موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    «المالية»: نصف مليار جنيه تمويلًا إضافيًا لدعم سداد أجورالعاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    رئيس الوزراء: برامج التعاون مع البنك الدولي تستهدف دعم القطاع الخاص    انطلاق «عمومية المنشآت الفندقية» بحضور رئيس إتحاد الغرف السياحية    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    تطهير شبكات ومواسير المياه بقرية الأبطال في الإسماعيلية    السعودية ترحّب باعتراف 3 دول أوروبية بفلسطين    يديعوت أحرونوت: وزارة الخارجية الإسرائيلية تدرس سلسلة من الإجراءات العقابية ضد أيرلندا وإسبانيا والنرويج    بعد الفشل في سداد الديون.. شركة أمريكية تستحوذ على ملكية إنتر ميلان    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "الرجل الأول والعقد".. كواليس رحيل بوتشيتينو عن تشيلسي    هاني شكري: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية ونتمنى فوز الأهلي بدوري الأبطال    "معيط" يوجه بإتاحة نصف مليار جنيه لدعم سداد أجور العاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    تأجيل محاكمة طبيب نساء شهير وآخرين بتهمة إجراء عملية إجهاض بالجيزة    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    تطورات الحالة الصحية للفنان عباس أبو الحسن.. عملية جراحية في القدم قريبا    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    غادة عبد الرازق تعود للسينما بعد 6 سنوات غياب، ما القصة؟    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    تراجع جديد.. سعر الريال السعودي اليوم الأربعاء 22-5-2024 مقابل الجنيه المصري بمنتصف التعاملات    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    لمواليد برج القوس.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    رئيس حزب الجيل: فخور بموقف مصر الحاسم تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    لمدة يومين.. انطلاق قافلة طبية إلى منطقة أبوغليلة بمطروح    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    التكييف في الصيف.. كيف يمكن أن يكون وسيلة لإصابتك بأمراض الرئة والتنفس؟    قمة عربية فى ظروف استثنائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    صدمه القطار.. مصرع تلميذ أثناء عبوره «السكة الحديد» بسوهاج    جامعة حلوان الأهلية تنظم ندوة حول "تطوير الذات"    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    سيدة «المغربلين»    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    الرئيس الصيني: السياحة جسر مهم بين الشعبين الصيني والأمريكي للتواصل والتفاهم    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    الحكومة العراقية تطالب بإنهاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر .. وطن مصلوب بين نهضة مفقودة ونكبة موجودة

الدهشة أم المعرفة، والسؤال أبو الإجابات.. ومن الدهشة والسؤال بدأت صوفى بومييه قراءتها لحال مصر فى كتاب من أمتع وأحكم ما قرأت فى السنوات الأخيرة تتحدث بومييه فى مقدمتها عن استفادة النظام من خفوت صوت مصر والجهل بها بعد أن تم اختزالها إلى صور فرعونية على كارت بوستال تروجها الوكالات السياحية، أو صور للرئيس مبارك تروجها الصحف الحكومية، وفيما عدا ذلك – تقول بومييه: « نكاد نجهل كل شىء تقريبا عن هذا البلد الكبير الممسوك بقوة أحادية كبيرة لا ينافسها أى تيار فى الداخل».
وتوضح بومييه: كيف أن هذا الجهل يخدم عمليا واستراتيجيا النظام المصرى، وتضيف، وسوف يصدقها كل من يقرا الكتاب، أنها لم تسع من أجل ترتيب «عريضة اتهام» بل من أجل فك رموز الوضع سعياً إلى رسم صورة كاملة قدر الإمكان بكل ما فى الصورة من تعقيدات وتشابكات.
