قضيت عمرى كله لا أفهم فى الاقتصاد، والصفحة الوحيدة التى لا أقرؤها فى الجرائد هى الصفحة الاقتصادية وذلك لأننى حتى لو قرأت لن أفهم، إلى أن جاء يوم الثلاثاء الماضى ففهمت عن الاقتصاد المصرى فى يوم واحد ما عجزت عن فهمه عمرى كله. لكن علىّ أولًا أن أعود بكم إلى بدايات الحكاية، كنت قد أجريت بحثًا شاملًا جامعًا عن سوق السيارات لأننى أرغب فى شراء سيارة جديدة. وبعد مداولات تطوعت صديقتى بالتوسط لدى أحد أقربائها ممن يمتلكون علاقات جيدة مع أحد العاملين فى معرض سيارات كى يمنحنى أفضل سعر، وتحدثتُ مع البائع تليفونيا مستخدمة كلمة السر التى هى اسم قريب صديقتى. أخبرته عن السيارة التى نويت شراءها وذكّرته بالتخفيض وحددت له لون السيارة وأخذت موعدًا يوم الثلاثاء، وذهبت إلى البنك يوم الاثنين كى أسحب كل ما لدى من جنيهات ادخرتها على مدى سنوات طوال وأستكملها بقرض بنكى وقلبى يرتجف، بينما مخيلتى اللعينة تمرر أمامى مانشيتات جرائد «القبض على أستاذة جامعية فى قضية قروض». المهم سارت الأمور على ما يرام وخرجت من البنك ومعى مبلغ من المال لم أضع يدىّ عليه منذ أن ولدت، نمت مؤرقة لوجود القرض معى فى البيت وردّدت كوابيسى كل السيناريوهات المرعبة، «محدثة فلوس بقى»! صباح الثلاثاء هاتفت أستاذ محمد (مسؤول المبيعات) كى أخبره أننى فى الطريق إليه، لم يرد على مكالمتى وإذا بمندوب آخر من نفس الشركة يكلمنى ليخبرنى أن الموعد قد تم تأجيله نظرا لانشغال الأستاذ ولعدم عثوره على اللون الذى أردته (والذى كان قد أكد لى توافره)، تضاربت فى رأسى الأسئلة عن القرض الذى بدأ يعد فائدته، وتعجبت من البائع الذى أفسد صفقة أكيدة فى قلب الأزمة المالية. بدأت أصدق الحكومة أنه لا أزمة ولا كساد فى السوق المصرية بدليل هذا البائع المستغنى. المهم أنقذنى أحد الأصدقاء عندما اقترح أن نغزو السوق المصرية بما معنا من ثروة طائلة. وكان بانتظارى مفاجأة لدى دخولنا أول معرض سيارات. فقد عرض علىّ البائع سعرا أقل لنفس السيارة التى أفسدتُ شهرين من حياتى فى البحث عن واسطة كى أحصل عليها بتخفيض، وكمان اللون الذى أردته موجود موجود يا ولدى. كنت على وشك فتح شنطة النقود ورميها فى حجر البائع عندما طلب منى صديقى التمهل وزيارة المعرض المجاور. وهناك اخترت سيارة أخرى ذات سمعة جيدة فى السوق وكانت معروضة بتخفيض خمس مرات أكبر من تخفيض الواسطة فالسيارة جديدة فى السوق ومن ثم قرر التوكيل طرحها لمدة أيام قليلة بتخفيض 16 ألف جنيه. فى طريق العودة إلى البيت هاتفت عامل الدش الذى ظللت أطارده على مدى أسبوع كى يؤدى مهمة سيتقاضى عنها أجرا وللمرة الثالثة على التوالى يعطينى موعدا ولا يجىء البيه الباشمهندس ولا يكلف نفسه حتى مكالمة اعتذار. أما فى المساء فقد ذهبت للأزهر مع إحدى صديقاتى كى نتسلم جلاليب كنا قد اتفقنا مع صاحب المحل عليها منذ أسبوع. جلسنا على أحد المقاهى الملاصقة للمحل وكان تيتو (وهو اسم صاحب البيزنس) يجلس أمام محله يدخن الشيشة مبتسما وأنا أساله إن كان قد انتهى من المطلوب فيشير إلىّ إن كله تمام، وبعد تناولنا عصير الليمون الذى خفّف قليلا من توتر اليوم ودخولنا إلى المحل أخبرنا تيتو بنبرة عادية تماما أن الطلبات غير جاهزة. لماذا يا أستاذ تيتو لم تهاتفنا كى تخبرنا عن إلغاء الموعد؟ وهنا يا سادة يا كرام كان مشهد الاقتصاد المصرى قد اكتمل. فبالإضافة إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية لم تصل مصر (مثل أنفلونزا الخنازير تماما) فنحن شعب مش محتاج شغل ولا مكسب. نحن شعب مضياف وطيب ومبتسم دومًا، لكننا لا نفقه شيئا عن البيع والتجارة. من بائع السيارات إلى تيتو «يا قلبى لا تحزن». أنا رأيى أن نصدّر للدول «الغلبانة»، التى تعانى تبعات الأزمة المالية، الخبرات الاقتصادية المصرية التى أسقطت شعار «بيع يا لطفى» ورفعت بدلًا منه «الإفلاس ولا الحوجة للمشترى».