رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    حلفاء زيلينسكي يقدمون دعمهم قبل المحادثات مع ترامب في فلوريدا    بيزا ضد يوفنتوس.. السيدة العجوز تحسم المواجهة بثنائية نظيفة    الدفاع المدني بغزة ينتشل جثمان طفل غرق في بئر بعد محاولات لإنقاذه    كأس أفريقيا.. نيجيريا تتأهل بثلاثية في تونس    يوفنتوس يعبر اختبار بيزا الصعب بثنائية ويشعل صراع القمة في الكالتشيو    الأهلي يفوز على الزهور في دوري مرتبط الطائرة للرجال    بحضور وزير الشباب والرياضة ومحافظ القاهرة.. ختام نهائي دوري القهاوي للطاولة والدومينو في نسخته الثانية    السيطرة على حريق بمزرعة دواجن في الفيوم ونفوق 5 آلاف كتكوت دون إصابات    تموين الإسكندرية: جولة تفتيشية مكثفة بسوق اليوم الواحد في العجمي    صحف الشركة المتحدة تحصد 13 جائزة فى الصحافة المصرية 2025.. اليوم السابع فى الصدارة بجوائز عدة.. الوطن تفوز بالقصة الإنسانية والتحقيق.. الدستور تفوز بجوائز الإخراج والبروفايل والمقال الاقتصادى.. صور    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    وزير الزراعة: أسعار اللحوم الحمراء قد ترتفع قليلا.. ونستهدف إنتاج 70% العام المقبل    خبير اقتصادي: تحسن سعر الصرف وانخفاض التضخم يحدان من موجات الغلاء    أول رد من نيللي كريم على شائعة زواجها من شريف سلامة    أشرف زكي بعد واقعة ريهام عبد الغفور: «نحن في بلد قانون.. والقضية لن تنتهي»    تفاوت بين روايتَي واشنطن وأبوجا بشأن الضربات الأمريكية في نيجيريا    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    تفاصيل لحظة وفاة داوود عبد السيد.. موعد جنازته والعزاء    رونالدو يشيد بأداء النصر بعد ثلاثية الأخدود: الطريق ما زال طويلًا    بشير عبدالفتاح: إسرائيل تسعى إلى تموضع عسكرى فى صومالى لاند    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    وزير الصحة يكرم الزميل عاطف السيد تقديرًا لدوره في تغطية ملف الشئون الصحية    الدفاعات الجوية الروسية تسقط 111 مسيرة أوكرانية خلال 3 ساعات    الجيش السوداني يعلن استعادة السيطرة على منطقة الداكنوج بكردفان    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    تأجيل قضية فتى الدارك ويب المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة لجلسة 24 يناير    خبير نووى: الأوروبيون فقدوا أوراق الضغط وإيران تتحرك بحرية فى ملف التخصيب    مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: واشنطن لن تسمح لإسرائيل بشن هجوم على إيران    ألمانيا تغلق مطار هانوفر بعد رصد مسيرات في مجاله الجوي    إقبال كثيف للناخبين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات البرلمان بقرى مركز سوهاج    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    جولة في غرفة ملابس الأهلي قبل مواجهة المصرية للاتصالات بكأس مصر    السجن 10 أعوام وغرامة 50 ألف جنيه لمتهم بحيازة مخدرات وسلاح ناري بالإسكندرية    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    عمومية اتحاد الطائرة يعتمد تعديلات لائحة النظام الأساسى    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    القبض على أجنبي لتحرشه بسيدة في عابدين    مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين.. بث مباشر مباراة الأهلي والمصرية للاتصالات في كأس مصر من استاد السلام    انهيار جزئي لعقار قديم في منطقة رأس التين بالإسكندرية    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    محافظ البحيرة: رفع درجة الاستعداد القصوى لمواجهة الطقس غير المستقر    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكاوى سعيد يكتب: أول مخبر «هاوٍ» فى التاريخ

تقريبًا من حوالى 4000 سنة حدثت هذه الحكاية الطريفة فى مصر إبان عهد الأسرة ال18، فى أحد صباحات شهر بؤونة تمكن التاجر «إيمبو» من بيع معظم بضاعته من جلود وكتان وبخور ودهان ثم أغلق مخزنه وذهب للغداء بخان فى سوق الغلال.. حيث تغدى وتسامر مع بعض زملائه التجار ثم تركهم وقرر السير بمفرده لمسافات أطول تنفيذًا لأوامر كاهنه الطبيب الذى حذره من السمنة والانفعال..
 كان إيمبو يعرف طرق وأزقة شوارع مدينة ممفيس كلها ويكاد يحفظها غيبًا، وكان دائمًا يختار طرقًا قريبة ومتجاورة للسوق المركزية لا تبعد كثيرًا عن بيته، لكن يبدو أن هذه الشوارع والأزقة أصابته بالملل أو ربما قيظ هذا اليوم الحار أغراه بالتوغل أكثر حتى ينضح جسده بالعرق فيتخلص من بعض دهونه، فهذه المرة تجاوز المسافات المقررة لمسافات أبعد بكثير..