باختصار يبدو الكتاب رؤية معاصرة فى «وصف مصر» على مدى 200 سنة، وكأنها خطوة عصرية تكمل المشروع القديم الذى بدأه علماء الحملة الفرنسية فى نهايات القرن ال18
كرونولوجى التوريث
ومنهج انتقال السلطة
قرأت صوفى بومييه الحالة المصرية من خلال منهج بانورامى رصد أحوال مصر عبر 200 سنة من خلال نظرة عامة أدركت من خلالها العلاقات المتشابكة، وهذا ضمن للباحثة الفرنسية النزول إلى كواليس السياسة والاشتباك مع تفاصيلها بوعى موضوعى، والدخول فى دهاليزها من دون أن تضل فى متاهات نقص المعلومات وتضارب الأرقام وضبابية المشهد، وفى هذه الحلقة نعرض لميكانيزم «انتقال السلطة فى مصر»، التى توصلت بومييه من خلال دراستها المعمقة إلى ما يشبه المنهج الذى يحكم هذه الانتقالات،
حيث ترى أن الانتقالات فيما بعد ثورة يوليو تتم على أرضية صلبة، ولها «حواكم» تضمن عدم الانفلات، فعلى الرغم من أن وفاة عبدالناصر أحدثت صدمة هائلة وخرج الملايين يشعرون بالفجيعة فى جنازته، لكن الرئاسة انتقلت من دون مشاكل وفقا لأحكام الدستور إلى الرجل الأقرب الذى كان أحد الضباط الأحرار ونائب عبدالناصر، وعندما اغتيل السادات فجأة انتقلت الرئاسة أيضا بسهولة لنائبه حسنى مبارك، الذى لم يختر نائباً له حتى الآن.
ومن خلال هذا المدخل الموزع فى الكتاب مزجت الكاتبة بين التجربتين السابقتين، وغياب نائب للرئيس مبارك، وكذلك طرحت ملف التوريث الرئاسى باعتباره قضية ساخنة فى الشارع المصرى، وحاولت بومييه أن تقلل من احتمال توريث الحكم فى مصر فى الوقت الذى أكدت فيه وجود مساعٍ حثيثة لتمرير طموح التوريث،
وقالت إنه حتى فى حال التوريث فإن انتقال الحكم سيمر بسهولة ومن دون أى صعوبات كبيرة، ورصدت بومييه مراحل وملامح تقديم وتصعيد جمال مبارك، لكنها لم تتحمس لنتيجة محددة فى ملف التوريث، لأنها رأت أن مفاتيح هذا الملف تكمن فى أيدى أجهزة وقوى كابحة وضامنة لا نستطيع أن نناقش أحوالها بنفس التوسع الذى طرحته الباحثة الفرنسية فى كتابها،
لذلك ولأننا لا نستهدف الآن أن ندلى برأينا فى سؤال التوريث فإننا سنكتفى بالتوقف أمام فقرات ننقلها لكم بالنص دون أى تدخل، لنتأمل معاً الرؤية الفرنسية البعيدة عن اشتباكات المعارضة ولغط الشارع، ونؤكد مرة أخرى أن كل الآراء والتعبيرات الواردة هنا هى نصوص من الكتاب حتى لا يختلط الأمر على القارئ بين رأينا ورأى المؤلفة.
تقول بومييه:
الشروط المحددة للانتخابات الرئاسية المقبلة تجعل من المستحيل ظهور مرشح غير متوقع من الأحزاب السياسية أو خارجها، وهذه الآلية تعطى كل الحظوظ للشخصية التى يرشحها حزب الرئيس، الذى يسيطر سيطرة ساحقة على الساحة السياسية الرسمية، وهكذا يمنع على «المستقلين» أن يصلوا إلى المنصب الأعلى.
ويفترض بالرئيس إلى حد ما، نظرياً، دون أن يفرض الدستور ذلك، أن يعين نائبا له من أجل تأمين انتقال السلطة فى حال الوفاة المفاجئة، وقد أمنت هذه الطريقة، على كل حال، استقرار النظام عقب وفاة عبدالناصر بشكل طبيعى ولكن فجائى، وعقب اغتيال السادات الفجائى، لكن حسنى مبارك لم يقدم قط على ملء هذا المركز، أو تعيين خلف له.
