ساعات قليلة قضاها «أوباما» فى المنطقة، ملأت وسائل الإعلام بالصور والكلام، وتحولت إلى مانشيتات عريضة فى الصحف المصرية والعربية دون استثناء، وصارت حديث الشارع، والمقاهى، والبيوت، ولا يجتمع اثنان هذه الأيام إلا ويكون «أوباما» ثالثهما فى لغة الحوار.. ولا يبقى إلا أن يتحول الرئيس الأمريكى إلى هواء يتنفسه الناس! ولو أن أحداً ألقى نظرة عابرة على الصحف فى الولاياتالمتحدة لاكتشف أن زيارة ساكن البيت الأبيض، إلى المنطقة، لا تكاد تكون موجودة هناك، وإذا كان لها وجود ففى حيز ضيق للغاية لا يكاد يستوقف عين أحد، بما قد يعنى أن الأهمية نسبية جداً، وأن ما يهمنا، بل يملأ علينا حياتنا، عن آخرها، ليس له الأهمية ذاتها عندهم، ولا حتى نصف الأهمية، ولا ربعها!.. هل لأننا أعطينا الموضوع أكثر مما يستحق؟!.. ربما.. هل لأننا أخطأنا فى تقييمه، ومنحناه أكثر مما يستأهل بكثير؟!.. يجوز.. هل لأننا أفرطنا فى التفاؤل مرة، وفى التشاؤم مرة، دون أن نكون أقرب إلى الموضوعية المطلوبة فى تقييم الزيارة وأثرها علينا؟!.. أظن أن هذا هو الأقرب إلى الصدق فى تفسير ما جرى، ولايزال يجرى!.. فالمؤكد أن أوباما ليس عاجزاً إلى هذه الدرجة التى أراد أن يصوّره عليها المتشائمون، وليس ساحراً إلى هذا الحد الذى يستطيع معه مثلاً، أن يضرب البحر بعصاه فينفلق إلى نصفين، كما تمنى الذين أطلقوا الزمام للخيال! نحن غارقون فى أصداء الزيارة حتى آذاننا، بينما هم فى واشنطن لديهم ما يشغلهم من حقائق، وأهمها قضية إعلان إفلاس شركة جنرال موتورز، صباح الاثنين الماضى.. فالشركة رمز راسخ من الرموز الأمريكية الباقية، أو التى كان عليها أن تبقى، ولا يمكن لأمريكى واحد أن يتصور بلاده قائمة على الأرض وقد خلت من شركة بهذا الحجم، ولها هذه السمعة فى أرجاء العالم.. وقد جاء الأمريكيون كلهم، إلى الحياة، فوجدوا الشركة فى انتظارهم، وكانوا - ولايزالون - يركبون سياراتها، ويرون فيها تجسيداً لنوع من أنواع الحلم الأمريكى، أو حتى معنى من معانيه، وحين قيل الأسبوع الماضى إن الشركة على حافة الإفلاس، وإن إفلاسها سوف يقع خلال ساعات، فإن قيمة السهم فيها قد هوت إلى ما دون الدولار الواحد، وانطلقت التخمينات فى كل اتجاه، عن المصير الذى ينتظر 55 ألف موظف يعملون فيها، ويواجهون المجهول! لا يتخيل أى أمريكى، من 300 مليون يعيشون فىالبلد، أن يأتى يوم يكون بلدهم ليس فيه كيان عالمى له تاريخ «جنرال موتورز».. وإذا كان هذا الكيان قد تهاوى وتداعت أركانه بهذه السرعة، فلابد أن ينقلب الانهيار المفاجئ إلى همٍّ لا يفارق الأمريكان الذين يتطلعون قطعاً إلينا، وإلى هذه الصغائر التى تمتلئ بها حياتنا، ثم إلى حالة الخضوع الكامل أمام زيارة رئيسهم، وكأنه قادر على إحياء الموتى.. ويقولون: ماذا جرى لعقول هؤلاء الغائبين عن الوعى؟!