كان يمشى وأشعة الشمس تلهب أجزاء جسده العارية وكان لا يتوقف إلا قليلاً ليستظل بالنصب والجدران والأشجار.. يتوقف بضع دقائق فقط يحكم خلالها غطاء رأسه بعد أن يعصره من قطرات العرق ويجفف جسده بفوطة من الكتان ثم يعاود المسير.. لحسن حظنا وسوء حظه اخترق هذه المرة مواقع وثكنات خدم الملك وأعوانه الذين لم يأبهوا أو ينتبهوا له وأقعسهم الحر ولهيبه عن الالتفات إليه..
توغل إيمبو فى حرم الجبانات الملكية حتى وصل إلى حدائق الملك فلم يرتدع وأغراه أننا كنا من فترة حكم «تيتى الأول»- الذى اتسم عهده بالسلام– فظل مستمرًا فى سيره لا يخشى مغبة جرؤة الاقتحام.. وفجأة وجد الملك «تيتى» مع قائد جيوشه فى وضع مريب، لم يجبن إيمبو ويخاف.. لم يتراجع.. لم يقرر الفرار السريع والنفاد بجلده.. إنما كمن خلف الشجرة الملكية العريقة يراقب تطور المداعبات بشغف وقاده فضوله إلى تهور أكبر، أو يصح أن نقول، قاده جنونه إلى تصرف خطير..
تتبعهما حتى بوابة القصر بكل الحذر والانتباه حتى أغلقا بوابة القصر خلفهما دون أن يتصورا ولو للحظة واحدة أن هناك معتوهًا يراقبهما. فتك الفضول بإيمبو تمامًا ولم يسعفه ذهنه بتهور آخر سريع يجعله يقتحم عليهما القصر حتى يتأكد من ظنونه.. لكن هل يهمد إيمبو ويرتاح ويتراجع؟ هيهات.. عند تلفته للمرة الرابعة يمينًا ويسارًا وجد سلمًا خشبيًا مرتكزًا على شجرة.. حمله بكثير من الصمت وأسنده على سور القصر، ثم صعد عليه ليرى بأم عينيه الفعل الفاضح التام بين الملك وعاشقه.
أخيرًا انسحب إيبمو بعدما اكتفى بما رآه.. لكن هل يسكت هذا المأفون ويضع حجارة هرم كامل بفمه؟.. قطعًا لا.. ظل يلسن ويشرد للملك وقائد جيوشه فى كل المدينة، والناس تنظر إليه باعتباره مجنونًا خطرًا.. أما زوجته فقد غلب حمارها معه.. أتت بأهله وأهلها وكلمتهم فى أمره.. وساقت عليه أولاد الحرام والحلال لكن إيمبو دماغه وألف نعل فرعونى أن يواصل تجريسهما..
ثم تطور هجومه أكثر وأعد عدته لذلك.. اشترى أقلامًا من البوص ومحبرة كبيرة تحتوى على فتحتين إحداهما للحبر الأسود المصنوع من السناج والأخرى للحبر الأسود المصنوع من أكسيد الحديد.. كما اشترى أيضًا فرشاة للتلوين وغمر قطع الكتان فى النشاء.. جن جنون زوجته عندما رأت عدته هذه واستشرفت ما سيفعله.. أرسلت طفلها ليأتى بأهلها فى الحال.. لم يأبه إيمبو لهم كما حدث فى المرة الأولى..
مما دفعهم لتهديده هذه المرة بإبلاغ الملك الذى سيتولى مصادرة متجره والتفريق بينه وبين زوجته وأولاده، لكن إيبمو ضحك كثيرًا فى وجههم – وكانت هذه أول مرة يضحك فيها منذ رؤيته للفعل الشائن – وقال لهم إنه يهمه أن يسمع الملك لما يقوله ولا يهتم بكل تهديداتهم لكن محبة للعشرة الطويلة فإنه سيتنازل طوعًا وبمحض إرادته عن متجره وصومعته وعن جميع جلود الثيران والماعز والصنادل والزيوت والبخور والمراهم وأنوال النسيج التى يمتلكها وموجودة بحوزة التجار الآخرين.. كما تكفل بدفع أجر سنة للسيدة التى تعاون زوجته فى البيت وبنفس الأجر أيضًا لمصففة شعرها. وتنازل أيضًا عن حقه فى حضانة الأولاد..
باختصار أحرق إيمبو سفنه كلها واستعد لمعركته.. على رقع الكتان كتب الواقعة باللون الأسود وكتب اسم الملك وقائده والفعل الفاضح باللون الأسود الذى يبرز الموضوع ويميزه، ثم وزع هذه الرقع على زملائه التجار والمزارعين والعامة وحراس المعابد وكل من يعرفه أو لا يعرفه.. لكن للأسف هذه الرقع كصوته الذى نبح لم تجد صدى.. وأخذوها منه باستهانة كأنهم يتوقعونها وأهملوها كأنها وثيقة تؤكد جنونه.. ففى عرفهم أن الحماقة هى اتهام الملك بفعل سلوك شائن (خاصة أن دور الملك كان أساسيًا فى الثقافة المصرية وكانت أفعاله هى التى تحددها وتشكل تاريخها، وتعكس سلطته السياسية المطلقة من حيث تفرد حكم الإله الخالق الوسيط بين عالم لبشر والآلهة).