وعرضت عدة فرضيات لشرح هذا الوضع غير المسبوق:
1- كره بشرى طبيعى لدى الإنسان للتفكير فى وفاته.
2- حرص على تأمين كل أسباب النجاح لجمال مبارك.
3- عجز عن الانتقاء من بين مرشحين يجسدون «طبقات» ذات مصالح متباينة «الحرس القديم» ضد «جيل الشباب»، والمدنيين ضد رجال الأجهزة الأمنية، خوفاً من إثارة توترات خطرة فى الدوائر الحاكمة.
ينص الدستور، إذا لم يكن هناك نائب للرئيس، أن يضطلع رئيس الوزراء بمهام الرئاسة بالوكالة اذا تعذر على الرئيس مؤقتا أن يمارس مهامه (المادة 82) وإذا شغر مركز الرئيس نهائيا يقوم رئيس مجلس الشعب بمهام الرئاسة مؤقتاً ريثما تجرى انتخابات جديدة ولا يحق له أن يترشح لها (المادة84)
فى هذا النظام شديد المركزية، لابد أن يكون التعيين فى المناصب السياسية تعيينا مباشرا على كل الدرجات، فمن حق الرئيس أولا أن يعين وأن يعزل رئيس الوزراء، الذى هو فى الغالب شخص من التكنوقراط يراد له أن يصبح «كبش فداء» عند الحاجة، وتهيمن على هذا النظام، ذى الطراز الأبوى، صورة الرئيس الأب، التى أخذت تفقد قوتها بعد عبدالناصر، وفيما أن تطورات المجتمع بالذات تجعل منه نظاما غير ملائم أكثر.
تضيف الباحثة المتخصصة فى شؤون الشرق الأوسط، التى عملت لفترة طويلة ملحقة بوزارة الخارجية الفرنسية إن الوجه الطيب للرئيس مبارك يجسد استقراراً مطمئناً يشهد عليه قلق السكان حين أصيب بوعكة وهو يتكلم على التليفزيون فى ديسمبر 2003 لا ريب فى أننا يجب أن نرى فى ذلك صورة لكيفية أداء نظام أبوى، يتغلب فيه الخوف من المجهول على الانتقادات ونبذ القادة. وكما قال بشىء من السأم نائب برلمانى شاب من المعارضة فى مايو 2004: «هؤلاء نعرفهم وبطونهم ملأى، والآخرون قد يكونون أسوأ ولم يشبعوا بعد».
النظام السياسى المصرى نظام.. هرمى: كل شىء فيه يرقى إلى الرأس. ففى قمة الدولة يسود الرئيس.
مسألة الخلافة فى مصر مسألة يحرم الكلام فيها، مع أنها تحظى باهتمام كبير، خصوصا منذ أن ظهرت على الرئيس مبارك بعض علامات الضعف. فبعد وعكة خريف 2003، اضطر أن ينتقل فى ربيع 2004 إلى ألمانيا حيث مكث بضعة أسابيع لمعالجة فتق خفيف فى العمود الفقرى، حسب الرواية الرسمية، بعد ذلك سرت شائعات كثيرة، يتنبأ بعضها بوصول ابنه جمال إلى الحكم، ويرجع بعضها الآخر خيارات أخرى من داخل المؤسسة القابضة.
ليسمح لنا بعض المحللين السياسيين وغيرهم من هواة أخبار الصالونات بالقول إن مسألة التوريث هذه هى مشكلة مزيفة، لقد أحاطت المضاربات من قبل بخلافة ملك المغرب الحسن الثانى، ثم بالملك الأردنى حسين، وحافظ الأسد فى سوريا. والحال أن رحيل هؤلاء لم يحدث الزلازل السياسية المتوقعة، ومن باب أولى، فإن انتقال السلطة فى مصر سيجرى دون صعوبات، أياً تكن ظروف الانتقال وأياً يكن اسم الرئيس المقبل، هذا الخلف سيحدده التقويم بلا شك،
وبالرغم من تكذيب حسنى مبارك، وتكذيب المعنى بالأمر، فمن المحتمل أن يرغب الرئيس فى خلافة عائلية، على غرار ما فعل العديد من نظرائه فى العالم العربى، وبما أنه اعتبر أن الطريق غير ممهد كفاية فقد آثر أن يترشح لولاية خامسة ذات ست سنوات، سنة 2005، ولو اقتضى الأمر أن يستقيل قبل انتهائها.
