قالت مجلة «إيكونوميست» البريطانية، إن الجمعية التأسيسية التي يسيطر عليها الإسلاميون تشهد موقفًا محيرًا الآن، خاصة أن المسيحيين اعترضوا على مواد ليس من شأنها فقط أن تخضع الأغلبية المسلمة لحكم الشريعة، وإنما تخضع أيضا الأقليات غير المسلمة لها، موضحة أن التكيف مع الأحكام الدينية عادة ما يمثل قضية شائكة، وهو ما يعرفه المشرعون المسلمون للدساتير في دول أخرى غير مصر، منها تونس والسودان، وبالتأكيد ليبيا قريبًا. وقالت إن المسيحيين يلقون باللوم على الثورة لوصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، لكن الأمور يمكن أن تسوء في المستقبل بوجود مواد دستورية ضد التجديف تحد من الحرية الدينية لتصبح من حق أصحاب الديانات السماوية فقط. وأوضحت المجلة أن عددًا من المسيحيين في مصر هاجموا الموافقين على مادة الشريعة الإسلامية بشكلها الحالي، واعتبروهم من «المرتدين الذين يريدون الالتفاف على قرار الكنيسة بمنع الطلاق» ويقبلون بأحكام الشريعة الإسلامية «فقط من أجل التمتع بالحق في الطلاق»، إلا أن كثير من الأقباط يفضلون بقاء المادة كما كانت في الدستور السابق، على أن يضاف إليها فقرة شرطية مفادها أن يقوم غير المسلمين بالاحتكام لشرائعهم في قضايا الأحوال الشخصية. وأشارت إلى الجانب الآخر من المعادلة، وهم الإسلاميون المتشددون، وقالت إنهم يريدون للدستور الجديد أن يتضمن بوضوح الاحتكام للشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، موضحة أن الثورة بأكملها- من وجهة نظرهم- قامت من أجل إنشاء «يوتوبيا يتم تطبيق الشريعة فيها بالكامل». وقالت إن الغلبة للرأي الذي يريد بقاء المادة على ماهي عليه دون تعديل، ويقف وراء هذا الاتجاه، مؤسسة الأزهر التي هاجمت بشدة أي تغيير، واعتبر أحد الباحثين الأزهريين المشاركين في الجمعية التأسيسية أن «مبادئ الشريعة الإسلامية مصطلح شامل اتفق عليه أئمة المسلمين». وأضافت أن الأزهر قام بمنع مجموعة من السلفيين من الدفع بفكرة أن يكون الأزهر نفسه السلطة الوحيدة التي تفصل في مسائل الشريعة وتفسرها، ما جعل المحللين العلمانيين يخشون أن تصبح اقتراحات كتلك خطوة أخرى نحو خلق دولة دينية على الطريقة الإيرانية. وأشارت «إيكونوميست» إلى أن السلفيين يرون أن موقف الأزهر دليل على أن قادته من ضمن فلول العهد البائد قبل الثورة، على العكس من الإخوان المسلمين، الذي يعتبر حزبهم السياسي هو الحزب الحاكم لمصر الآن، الذين يميلون أكثر نحو التسويات والحلول الوسط، ويتجهون للصبر ويدفعون بمنطق أن الظروف حاليًا لا تمثل المناخ الأفضل لتطبيق أحكام الشريعة المتشددة. وقالت إن الصراع بين الرؤيتين، المنفتحة والمتشددة، لتطبيق أحكام الدين في الدستور، ليس في مصر فقط، فالسودان أيضا تشهد الآن مطالبات بالجهاد ضد الرئيس عمر البشير، الذي تزعم حكومته أنها تطبق الشريعة الإسلامية والتي نفذت أحكاما قاسية قالت إنها تستقيها من الشريعة، كما تشهد مالي تمردًا للجهاديين في الشمال الذين يرفضون حتى الحوار مع الحكومة في باماكو العاصمة إلا إذا قامت بتطبيق الشريعة في البلاد كلها. وأوضحت أن الوضع في تونس مختلف قليلا، إذ خضع حزب الأغلبية الإسلامي، حزب النهضة، إلى ضغوط شديدة من الأحزاب العلمانية ووافق على إسقاط أي مادة تحتوي على الشريعة من الدستور، لكن في المقابل، أدخل مواد «إسلامية» مثيرة للجدل، منها مادة «تجرم الاعتداء على المقدسات»، دون تحديدها، كما أن الدستور يرسخ لحرية الممارسات الدينية لكنه لا يشير إلى حرية الرأي، بما يؤدي إلى تجريم الإلحاد واعتباره «غير قانوني». ولفتت أن الحالة في مصر الآن تشبه تونس، فالشرطة تحتجز الحقوقي ألبير صابر بتهم تتعلق بوضعه مواد «غير دينية» على صفحته على موقع «فيس بوك»، وحكم على مدرس مسيحي في سوهاج بالسجن 6 سنوات لنشره رسومًا اعتبرت مسيئة للإسلام ولإهانة الرئيس، بينما اعتقل طفلان مسيحيان في بني سويف لاتهامهما بتقطيع صفحات من القرآن.