عقب المقال الذى نشرته يوم الأحد الماضى تحت عنوان «ما بعد العار» اتصل بى الدكتور «مصطفى الفقى» معرباً عن غضبه من الطريقة التى تناولت بها تصريحه الشهير الذى ذهب فيه إلى أن رئيس مصر القادم يحتاج إلى موافقة أمريكية وعدم اعتراض إسرائيلى. فقد فهم الدكتور مصطفى مما كتبت أننى أردت أن أقول إنه أدلى بهذا التصريح لحساب النظام، رغم أن له الكثير من المواقف ووجهات النظر المعارضة له. ولست أنكر أن الدكتور مصطفى الفقى سبق أن وجه الكثير من الانتقادات اللاذعة إلى بعض الأوضاع المتردية فى الأداء العام فى بلادنا، لكننى من ناحية أخرى لست ممن يؤمنون بأن الحزب الوطنى الديمقراطى قد انقسم– بقدرة قادر– إلى حزبين: أحدهما الحزب الوطنى الحكومى، وثانيهما الحزب الوطنى المعارض. فالحزب كلُ لا يتجزأ مع احترامى لشجاعة من يبادرون إلى طرح رؤى وأفكار إصلاحية، ومن بينهم الدكتور مصطفى الفقى الذى أكن له كل تقدير ومعزة. وفى مقالى السابق لم أفعل أكثر مما فعله الدكتور مصطفى فى تصريحه الذى وصّف فيه لوضع قائم لا يستطيع أحد أن ينكره، وكل ما اجتهدت فيه هو محاولة شرح جذور هذا الوضع الذى أفلحت الحكومة فى تكريسه لدى الشعب، فأصبح أغلب أفراده أجنح إلى اختيار من ترضى عنه أمريكا وإسرائيل «عشان يشترى دماغه» لأنهم لا يريدون التغيير!. فأمريكا وإسرائيل تختاران للمصريين لأن المصريين لا يريدون الاختيار لأنفسهم. وأتصور أننا نحتاج الكثير من الجهد والوقت حتى نتمكن من تصحيح هذا المسار المعوج ليتم تنظيف دماغ المواطن من فكرة أن 99% من أوراق حياتنا ووجودنا تقبع داخل البيت الأبيض، بالإضافة إلى خوض رحلة إصلاح للواقع بكل مفرداته وعناصره بصورة يشعر معها المواطن بأن مصيره أصبح بيده، وقبل ذلك سوف تظل المعادلة الأمريكية هى الحاكمة لاختيار الرئيس فى مصر. ويتصور البعض أن هذه المعادلة قد استقرت تماماً على فكرة التوريث. وفى ظنى أن هذا التصور يجانبه الصواب من بعض الوجوه، فصانع القرار الأمريكى لا يحكمه اتجاه واحد، بل عدة اتجاهات. وإذا كان يوجد– فى الإدارة الأمريكية- من يرى أن الأحوط لمصر وللمنطقة أن يرث مبارك الابن حكم الأب، سواء خلال انتخابات 2011 أو بعد عمر طويل للرئيس مبارك، فإن هناك اتجاهاً آخر يرفض هذا السيناريو ويرى أن من الضرورى أن يضغط الرئيس أوباما على النظام الحاكم فى مصر من أجل تعديل الدستور وإلغاء القيود على حق الترشح لانتخابات الرئاسة، وضمان نزاهة الانتخابات، وإلغاء قانون الطوارئ، وحماية حقوق الإنسان. وهى ذات المطالب التى تصرخ بها المعارضة المصرية منذ سنين ويجعلها الدكتور محمد البرادعى شرطاً أساسياً لترشحه فى انتخابات الرئاسة المقبلة. ويخطئ من يظن أن الهوى الأمريكى يساند بصورة كاملة مشروع التوريث، فهناك أصوات مقابلة تطالب بوضع شروط أساسية لتمرير هذا المشروع من بينها ضرورة وجود منافس حقيقى لجمال مبارك، حال ترشحه عن الحزب الوطنى، ولاشك أن أقوى منافس له حالياً هو الدكتور محمد