في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية، يظل الذهب رمزًا للأمان والاستثمار الموثوق، فمؤخرًا، شهدت أسواق الذهب ارتفاعات ملحوظة وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ شهرين، مدفوعة بحالة عدم اليقين المحيطة بسياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وسط تلك التوترات، تتوجه الأنظار نحو المعدن النفيس، ليس فقط كملاذ آمن، بل أيضًا كمؤشر على تحولات الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب. الذهب يسجل أعلى مستوياته وفقًا لوكالة "رويترز"، فقد سجل الذهب في المعاملات الفورية، اليوم الأربعاء ارتفاعًا بنسبة 1.3% ليصل إلى 2742.48 دولار للأوقية، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر الماضي، في حين سجلت العقود الأمريكية للذهب ارتفاعًا بنسبة 0.4% عند 2759.20 دولار، هذا الأداء القوي يعكس التحركات السياسية غير المستقرة والمخاوف من الرسوم الجمركية المحتملة التي قد تفرضها إدارة ترامب. وبين الدولار والذهب علاقة عكسية، ففي ظل التقلبات انخفض مؤشر الدولار بنسبة 1.2% فكان أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تعزيز أسعار الذهب، فالذهب، الذي يتم تسعيره بالدولار، يصبح أكثر جذبًا لحائزي العملات الأخرى عندما يضعف الدولار، هذه العلاقة العكسية كانت واضحة في أداء الذهب خلال الجلسات الأخيرة، حيث أصبح خيارًا مفضلًا للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن. سياسات ترامب والرسوم الجمركية يرى دانييل غالي، استراتيجي السلع في TD Securities، أن حالة عدم اليقين المحيطة بالرسوم الجمركية الشاملة التي تلمح إليها إدارة ترامب ساهمت بشكل كبير في تحفيز الطلب على الذهب، ومع غياب التفاصيل الدقيقة حول السياسات التجارية، يزداد قلق الأسواق من التأثيرات التضخمية لهذه السياسات، خاصة مع إمكانية فرض رسوم على السلع الكندية والمكسيكية اعتبارًا من فبراير. ويُعتبر الذهب تاريخيًا استثمارًا آمنًا في أوقات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية، ومع ذلك، فإن السياسات التضخمية التي يتبناها ترامب قد تضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. ووفق "ذا إيكونوميك تايمز"، فتقلل أسعار الفائدة المرتفعة من جاذبية الذهب، حيث أنه أصل غير مدر للعائد، ورغم ذلك، تشير جوليا خاندوشكو، الرئيسة التنفيذية لشركة "مايند موني"، إلى أن الذهب قد يصل إلى 3000 دولار للأوقية بحلول منتصف العام إذا استمرت حالة عدم اليقين الحالية. اجتماع الفيدرالي القادم بحسب بيتر جرانت، نائب الرئيس وكبير استراتيجيي المعادن في Zaner Metals، فإن الأنظار تتجه إلى اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية المرتقب، ولا يتوقع أحد تغييرات فورية في أسعار الفائدة، لكن أي إشارات حول السياسة النقدية المستقبلية ستُراقب بعناية، بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر بيانات إنفاق الاستهلاك الشخصي وقراءات التضخم المقبلة عوامل رئيسية في تحديد اتجاه أسعار الذهب. ولم يكن الذهب الوحيد الذي استفاد من التقلبات السياسية؛ فقد ارتفعت الفضة بنسبة 0.9% لتصل إلى 30.77 دولار للأوقية. أما البلاديوم، فقد سجل ارتفاعًا بنسبة 1.1% ليصل إلى 955.50 دولار، بينما استقر البلاتين عند 942.40 دولار. ومع ذلك، شهدت هذه المعادن تقلبات طفيفة في الجلسات الأخيرة، متأثرة بحركة الدولار وتوقعات السياسة النقدية. التوقعات المستقبلية هل يصل الذهب إلى قمم جديدة؟ تشير تقارير من "ذا إيكونوميك تايمز" إلى أن حالة عدم اليقين المعروفة ب"تقلبات ترامب" قد تدفع أسعار الذهب نحو مستويات قياسية جديدة. ورغم أن السياسات التضخمية قد تضغط على الاحتياطي الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة، إلا أن المخاوف من ركود اقتصادي عالمي قد تعزز الطلب على الذهب كملاذ آمن. من جهة أخرى، أفاد FX Street بأن الانخفاض في عائدات سندات الخزانة الأمريكية يدعم المعدن النفيس، مع وجود توقعات بتخفيض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة مرتين خلال العام الجاري. ومع ذلك، قد يُحد التعافي الطفيف للدولار والنغمة الإيجابية في أسواق الأسهم من المكاسب الكبيرة للذهب.