الحكم فى مصر هو – وسيبقى زماناً طويلاً – حكم فئة مميزة حصرية لا يهم من يكون حامل لوائها فى آخر الأمر. السكان يعرفون ذلك، فتراهم يعربون عن رفض متزايد للطبقة السياسية، خصوصا لعشيرة الرئيس، وقد كثرت النكات التى تتحدث عن ... ذلك.
ويبدو أن احتمال انتقال الرئاسة عائلياً أمر شبه أكيد لا سيما أنه يتماشى مع نزعة يلاحظ وجودها فى مجمل العالم العربى، حتى فى الأنظمة غير الملكية «سوريا بالأمس وربما ليبيا واليمن غدا» هذا التطور يستحق إشارة صغيرة، فإننا بالفعل نلاحظ وجود توازٍ مستغرب ظاهرياً بين توجهين: هناك الإصلاحات الاقتصادية ولبرلة خجولة لا مناص للأنظمة العربية من القيام بها ، وهناك من جهة أخرى ميل إلى السير نحو نظام تحكمه عائلة.
هذا التناقض بين رفض وتأكيد احتمال التوريث فى الوقت نفسه يعبر عن علاقة منطقية، فالسلطة التنفيذية تسعى لتأمين نفسها فى مواجهة أى تحرر يصيب السلطة التشريعية ولو بصورة محدودة وبطيئة، لذلك تلعب السلطة التنفيذية لعبتها المزدوجة لتوحى بديمقراطيتها من ناحية، وتحاول من الناحية الأخرى تأمين بقائها عن طريق فرض ذريتها، الموجودة بحد ذاتها، فى مأمن من التقلبات الممكنة الناجمة عن نظام ديمقراطى، هذا منطق يفسر أيضا لماذا تبدو الأنظمة الملكية فى العالم العربى مثل المغرب والأردن وحتى العربية السعودية أقل تحفظا فى فتح الميدان السياسى بما فى ذلك مشاركة الإسلاميين الأصوليين؟
لأجل وضع حد للشائعات حول توريث ابنه صرح حسنى مبارك أول يناير 2004 قائلا: «مصر ليست جمهورية وراثية» كما أكد جمال مبارك أكثر من مرة أنه لا ينوى الترشيح لرئاسة الجمهورية «آخرها حديث فى أوربت مايو 2007».
منذ بضع سنوات أخذت شخصية جمال مبارك الصاعدة ومعها أنصارها تنافس الشخصيات التقليدية الكبيرة الوصية على النظام.
ولد جمال مبارك سنة 1963 وتلقى دروسه فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة متخصصا فى إدارة المؤسسات وعمل فى البنك الأمريكى فى القاهرة الذى أرسله بضع سنوات إلى بريطانيا حيث تسلم إدارة فرعه فى لندن وأسس فى الوقت ذاته شركة «مدينفست» التى تعمل فى مجال التمويل الخاص ثم عاد إلى مصر سنة 1995 حيث أحاط به عدد من رجال الأعمال الشبان الذين درس معظمهم فى الولايات المتحدة وأطلق عليهم لقب «شباب جمال»
وأنشأ جمال سنة 1998 جمعية ذات هدف لا يتوخى الربح هى جمعية جيل المستقبل، بهدف مساندة وتشجيع القطاع الخاص فى مصر، ولهذه الجمعية علاقة وثيقة مع جامعات وشركات ومؤسسات أمريكية، ومركزها فى القاهرة ولها فروع فى أسيوط والسويس والإسكندرية والدلتا وتتوسع فى الصعيد، وتعتبر الجمعية مزرعة لإنتاج رجال أعمال شبان كبديل اقتصادى وسياسى للوجوه القديمة.
