأعمال.. عرض أفلام مهرجان بردية وندوة نقاشية بالمركز القومي للسينما    السيطرة على حريق نشب أعلى عقار بمنطقة طوسون في الإسكندرية    عبدالعزيز الدالي رئيسا للجمعية الزراعية ب«تفهنا العزب» في الغربية    ألمانيا تواصل انتصاراتها في تصفيات المونديال بفوز صعب على إيرلندا الشمالية    تأييد حكم ل 5 متهمين خطفوا شابين وأجبروهما على ارتداء ملابس نسائية بالصف    رئيس الطائفة الإنجيلية: مصر تؤكد ريادتها في ترسيخ السلام بقمة شرم الشيخ    هل الحزن علامة ضعف؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير البترول: تعظيم الاعتماد على التكنولوجيا في البحث وزيادة إنتاج الغاز أولوية    الجبلي: الزراعة تشهد طفرة غير مسبوقة بدعم من الرئيس السيسي    حالة الطقس غدا الثلاثاء 13/10/2025 الأرصاد: رطوبة معتدلة وأجواء جافة غدًا    إقبال كبير على تذاكر حفل آمال ماهر فى مهرجان الموسيقى العربية    خبير استراتيجي ل"كلمة أخيرة": تصريحات ترامب تهدف لإعادة ترسيم الحدود    12 عرضا مسرحيا.. برنامج ملتقى شباب المخرجين بمسرحى السامر وروض الفرج    بعد إشادة ترامب بانخفاض معدل الجريمة.. إحصائيات تؤكد: مصر واحة الأمان    هل يجوز إخراج زكاة الذهب للأقارب؟ .. عضو بمركز الأزهر تجيب    وكيل الصحة بالمنوفية: إنشاء صندوق لتلقي الشكاوى داخل المستشفيات    الصحة العالمية تحذر: البكتيريا المقاومة للأدوية تزداد خطورة في جميع العالم    مدير مستشفى كفر الشيخ العام يحيل واقعة إعداد موظفات لإفطار جماعي للتحقيق    «طلب العلم واجب على كل إنسان».. أمين الفتوى يوضح حكم منع الأب بناته من التعليم    رئيس جامعة بني سويف التكنولوجية يستقبل وفد المعهد الكوري للاقتصاد الصناعي والتجارة    إحالة العاملين المتغيبين في مركز الرعاية الأولية بالعريش للتحقيق بعد زيارة مفاجئة    وزير الري: مصر كانت وما زالت منبرًا للتعاون والعمل العربي والإسلامي المشترك    ضبط صانع محتوى في الإسكندرية نشر فيديوهات بألفاظ خادشة لتحقيق أرباح    فوز الطالب محمد ربيع بمنحة الدكتورة ريم بهجت بمصر للمعلوماتية    تكريم أفضل طلاب الجامعات الملتحقين ببرنامج التدريب الصيفي بوزارة الرى    جامعة عين شمس تستقبل وفدا من أبوجا النيجيرية لبحث التعاون    خالد جلال ضيف بودكاست كلام فى السينما مع عصام زكريا الليلة على الوثائقية    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    اليوم.. بدء استيفاء نموذج الطلب الإلكتروني للمواطنين المخاطبين بقانون «الإيجار القديم» (تفاصيل)    محدش يعرف حاجة عنهم.. 5 أبراج تكتم أسرارها وخطوات حياتها عن الناس    محافظ القاهرة: تكثيف أعمال الرقابة علي كافة السلع وضبط الأسواق    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذهب والديون ومؤشر الخوف.. وإرهاصات العام الجديد
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 10 - 2025

يبدو أن العام المقبل سيولد من رحم التقلبات؛ فأسواق الذهب تتحرك كمرآة دقيقة تعكس أدقّ اهتزازات الاقتصاد العالمى وأى انفعال فى لهجة صانعى القرار، بينما يتأهب مؤشر الخوف لرصد تداعيات موجة جديدة من الحمائية المتصاعدة بين واشنطن وبكين، فى وقت تدخل فيه أوروبا على الخط بسلسلة من القيود الجمركية والبيئية التى تزيد المشهد تعقيدا. غير أن الصورة تبقى ناقصة من دون تتبّع مسار الدين العام وأسواق السندات، التى أصبحت اليوم الموجه الخفى لقرارات البنوك المركزية، ومحركا أساسيا لاتجاهات المستثمرين نحو الأصول المادية كالمعادن والعقارات.
لم يكن صعود الذهب طوال عام 2025 مجرد استجابة لتراجع شهية المخاطرة وتراجع الدولار، بل نتيجة طبيعية لتكاثر بؤر التوتر التجارى والمالى، فضلا عن استمرار التقلبات الجيوسياسية. فكلما اقتربت واشنطن من فرض رسوم جديدة على الواردات الصينية، أو تحدثت بكين عن تقليص صادرات المعادن النادرة، انطلقت موجات شراء مكثّفة للمعدن الأصفر باعتباره الملاذ الأكثر ثقة، وسط عجز العملات والسلع عن تحقيق توازن مستقر. ارتبط الذهب فى السنوات الأخيرة بما يسميه الاقتصاديون «الملاذ الإدراكى»، أى الملاذ الذى لا يرتبط بعائد حقيقى بقدر ما يعكس مستوى القلق فى الأسواق. لذلك لم يعد الذهب محكوما فقط بتكلفته أو فائدته، بل بشدة المخاوف التى تحيط بالاقتصاد العالمى.
