جميل جدًا أن يسعى الرئيس أوباما إلى تحسين صورة أمريكا بعد أن شوّهتها إدارة الرئيس السابق بوش وخلقت جوًا من الاستنفار فى علاقتها مع العالم الإسلامى والأمة العربية.. ولأن أوباما ذلك الشاب الأسود الذى لا يعرف العنصرية ولا الغطرسة الأمريكية يأمل أن تكون فترة رئاسته فترة محبة وسلام.. وأن تكون هناك جسور فى العلاقات بين أمريكا وشعوب العالم وبالذات العالم الإسلامى.. لذلك جاءنا إلى مصر بيد ممدودة بالصداقة.. أمله أن ينجح فى مصالحة الشعوب الإسلامية واكتساب ثقتهم فى أمريكا، حيث يرى أنه لا تناقض بين القيم الأمريكية والعالم الإسلامى. أوباما هذا الشاب صاحب العقلية «المتنورة».. يتعامل مع كل الشعوب بقلب مفتوح، لا يعرف المناورات ولا طرق التحايل أو التضليل التى كانت سببًا فى غزو العراق.. لذلك ترى حياته كلها وضوحًا.. أمله أن ينتهى الصراع العربى الإسرائيلى وأن يكون صانعًا للسلام.. من حقه أن يوفر الأمن والأمان لإسرائيل، ومن واجبه أن يقيم دولة سلام لفلسطين، وهذا الأمل هو مطلبنا جميعًا كعرب. من هنا جاءنا بقلب مفتوح يحمل معه رؤيته فى علاقة أمريكا بالواقع، فهو يأمل فى عدم الإفراط فى الوعود لأن الواقعية عنده هى الطريق الآمن لبلده.. وكل ما يهمه أيضًا أن ينقل إلى المسلمين أن الولاياتالمتحدة تمد يدها إليهم، وهى تحترم قيمهم، ولن تفرض إرادتها عليهم. هذه الرؤية تذكرنا بموقف الإدارة السابقة للرئيس بوش عندما كان يحاول أن يفرض علينا «روشتة أمريكية» تحت شعار ما سماه الديمقراطية الأمريكية.. وهى تفرض معها وصايتها على الإدارة.. وعلى المصريين.. وكون أن مبارك رفض أسلوبهم ورفض وصايتهم لأنه يرى تدخلهم فى شؤون مصر انتقاصًا لنا، فلم يهمه أن يكون هناك حوار بينه وبين رئيسهم.. ولذلك ظهرت المقاطعة عندما امتنع مبارك عن زيارة أمريكا بعد موقفه من إدارة بوش. أوباما كان عن قرب من مواقف الإدارة السابقة للرئيس بوش على اعتبار أنه كان السيناتور الديمقراطى والذى كانت عينه على كرسى الرئاسة الأمريكية.. وكان يعرف مواقفها مع حلفائها، وكيف خسرت أصدقاءها، ولذلك وضع فى خطته أن يبدأ فى علاقات جديدة مع الأصدقاء الذين أداروا ظهورهم لأمريكا.. وعلى حد تعبيره فإنه قرر أن يمد يده لليد المفتوحة.. ونحن لا نختلف على أنه رئيس يستحق كل تقدير واحترام، لذلك فتحنا له قلوبنا وهو يأتى إلينا.. اختارنا ليخاطب العالمين الإسلامى والعربى من فوق أراضينا لأنه يعرف حضارتنا ويعرف ثقلنا العربى والإسلامى فى المنطقة كشريك معه فى الاستقرار. الشىء الذى يؤلم أن يستثمر مجموعة من المتطرفين الأقباط احترامه ومحبته لنا، فأرسلوا إليه ما يسمى الملف القبطى أى حقوق الأقباط فى مصر.. لقد عز عليهم أن يزورنا فى مصر لكى يصالح العالمين الإسلامى والعربى من أرض الكنانة.. وعز عليهم أن يعلن ترحيب أمريكا بالتعاون مع كل الشعوب، دون التدخل فى سياسة أى بلد من البلدان.. ومع ذلك