نجد أعضاء من مجلس إدارة هذه الجمعية فى مختلف أفلاك نفوذ جمال مبارك: فى الأمانة العامة للحزب الوطنى الديمقراطى، وفى مجالس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، وفى مجلس الأعمال المصرى – الأمريكى، وهذا النشاط يراد منه بالدرجة الأولى أن يمنح جمال قاعدة شعبية ودعما جماهيريا لا يتمتع به هو وأنصاره حتى الآن.
عملا بمنطق النظام، فإن مختلف مراحل الصعود السياسى لمن يلقبه أصدقاؤه ب«جيمى» تجرى منذ سنة 1999 داخل الحزب الرئاسى، فبعد أن دخل جمال مبارك الأمانة العامة سنة 1999، تولى رئاسة أمانة السياسات عام 2003، ثم أصبح أمينا عاما مساعدا فى فبراير 2006، وأخذ يتقدم بسهولة لايعترضها أحد، وأخذ المقربون منه يحتلون المراكز العليا فى الحزب على حساب الجيل السابق الذى دخل الساحة السياسية فى الستينيات، فى زمن الاتحاد الاشتراكى.
على أن حركة التبديل هذه بين القادة، التى كانت مفرطة فى العلنية نوعا ما، اضطرت مع ذلك أن تراعى جانب بضعة رجال من «الوزن الثقيل» فإن صفوت الشريف، الذى يتمتع بعلاقة ثمينة فى وسائل الإعلام كما فى أجهزة حساسة، احتفظ بمنصبه كأمين عام ولا يزال بعض كبار رجالات النظام يشغلون مناصب مهمة، أو يعودون أحيانا إلى مقدمة المسرح أمثال كمال الشاذلى، الذى أنزل فترة ما إلى المستوى الثانى فقد تبين أن كفالة أعمدة النظام هؤلاء مفيدة للرد على الانتقادات الموجهة إلى الإصلاحات الاقتصادية، التى تركزت على الوريث المفترض، فبات صعود جمال مبارك يجرى بعد ذلك على نحو أكثر تكتما.
وقد أعلن فى مؤتمر 2007 إنشاء سلطة عليا يجب أن ينبثق منها المرشح الجديد لرئاسة الدولة: وكان جمال مبارك بالتأكيد واحداً من الشخصيات ال45 الذين تتألف منهم هذه اللجنة، إلا أنه يوجد فيها أيضا بضع شخصيات من قدامى رجال النظام الذين يمكنهم أن يشغلوا هذا المنصب ولو بصورة انتقالية.
جمال مبارك أصبح نجم المؤتمرات السنوية التى يعقدها الحزب الوطنى، وأصبح المبشر بطريقة سحرية للإصلاح ، ويستخدم شعار «الفكر الجديد» الذى بدأ مرور الزمن يفقد من قدرته على التعبئة، لأن التغييرات تتناول الأشخاص أكثر من تناولها قواعد اللعبة السياسية التى تزداد أكثر فأكثر انغلاقا.
فى مؤتمر الحزب الوطنى عام 2009 رسم ابن الرئيس لشخصه صورة دولية كانت تنقصه، إذ أعلن استئناف العمل بالبرنامج النووى، وعن ضرورة إعادة بناء العلاقة المصرية – الأمريكية على أسس جديدة، وتلاحظ حركة التنقلات بين النخب داخل الحكومات أيضا، ففى التعديل الوزارى الذى جرى فى يوليو 2004 كان بين الوزراء الجدد ال14 سبعة من التقنوقراط الشبان المقربين من جمال مبارك هذا الحرس القريب لولى العهد المفترض هو الذى يحتل الأجهزة الأساسية فى الحزب الوطنى. وهو يعزز مواقفه من خلال التعديلات والتعيينات.