تضايق إيمبو جدًا عندما وجد بعض رقعه يستخدمها الأهالى كحامل لعلف الماشية أو يلقون بها داخل الأفران لزيادة لهيبها. هنا كف إيمبو عن الاعتراض السلبى من وجهة نظره وقرر مواجهة الملك وقائده مواجهة مباشرة فى قاعة البلاط الملكى.. وبصعوبة بالغة تم تحديد جلسة تناقش فيها شكوى المواطن إيمبو ضد الملك وقائد جيوشه فى ساحة البلاط الملكى.. وكانت جلسة مشهودة حضرها الملك وقائده ووكيل المجلس وياور المجلس والناسخ الملكى ومساعده والمشرف على الحقول وأعضاء مجلس ممفيس من الوجهاء والنبلاء.
كان من عادة تلك المجالس أن تبدأ بالموسيقى والغناء.. ثم يتلو الملك كلمته وبعدها يتم النظر فى الشكاوى المعروضة على المجلس.. استمع كل الحاضرين إلى الشكاوى التى سبقت شكوى إيمبو وأمروا برد الحقوق لأصحابها وأرجأوا بعض الشكاوى لجلسة أخرى قريبة.. وحانت ساعة إيمبو الذى عندما بدأ فى سرد شكواه.. حدثت بعض الحركات المريبة التالية.. غمز الناسخ الملكى لمساعده فتوقف عن الكتابة..
وأشار وكيل المجلس بإشارة مستترة إلى أعضاء الجوقة الموسيقية فبدأوا فى العزف، وصفر بعض أعضاء المجلس استهجانًا وصفر البعض الآخر استهانة بالشكوى والشاكى ولم يمكنوه من آذانهم وكلما رفع إيمبو صوته ليسمعهم ازدادوا صخبًا وضجة (ألا يذكرك هذا ببرلمانات الشرق!).. نظر إيمبو إلى أعضاء المجلس بعين أضفت إليها الدموع الحبيسة بريقًا ثم انصرف. فى الخارج بكى إيمبو بكاءً مرًّا ونزع عباءته المصنوعة من جلد الثور والتى تدثره.. ولم يبال بصقيع شهر كيهك الذى ينغرس فى جلده كالسهام المسومة..
وظل ينزع شعر رأسه ولحيته بيده مخلفًا أثرًا داميًا على وجهه... ثم هام فى البوادى والوديان ولم يعد إلى بيته أبدًا حتى كاد التاريخ يفقد أثره.. أضاعته هوايته العجيبة فى التلصص والفضول.. ارتاح الجميع لاختفائه إلا أمه التى وهبت بعض إرثها إلى ناسخ متمكن لكى يكتب قصة ابنها إيمبو على ورقة بردى حرصت على إخفائها عن عيون الجميع حتى يظهرها الزمن.. ويبدو أن لإيمبو حظين وليس حظ واحد، فقد كان النبيل «جيتى بن هنت» من ضمن حاضرى هذه الجلسة التاريخية واستاء جداً من أفعال أفراد الحاشية وجوقة الملك ضد التاجر المسكين.
ورغب فى التأكد من صدق رواية التاجر فكمن للملك وقائده وخرج خلفهما أكثر من مرة نهارًا وعصرًا وليلاً.. حتى رأى الملك يطرق باب القائد «سانت».. وتلصص عليهما النبيل «جيتى» كما تلصص عليهما التاجر.. ورأى خلال ساعتين ما يؤكد صحة ادعاءات التاجر.. وبحكم أنه نبيل وسليل كهنة عظام لم يجرؤ أحد أن يكذبه، ولم يتعاطف أحد مع سلوك الملك وأدانوه وألزموه بإنهاء العلاقة مع قائده واتباع سلوك أكثر حشمة.
هذه الحكاية الطريفة تدل على أن الملوك فى مصر القديمة لم يكونوا فوق القواعد الاجتماعية، وإنما كانوا خاضعين لنفس قوانين الثواب والعقاب، شأنهم شأن باقى البشر.. وأن المثلية الجنسية كانت تعتبر انحرافًا عن المعايير المثلى للحياة العائلية مثلها مثل الزنى.. وأن جينات التطبيل والتصفيق والتزمير لاتزال بارزة حتى الآن فى خريطة جينوم الجنس البشري.. وأن فى كل العصور حمقى ومجانين وحكماء يدفعون ثمن تهورهم حتى الثمالة غير عابئين بالمصير.
(المصدر.. كتاب أصوات من مصر.. مقتطفات من كتابات الدولة الوسطى.. تأليف: «ر. ب» باركنسون ترجمة بدر الرفاعى.. الناشر الجمعية المصرية للدراسات الحضارية).
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.