وقد أظهر مؤشر الخوف (VIX) حساسيةً غير مسبوقة تجاه الأخبار الجيوسياسية، إذ كانت القفزات اللحظية فيه تُترجم إلى طلب فورى على الذهب والعوائد قصيرة الأجل. أصبحت العلاقة بين الذهب والمؤشر علاقةً عضوية؛ فكل ارتفاع فى مؤشرات القلق يعنى عمليا تزايد احتمالات التصحيح فى الأسهم، ومن ثم تسارع الطلب على الذهب. اللافت أن هذه العلاقة لم تعد لحظية فقط، بل امتدت زمنيا لتؤثر فى قرارات البنوك المركزية ذاتها، التى أصبحت تراعى أثر تحركات الأسواق قبل اتخاذ قراراتها الخاصة بسعر الفائدة أو بسياسات التيسير الكمى والكيفى.
• • •
غير أن الوجه الآخر للمشهد المضطرب يتمثل فى انفلات الديون، التى تمدّدت إلى مستويات غير مسبوقة منذ جائحة كورونا، وهو ما أعاد إلى الأذهان المخاوف التى سبقت تفشيها حين كانت مؤسسات التمويل الدولية تدق نواقيس التحذير. فقد تجاوز الدين الفيدرالى الأمريكى حاجز 37 تريليون دولار، بينما ارتفعت كلفة خدمته فى الاقتصادات الناشئة إلى نسب تقترب من تلك التى سبقت أزمات التسعينيات. أما فى أوروبا، فقد عادت حكومات كبرى كإيطاليا وفرنسا إلى سياسة الاقتراض طويل الأجل لتمويل الدعم الصناعى ومواجهة التباطؤ، لتُنعش بذلك هواجس عودة أزمة ديونٍ سيادية جديدة، وإن بوسائل أكثر مرونةٍ هذه المرة. وهكذا تتشكّل ملامح ما يمكن تسميته ب«الركود المُمَوَّل بالدَّين»؛ ذلك النمط الذى يُبقى الاقتصادات صامدة مؤقتا، لكنه يرحل أزماتها إلى المستقبل عوضا عن معالجتها من الجذور.
هذا الثقل المالى جعل البنوك المركزية أكثر ترددا فى رفع الفائدة رغم ضغوط التضخم؛ إذ لم يعد القرار النقدى محكوما فقط بمستويات الأسعار، بل أيضا بقدرة الحكومات على تحمّل كلفة الاقتراض. وهكذا تقلّصت حرية السياسة النقدية تدريجيا، وأصبح الذهب الرابح الأكبر فى ظل هذه المعادلة المزدوجة: تضخم يتعذر كبحه تماما، وأسعار فائدة لا يمكن رفعها بما يكفى من دون مضاعفة قيد العجز الموازنى. وإذا أضفنا إلى ذلك زيادة إنفاق الدفاع والطاقة والتحول الأخضر، فإن مسار الدين فى 2026 يبدو مرشّحا لمزيد من التوسع لا الانكماش.
من اللافت أن عوائد السندات طويلة الأجل واصلت صعودها طوال عام 2025 رغم هشاشة النمو وتراجع شهية المخاطرة، فى إشارةٍ إلى تبدّل جوهرى فى علاقة المستثمرين بالدَّين الحكومى. فالمأوى الآمن بالأمس لم يعد كذلك اليوم؛ إذ غدت السندات نفسها مصدرا للتقلّب، وموطنا لقلق المستثمرين الذين يلوذون بالذهب أو الدولار عند كل اهتزاز فى الأسواق. وقد كشفت موجات البيع الحادة التى اجتاحت سوق السندات عن حالة من الانقسام فى التوقعات، بين من يرى ركودا وشيكا يدفع العوائد إلى الهبوط، ومن يعتقد أن التضخم سيبقى مزمنا، ما يبرّر ارتفاع العائدات. ومع اقتراب عام 2026، يُنتظر أن تزداد هذه الأسواق حساسية لأى إشارة من مؤشرات الخوف، خصوصا فى الولايات المتحدة التى تتهيأ لاستحقاق انتخابى (التجديد النصفى للكونجرس) يهدد بتوسيع العجز ورفع وتيرة الإصدارات الحكومية. وكل ارتفاع جديد فى العائدات يعنى تضخما فى كلفة خدمة الدين، ومن ثمّ عودة الذهب إلى موقعه الطبيعى كملاذ ضد تآكل الثقة فى الأصول الورقية.
