قبل ثلاثة أشهر كتبت تحت عنوان (وكالة أنباء سرية) منتقدا أداء وكالة أنباء الشرق الأوسط، ومتمنيا أن يأتى يوم نشير فيه إلى تلك الوكالة باعتبارها مصدرا أساسيا للأخبار.. على الأقل فى مصر! رغما عن أنفى أعود مجددا إلى نفس الموضوع، لكن السبب هذه المرة هو الرئيس الأمريكى باراك أوباما!.. تسألوننى ما العلاقة بين الوكالة وأوباما؟!.. سؤال منطقى، يتعين طرحه، حتى لا يذهب الخيالُ بأحد، فيعتقد وجود خلاف بين الطرفين!.. كلا، لا خلاف ولايحزنون!.. الحكاية تتعلق بالتقرير الذى نشرته الوكالة حول خطاب أوباما فى جامعة القاهرة، واختارت له العنوان التالى (أوباما ارتجل خطابه للعالم الإسلامى ولم يتلعثم فى أى جملة).. أما التقرير نفسه فجاء فيه ما يلى: (ارتجل الرئيس الأمريكى خطابه الذى وجهه إلى العالم الإسلامى من تحت قبة جامعة القاهرة، ولم يستعن أوباما الذى بدا متقد الذهن حاضر البديهة بأى نص، ولم يتلعثم فى أى جملة من الخطاب، بل زاد على طلاقة اللغة بتسلسل منطقى محدد بدقة ومرتب بعناية، لمس أوتار قلوب الحاضرين وخاطب عقولهم)!.. كنت واحداً من الذين لمست كلمات أوباما أوتار قلوبهم، لكن الحق أقول إن أوتار قلبى اهتزت بدرجة أكبر بفعل تقرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، الذى غاب عن صاحبه أن يحلف بالختمة الشريفة أن أوباما كان يرتجل كلماته!.. أخذتْ زميلنَا الطيب كاريزما أوباما فلم يلحظ أن الرئيس الأمريكى كان يستعين بجهاز يسمى تيلى برومبتر(teleprompter)الملقن الإلكترونى وهو عبارة عن شاشتين تتصلان بكمبيوتر، وتعرضان كلمات الخطاب وفقا لحركة رأس أوباما ومستوى نظرته!.. وما زاد أوتارَ القلب اهتزازا أن الكاتب الكبير الأستاذ حسن المستكاوى خرج بنفس الانطباع، ما جعله يتساءل فى (الشروق): هل كان الخطاب مرتجلا؟ هل كان مكتوبا ومعدا وحفظه الرئيس قبل أن يصعد مسرح جامعة القاهرة؟.. ورغم اقتراب الأستاذ المستكاوى من السر بطرحه سؤالا آخر: (هل كانت هناك شاشة لا نراها يقرأ منها الرئيس النص؟).. إلا أنه عاد إلى أسئلته الحائرة: (هل كانت هناك سماعة أذن صغيرة يتلقى منها الرئيسُ النص ثم يعيد بثه على الحضور؟.. هل يمكن أن يخبرنى روبرت جيبس المتحدث باسم البيت الأبيض بالحقيقة؟).. الحقيقة يا أستاذ حسن لا تتطلب عناء الاتصال بروبرت جيبس فى واشنطن.. الأسهل الاتصال بالزميل محمد الجارحى الذى كتب فى (الدستور)عن الخصائص الفنية للتلى برومبتر!.. وبالمناسبة لم يفارق هذا الجهاز أوباما أثناء مؤتمراته الجماهيرية فى كل مراحل السباق الانتخابى على منصب الرئاسة، وكذلك كان حال منافسه جون ماكين، كما يستخدمه أيضا الرئيس الروسى ديمترى ميديفيديف والفرنسى نيكولا ساركوزى وعديد من الزعماء!.. الارتجال هنا لا مكان له، حتى لو كان المتحدث باراك أوباما بثقافته الواسعة واطلاعه العميق وحضوره الطاغى، فالأمر يتعلق بخطاب تاريخى يجهز له مستشارون وخبراء منذ تنصيب أوباما وإعلان نهجه تجاه العالم الإسلامى!.. لا ُيترك قادة الدول الكبرى للارتجال فى اللحظات المصيرية!.. بل إن الشىء نفسه ينسحب أيضا على الحوارات الصحفية التى تجرى مع معظمهم!.. ترسل الأسئلة فى وقت سابق، ليعكف مستشارو الرئيس على إعداد الخطوط العريضة للأجوبة، وفى حالات معينة يعدون الأجوبة حرفيا!.. صدقونى لم يرتجل أوباما عندما استعان بالقرآن والإنجيل والتوراة.. كما لم يرتجل جورج دبليو بوش حينما أعلن للعالم غزو العراق، وادعى أن ذلك تكليف من الله!.. كلها خطوات محسوبة، لا ارتجال فيها، ولا سبهللة! [email protected]