وخسرت فى الوقت ذاته بعض الوجوه غير الشعبية بنوع خاص مقعدها الوزارى، بعد أن تربعت عليه سنينا طويلة منهم وزير الزراعة يوسف والى، ووزير الإعلام صفوت الشريف، وفاروق سيف النصر وزير العدل سنة 1987، أما كمال الشاذلى فقد ضيقت صلاحياته، ثم أبعد من الحكومة، كان غياب شخصيات تجسد جمود البلاد دليلا ليس فقط على السعى إلى إرضاء الرأى العام، بل على عزم الرئيس أيضا على تشجيع التيار الموالى لجمال مبارك،
على أنه ليس هناك ما يثبت أن نفوذ تلك الشخصيات قد تدنى، رغم غيابها النسبى عن المسرح، ويجدر بنا فضلا عن ذلك، ألا نبالغ فى هذا الانشطار بين الجيلين: المجموعتان لا تشكلان كتلتين تمثل كل منهما وحدة متراصة، بل يجب أن ندخل فى الحساب المنافسات الشخصية والتحالفات.
إن صعود جمال مبارك الخارق لا يجوز أن يحجب عدم شعبيته عند السكان بوجه عام، والمشكلة التى تنذر بالخطر أن بعض الأجهزة القوية تنظر نظرة سيئة إلى انتقال السلطات خارج صفوفها، ويرى عدد لا بأس به من المصريين أن جمال هو ممثل فريق صغير من أصحاب الامتيازات قليلى الخبرة بحقائق البلاد.
تجربة انتقال السلطة فى بلدان عربية أخرى، توضح أن عامل التغيير لا يكمن فى التواصل بين جيل وجيل بقدر ما يكمن فى ظروف جغرافية وسياسية، ففى سوريا لم يدم «ربيع دمشق» طويلا، وفى ليبيا يمارس أبناء القذافى انحرافات فظة، تبدو صدى لتصرفات أبناء صدام حسين الدموية المشؤومة، وكأنهم يكررون بتطرفهم وتصرفاتهم المستهجنة مميزات النظام الذى أقامه والدهم.
والأمر كذلك فى مصر، حيث يبدو الصراع بين الحرس القديم و«مجموعة جمال»، أكبر من كونه صراعا طبيعيا بين جيلين تتباين بينهما تصورات العلاقة بالعالم، لكنه بالأساس صراع على الحكم بالدرجة الأولى.
وفى ظل الضغوط الغربية من أجل توسيع مساحات الديمقراطية ونشر الليبرالية أدركت السلطات المصرية الخطر القادم، وبدأت تلعب اللعبة المزدوجة التى تتلخص فى ابتكار وسائل غير مباشرة لرفض التدخل الأجنبى، والدعوة لتطور ديمقراطى نابع من الداخل، كما بدأت تتهم أنصار الليبرالية بأنهم «طابور خامس» للغرب،
وهكذا يمكننا أن نفسر تعيين قضاة من النساء بأنه ليس قراراً ليبرالياً خالصاً يدعم المساواة بين الجنسين، لكنه حيلة سياسية لإضعاف معسكر القضاة المعارضين، وفى الوقت نفسه استجابة شكلية للشعارات المتكررة التى يتشبث بها الغربيون عن حقوق المرأة وحقوق الأقليات وحوار الحضارات وخلافه.
وفى ظل هذا الجو المزدوج أراد النظام أن يرتب شكلا انتخابيا مزدوجا يوحى بتداول السلطة، فكان تعديل المادة 76 الذى أتاح انتخاب الرئيس بشكل مباشر، ثم كانت على الجهة المقابلة إجراءات مانعة تهدف على المدى الطويل إقفال الساحة السياسية أمام أى مرشح من خارج الدائرة،
وبعد انتخاب حسنى مبارك مجددا لولاية مدتها ست سنوات أعد مشروع تعديل دستورى جديداً يجعل الحزب الوطنى الديمقراطى هو الرحم الوحيدة التى سيولد منها اسم المرشح الوحيد المؤهل للفوز بالرئاسة، وهكذا بدأ النظام عملية تأمين صعود نجم جمال مبارك والمحيطين به فى الحزب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.