■ تساءل يوسف شاهين قبل أن يودع الحياة سؤالا مهماً فى فيلمه الأخير «هى فوضى؟».. وربما تحرج من أن يوجه السؤال خشية أن يسأل هو نفسه عمن يوجه إليه السؤال.. فرفع علامة الاستفهام ليصبح الأمر وكأنه إقرار.. «هى.. فوضى».. فى غالب الأمر رحل قبل أن يسمع إجابة.. وربما رحل يأسا من سماعها.. أو خوفا من أن يؤكدها أحد له.. نعم يا جو.. هى فوضى فعلا. ■ هناك فعلا فوضى فى أمور كثيرة جدا حولنا.. كل مظهر من مظاهر هذه الفوضى يثير حفيظة المعتدلين من الناس.. ومنها ما يستفزنى كونى أحد هؤلاء الناس. ■ أفهم أن يتوجه جمع من البشر، مؤيدين أو معترضين، إلى باب إحدى المحاكم ليعلنوا استياءهم أو تضامنهم مع صاحب قضية حيوية مهمة تمس الجموع.. رغم تحفظى على الإجراء نفسه والذى يهدف فى المقام الأول إلى التأثير على المحاكمة وهيئة القضاء.. وخلق حالة ضغط من الرأى العام. ■ ولكنى أوافق تماما مع الجموع التى احتشدت أمام دار المحكمة فى قضية الشهيدة مروة الشربينى.. فهذه الجموع لا تهدف إلى التأثير على القضاة وإنما إلى الدفاع عن مبدأ وعقيدة وتسجيل موقف حرصا على ألا يتكرر.. ولفت الأنظار إلى تفرقة عنصرية نتهم نحن بها بينما نعانى منها ومن تجاهلها. ■ أما هذه الظاهرة التى أصبحت تتكرر أمام المحاكم.. فتثير حفيظتى تماما كما لاحظت أنها تستفز كل من يفتح الموضوع أمامى.. وهى احتشاد مجموعة من الناس أمام محكمة ما لمناصرة أو سب شخص يتوجه لحضور جلسة ما.. وفى الغالب يكون هذا الشخص إما شخصية عامة.. أو يجتهد ليكون.. أو يستغل هذه المحاكمة ليصبح بعدها شخصية عامة.. وفى كل الأحوال.. يخرج الأمر عن كونها محاكمة عادية لطرفين متشاكيين.. أو لمرتكب فعل ما يستحق عليه هذه المحاكمة. ■ فبعد هوجة الفضائيات وتزايد عدد البرامج الإخبارية التى تبث مباشرة على الهواء يوميا.. والتى أصبحت تعانى من نفس مشكلة الإصدارات الكثيرة التى لا تجد أخبارا تملأ بها صفحاتها وبالنسبة للبرامج ساعات إرسالها.. فتلجأ أحيانا إلى الفبركة.. أو اختلاق أحداث وأخبار ليس لها نصيب من الصحة.. أو على أقل تقدير إلى الهرولة إثر مكالمة تليفونية من أى أحد يشير إلى أى لمة فى أى حتة حاملين الكاميرات، وجرى على هناك لحسن البرنامج الفلانى يوصل قبلهم.. والنتيجة.. ظهور نوع جديد من الفبركة.. قد لا تكون البرامج هى المتهم الأول فيه.. ولكن حالة التسابق لتسجيل الحدث.. والإسراع إلى المكان للحصول على السبق فى التغطية فى مساء اليوم نفسه.. خلق عالما جديدا من المفبركاتية ومحترفى الصراخ والبكاء والتصدى للكاميرات وكتابة الشعارات وترديدها وطبع اللافتات.. عالم جديد وأرزقية جدد.. عالم قائم على ما ستصوره الكاميرات فى شكل تقارير ثم محادثات تليفونية وربما استضافات.. يتوجه فيه الناس إلى موقع الحدث ليقدموا