البرادعى، لذلك فليس من المستبعد أن تفرض أمريكا على النظام ضرورة التصرف فى مسألة ترشحه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة كشرط للتوريث. وقد نفاجأ مع مطلع العام الجديد بالرئيس مبارك يدعو إلى تعديل المادة «76» من الدستور بصورة تسمح للبرادعى بالترشح. وهو نفس السيناريو الذى حدث عام 2005 والذى شهدت بداياته الدعوة المفاجئة لتعديل هذه المادة الدستورية بحيث تلغى فكرة الاستفتاء لتحل محلها فكرة الاقتراع المباشر على مجموعة متنافسة من الأسماء عند اختيار رئيس الدولة. وكلنا يذكر أن الرئيس مبارك أكد قبل قراره بتعديل الدستور عدم وجود أى نية لديه لتعديل أى مادة من مواده، وإذا كان الكثير من مسؤولى الحزب الوطنى قد أكدوا خلال الأسابيع الماضية أن الدستور لن يتغير من أجل شخص (يقصدون البرادعى) فعلينا أن نفهم هذا الأمر بالعكس تماماً، لأن الحكومة لدينا تتعامل بنظرية ليلى مراد التى تلخصها أغنيتها التى تقول فيها «إن قلنا لأ لأ يعنى نعم»!. ففى تقديرى أن وجود منافس لجمال مبارك هو الشرط الأساسى الذى سوف تزن به الإدارة الأمريكية معادلتها الخاصة فى تمرير مسألة ترشح جمال مبارك عن الحزب الوطنى، إذا كان الرئيس مبارك قد قرر ذلك بالفعل، وقد يرفض الدكتور البرادعى الترشح والمنافسة على كرسى الرئاسة فى ظل عدم وجود إشراف قضائى حقيقى على الانتخابات أو رقابة حقيقية على فعالياتها، وقد يقبل التحدى ويحاول، لكن ذلك لن يضمن له الفوز بحال من الأحوال حتى لو تسلح بأصوات الإخوان المسلمين وبعض المواطنين الذين يتشوقون إلى التغيير. فالبرادعى سوف يواجه منافساً تحتشد وراءه حكومة كاملة تملك الكثير من الأدوات القمعية، ورجال أعمال يملكون الكثير من القدرات التمويلية، وجموع المصريين الذين يعتقدون أن «اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش»!. كذلك علينا ألا نغفل تاريخ الحزب الوطنى فى إبرام الصفقات مع أحزاب المعارضة والقوى السياسية الأخرى، التى سوف تخرج من جعبتها مرشحين يلعبون دوراً فى تفتيت الأصوات، الأمر الذى سوف يصب إيجابياً فى مصلحة جمال مبارك وسلبياً فى مصلحة البرادعى، ولا خلاف على أن هناك الكثير من الأسماء التى لا تمانع فى أن تلعب دور «الكومبارس» فى مساندة البطل الحكومى، لذلك فإذا كان من المتوقع أن تسمح المعادلة الأمريكية للبرادعى بالترشح فى الانتخابات، فليس معنى هذا أن يفوز فيها. تلك هى أبرز الملامح التى يمكن استقراؤها للمعادلة الأمريكية (المتفق عليها مع إسرائيل) لتحديد الرئيس القادم لمصر فى حالة عدم ترشح الرئيس مبارك. وهى تؤكد رضاء الطرفين الأمريكى والإسرائيلى عن الواقع المرهق الذى يعيشه المصريون لأن المهم هو المجىء بنظام سياسى يخدم مصالحهما فى المنطقة، ويجعل مصر مرضياً عنها منهما!. وعلى الناس ألا تلوم إلا نفسها فهى التى قبلت بذلك، واستسلمت لفكرة اختيار من ترضى عنه أمريكا. فأمريكا تغير لنا لأننا لا نريد أن نغير لأنفسنا!. [email protected]