لم يفهموا أن الرجل يختلف تمامًا فى سياسته عن سياسة سلفه.. وراحوا يدّعون الأكاذيب والافتراءات على أنهم مضطهدون فى وطن يحترم كل الأديان.. مصر لا تفرق بين القبطى ولا المسلم، والجميع أمام القانون متساوون فى الحقوق وفى الالتزامات.. لقد عشنا تاريخًا لا نعرف الفروق بين المسلمين والأقباط.. كلنا عيلة واحدة.. قلوبنا واحدة.. ولا يوجد فى أى عرف أن نلجأ كمصريين إلى أجنبى نحتكم له حتى ولو كان هناك ظلم، مع أن مصر لا تعرف التمييز ولا العنصرية، وأن الأقباط يتمتعون بحق المواطنة الكاملة.. هذا الكلام ليس كلامى ولكنه كلام رجال الكنيسة ورجال البابا.. ثم إن البابا شنودة هو واحد من الرجال المحترمين الوطنيين... تجرى فى عروقه النخوة والشهامة المصرية لا يعترف بالطرق غير الشرعية، لأنه- كمصرى- قادر على المواجهة.. والحمد لله يرى أن الأقباط يتمتعون بجميع حقوقهم.. وأى مطالب لهم تدخل فى الحوار داخل الكنيسة من خلال القنوات الشرعية المصرية. على أى حال.. من يفهم شخصية الرئيس أوباما يعرف أنه عقلانى جدًا، لا يحتضن الانفلات اللاأخلاقى، وقد قرأنا عن المنبوذين الذين راحوا يحرضون أوباما على مصر.. مرة بطلب وقف المعونة كوسيلة من وسائل الضغط.. ومرة بمقاطعة الزيارة واختيار بلد إسلامى آخر.. ومع ذلك رفض أوباما تحريضهم وتحريض التيار اليهودى المتطرف فى أمريكا.. وأصر على أن يكون تخاطب العالم من فوق أرض الكنانة مصر.. ومعناه أن العالم كله معنا اليوم عيونه على مصر.. لكن كيف تكون عيون أوباما علينا.. هو يرانا أصحاب دور فى المنطقة لثقلنا التاريخى والدينى والسياسى، لذلك اختارنا لتكون مصر على الهوا وهو يخاطب العالم الإسلامى منها.. وقد وجد الرجل ترحيبًا رسميًا وشعبيًا، صحيح أن زيارته هى نقطة تحول فى العلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامى والعالم العربى.. لكنها فى الوقت نفسه بداية لصفحة جديدة فى العلاقات بيننا وبين أمريكا من خلال الحوار المرتقب بين الرئيسين.. نحن نتطلع فى محادثاته مع مبارك أن يخرج علينا وهو يعلن للعالم أن أمريكا تغيرت وهى تناصر الحق ولن تحيد عن الحق.. على الأقل نطمئن أنها لن تستخدم يومًا حق الفيتو فى مناصرة الظلم أو عدم الاعتراف بالشرعية فى القضايا الإنسانية. نحن نعلم أن أوباما كرئيس للولايات المتحدة- وهى دولة مؤسسات- لا يتمتع بصلاحيات منفردة.. ولكن نريده أوباما الإنسان الذى يحس بإحساس الإنسان حتى ولو كان الظلم مفروضًا عليه.. لا يستسلم ولا يضعف كإنسان. لقد أحببناه من قبل أن يأتى رئيسًا للولايات المتحدة.. وجدناه شابًا يحمل القيم.. يعرف ما هى الأسرة.. الأب والأم والزوجة والأولاد.. يحس بآلام الضعفاء.. يتكلم بمنطق الأقوياء فى الحق.. هذا هو الذى أحببناه.. نقول له أهلاً وسهلاً.. فمصر هى مصر لن تتغير.. وسيظل صدرها مفتوحًا.. ويدها ممدودة للسلام.. يا أملنا.. وأمل السلام. [email protected]