المسرحية التى تقاضوا عنها الأجر ثم ينصرفون فور إطفاء الكاميرات.. وفى ظل البطالة التى نعانى منها لا تستغرب أبدا أن يزداد عدد هؤلاء الأرزقية وأحيانا البلطجية.. ماهو رزق الهبل على المجانين. ■ وقد تجد من الهبل واحدا متفردا طقت فى نافوخه وحب يطلع فى التليفزيون فاخترع حالة أو سبباً يطلع بيه وخلاص.. مثل ذلك الصبى الذى سرح بفريق إعداد كامل وخده فسحة فى الشوارع بدعوى أنه فاقد الذاكرة وقعد يمثل تمثيل ولا أحمد عز فى الشبح.. عيل سرح بمجموعة ناس كمل يسوقهم دافع نبيل للتفرد بمساعدته وتحقيق سبق إنسانى للقناة.. فإذا كان العيل ده ضحك على الناس.. فما بالكم بالشخصيات المعروفة التى تستغل هذه البرامج لتحقيق أهداف مختلفة منها الشهرة والسلطة والمصالح على كل نوع.. ومافيش مانع فى السكة من التأثير على الرأى العام فى قضية ما.. كل المطلوب هو الاتصال بمتعهد البليكة.. والاتفاق على المقاولة.. ولملى شوية صيع يهتفوا باسمى ويرفعوا صورى اللى ماحدش عارف بيجيبوها منين على افتراض إنهم شعب يعنى.. وكام يافطة قماش من بتوع الانتخابات.. وكام شعار متنقيين.. البرامج تصور والجرايد تكتب.. على أمل أن تتهت الأجهزة والقاضى يشيل هم الحكم الذى سيصدره على هذا الجامد فتحدث ثورة فى المجتمع.. وييجى تليفون من فوق بتعليمات أن عدى الليلة مش عاوزين خوتة دماغ.. فوق فين بقى ماحدش عارف. ■ وقد يبرر لى أحدهم هذه التجمعات بأنى مفترية وماعنديش حق وإيش أكون أنا جنب المواطن أبو شعب.. فهذا الشخص معروف برضه وله جماهيريته وله دايرة بيرشح نفسه فيها وبيجيب شقق للشعب وبيصلحلهم حنفيات وبيسلك بوابير جاز بالموافقات التى يحصل عليها أثناء حصة النوم فى المجلس.. واللى اشترى الصوت فى الانتخابات بخمسين وميت جنيه.. حاتستكترى عليه يجيب الشعب اللى كاسر عينه ده عشان ينصفه فى المحكمة؟! ■ طب حد يقوللى والنبى.. الأفندى المسمى صحفى المتهم بتلفيق قضية آداب للفنانين نور الشريف وخالد أبوالنجا وحمدى الوزير على صفحات الجورنال اللى بيبيع أربعة أعداد.. وكان.. والحمد لله على كان دى.. بيصدر عدد ويتصادر تسعة.. عنده شعب منين؟ ■ مين اللى عارفه أصلا؟.. كيف يمكن أن يتوجه إلى قاعة المحكمة وخلفه أعداد غفيرة من الشعب ليناصروه فى قضيته الوطنية ضد الفساد وشوية الهجص اللى صرخ بيهم عند خروجه من الجلسة وهو محمول على الأعناق.. والشعب.. آى والله الشعب بيهتف باسمه وبيردد شعارات عن بطولته.. والمصيبة إن الكاميرات صورت والبرامج ذاعت هذه التمثيلية الهزلية التى تعبر عن قمة الفوضى.. والفوضى هنا ليست فيما ارتكبه هذا الزبون.. الفوضى فى أنه تجرأ وفعلها. ■ يا فرعون إيه اللى فرعنك؟.. قال مالقيتش اللى يلمنى.. ويسكنى.. ويمدنى على رجليا بالفلكة. [email protected] [email protected]