التقيتهم عصر الاثنين الماضى، أسرة بكاملها جاءت من الإسكندرية، رجلان وامرأتان يتبادلون حمل طفل فى الخامسة من عمره تقريباً، كان حتى 25 أكتوبر 2008 سليماً معافى، يضج جمالاً وحيوية وشقاوة طفولية ممتعة، ولكنه فجأة تعرض لوعكة صحية طارئة شخصها أستاذ بطب الإسكندرية بأنه يعانى من التهاب اللوزتين، وقرر إجراء جراحة لاستئصالهما. صباح 25 أكتوبر حمل الأب «مجدى سيد توفيق»، طفله الجميل أنس مجدى، إلى الأستاذ الجامعى فى مستشفى خاص بالإسكندرية لاستئصال اللوزتين، وبعد 4 ساعات من انتظار الأسرة خارج غرفة العمليات، خرج الأستاذ الجامعى ليوقع قرارا بسرعة نقل الطفل إلى وحدة العناية المركزة بمستشفى أطفال الشاطبى. واحتاج الأب إلى يومين كاملين ليفهم ما الذى حدث مع طفله فى غرفة عمليات المستشفى الخاص، لقد حدث خطأ فى التخدير لم يعترف به طبيب التخدير الذى يعمل أستاذاً مساعداً للتخدير فى كلية طب الإسكندرية، والذى اكتفى بكتابة تقرير باللغة الإنجليزية، قال فيه: «تم دخول المريض أنس مجدى سيد (4 سنوات) لعمل جراحة استئصال اللوزتين واللحمية بمستشفى الإسكندرية للأذن، بمعرفة أ. د. أيمن مصطفى المدنى، وأثناء مرحلة الإدخال التخديرى بعقار الفلوثان والأوكسجين بتركيز متدرج من 0.5 إلى 3٪، حدثت تشنجات للمريض مع زرقان وانخفاض نسبة تشبع الأوكسجين بالدم، تم إيقاف عقار الفلوثان فى الحال، وتم إجراء إنعاش للقلب عن طريق التدليك الخارجى والتنفس الصناعى واستخدام جهاز صدمات القلب، وبعد مرور من 2 إلى 3 دقائق، بدأت نبضات القلب فى الرجوع إلى وضعها الطبيعى، وبعد استقرار حالة القلب والتنفس تم نقل المريض إلى وحدة العناية المركزة بمستشفى أطفال الشاطبى». أما الدكتور أيمن المدنى، فقد أرفق تقريراً مع الحالة جاء فيه: «إن كل الفحوصات قبل العملية كانت سليمة، وكذلك المعدلات الحيوية، ولكن عند بداية عملية التخدير حدثت تشنجات للمريض وتوقف فى عضلة القلب، وتم اتخاذ الإجراءات المتبعة فى هذه الحالات، ورجع النبض طبيعياً، ولكن المريض دخل فى غيبوبة وتم نقله إلى مستشفى الشاطبى ولم يتم إجراء أى تدخل جراحى له». والذى حدث أن الطفل الجميل «أنس مجدى»، الذى أدخله أستاذ جامعى إلى مستشفى خاص لاستئصال اللوزتين، خرج من غرفة العمليات مصاباً بشلل رباعى كامل، وفاقداً لكل حواسه دون استثناء، لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم ولا تصدر عنه حتى الآن إلا آهة رهيبة تفتت الصخر وتدفع من يشاهده مصلوباً فى أجهزة تعويضية، إلى الانهيار التام واليأس المطبق، مما انتهى إليه الضمير المهنى فى هذا البلد من فساد وانحطاط. لا أفهم فى الطب، ولا أكره الأطباء، وأعرف جيداً أن لدينا أطباء كثيرين على درجة رفيعة من الكفاءة المهنية والأمانة الأخلاقية، ولكننى أعرف أيضاً ما يدور فى بعض مستشفيات القطاع الخاص، واستخدامها لأنواع رديئة من «البنج»، وأعرف ثالثاً ما تحفل به المستشفيات من إهمال إجرامى يتحول معه المرضى وذووهم إلى مجرد زبائن فى علاقة تجارية آثمة لا شأن لها بالطب ولا بالعلاج. ولهذا لا أستطيع أن أمنع نفسى من التساؤل: هل كان الطفل الجميل «أنس مجدى» يحتاج حقاً إلى جراحة استئصال اللوزتين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا خرج من غرفة العمليات فاقداً كل حواسه ومصاباً بشلل رباعى.. بينما ظلت اللوزتان على حالهما حتى الآن؟ والأهم من ذلك كله: هل يملك أحد فى هذا البلد علاجاً يعيد لهذا الطفل حواسه ونشاطه وعافيته؟! [email protected]