• • •
كل موجة من السياسات الحمائية ضد الصين أو غيرها من الدول والتكتلات ترفع تكاليف الواردات وتضغط على الموازنات العامة للحكومات عبر قنوات الدعم والمساندة، فيرتفع العجز وتتسع الحاجة إلى التمويل، ثم تتفاقم الديون مجددا. هذه الحلقة المفرغة تدفع العالم نحو اقتصاد يزداد اعتماده على الاقتراض، وتنحسر فيه الثقة بالنقود والأصول المالية. فى مثل هذا المناخ، لا يعود الذهب مجرد سلعة استثمارية، بل يتحول إلى نقود بديلة غير رسمية يثق بها الأفراد والمؤسسات والدول على حد سواء. وربما نرى فى 2026 عودة الجدل حول «معيار ذهبى جزئى» تستخدمه بعض الدول لربط عملاتها أو سنداتها باحتياطى المعدن النفيس كوسيلة لطمأنة الأسواق.
ولم تعد الحمائية الحديثة تقتصر على الرسوم الجمركية، بل اتخذت أشكالا أكثر دهاءً تحت مسمّى «القيود غير الجمركية»، كان أبرزها آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) التى أطلقها الاتحاد الأوروبى لتسعير الانبعاثات الكربونية فى السلع المستوردة. فبينما تُقدَّم هذه الآلية بعبارات بيئية نبيلة، فإنها تُعد فى جوهرها أداةً جديدة لحماية الصناعة الأوروبية من المنافسة الآسيوية، خصوصا الصينية، وتكريس نوع من التمييز التنظيمى ضد الدول النامية التى لا تمتلك بعد القدرات التكنولوجية لخفض بصمتها الكربونية. ومع اتساع نطاق هذه السياسات، يتحوّل «الكربون» إلى تعريفة جمركية مقنّعة، تُهدد بزيادة تكاليف الإنتاج فى سلاسل الإمداد العالمية، وتعيد توزيع موازين التجارة على أسس بيئية لا تخلو من حسابات القوة والنفوذ.
إذا استمر التصعيد التجارى على حاله، فستتجه الأسواق إلى موجة جديدة من الحذر، ترتفع فيها أسعار الذهب فوق مستوياتها التاريخية، بينما تتذبذب السندات بشدّة، وتزداد حساسية المستثمرين لأى إشارة سياسية أو عسكرية. أما إذا هدأت المواجهة نسبيا، فسيظل الذهب مستقرا عند مستوى مرتفع دون طفرات، لكنه سيحتفظ بمكانته كملاذ للقيمة. وفى حال تحقق سيناريو الركود التضخمى، فستفقد السندات بريقها وتتدفق رءوس الأموال نحو الذهب، ما يجعل عام 2026 اختبارا قاسيا للبنوك المركزية التى ستجد نفسها بين مطرقة التضخم وسندان العجز. أما إذا نجح العالم فى إعادة هيكلة سلاسل التوريد وتخفيف الاعتماد المفرط على الصين، فقد يهدأ التضخم تدريجيا وتستقر العائدات، بينما يبقى الذهب احتياطيا استراتيجيا أكثر منه أداة مضاربة.
• • •
تؤكد تجربة الأعوام الأخيرة أن الاقتصاد العالمى يعيش مرحلة تشابك المخاطر لا فصلها؛ فالدين العام بات مرآة للتوتر التجارى، والذهب أصبح مؤشرا لمدى ثقة الأسواق فى السياسات النقدية، ومؤشرات الخوف تعكس تآكل القدرة على التنبؤ. لا يمكن فصل هذه العوامل عن بعضها، بل يجب قراءتها كوحدة واحدة تحدد ملامح العقد القادم. أما بالنسبة للاقتصادات النامية، ومنها مصر، فالمطلوب ليس فقط إدارة الدين وإعادة هيكلته، بل إعادة صياغة العلاقة بين السياسات المالية والهيكل الإنتاجى، بما يقلل الحاجة إلى الاقتراض فى فترات الأزمات، ويمنح العملة الوطنية مرونةً أكبر أمام الصدمات الخارجية. ويمكن للذهب – سواء كمخزون احتياطى أو كأداة تحوط – أن يظل جزءا من سياسة مالية أكثر اتزانا تستوعب التقلبات بدل أن تنكسر تحتها.
سيكون عام 2026 عاما للمراجعة الكبرى فى الأسواق: مراجعة لعلاقة الثقة بين المستثمر والدين الحكومى، ولجدوى أدوات السياسة النقدية بعد عقدٍ من التيسير المفرط، ولقدرة الاقتصاد العالمى على تجنب الركود التضخمى. وفى كل هذه المراجعات سيبقى الذهب فى قلب المشهد؛ فكل ارتفاعٍ فى الدين أو فى مؤشرات الخوف، أو كل انتكاسة فى مسار التجارة، تعنى ببساطة مزيدا من البريق لهذا المعدن القديم الذى لا يصدأ، والذى لا يزال قادرا على أن يعكس فى لونه الأصفر المضىء كل درجات قلق العالم المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.