"شوشة ": ذبح 467 رأس من الماشية في مجازر شمال سيناء.. ولم نتلق أية إخطارات أو شكاوي خلال أول أيام العيد    مفاجأة.. وثيقة تؤكد معرفة جيش الاحتلال الإسرائيلي بهجوم 7 أكتوبر    المرشح الإصلاحى بإيران: العقوبات كارثة والالتفاف عليها سبب الكثير من الفساد    النمسا ضد فرنسا.. مبابى يقود هجوم الديوك فى قمة يورو 2024    الخارجية الأمريكية: 9 كيانات مقرها في الصين سهلت حصول الحوثيين على أسلحة    جهاز الزمالك يعترض على حكم لقاء المصري    إحباط صفقة مخدرات ب3 ملايين جنيه    بأغاني التراث والطرب الأصيل.. قصور الثقافة تواصل احتفالات العيد بجنوب سيناء    هيئة البث الإسرائيلية: وثيقة تؤكد علم المخابرات والجيش بخطة حماس قبل 7 أكتوبر    أبرزهم خالد زكي وحمدي حافظ.. شائعات الوفاة تطارد كبار نجوم الفن    «حياة كريمة» تعيد الابتسامة على وجه بائع غزل البنات.. ما القصة؟    24 موقعا.. ما هي أماكن فحص المقبلين على الزواج بالشرقية؟    طبيب: هذه الفاكهة أفضل من العلكة لإزالة رائحة الفم الكريهة    "على نفقته الخاصة".. طلب عاجل من الأهلي بشأن مواجهة الزمالك    فسحة ب 5 جنيه.. زحام شديد بحدائق القناطر الخيرية في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    9 سيارات كسح لشفط المياه.. استمرار العمل على إصلاح كسر خط رئيسي بأسيوط    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    بتوزيع الهدايا للأطفال.. محافظ الأقصر يهنئ متحدي السرطان بعيد الأضحى    منظمة الأغذية: مصر تنتج 413 ألف طن لحوم أبقار سنويًا    ذكرى رحيل إمام الدعاة    محمود الليثي يدخل في نوبة بكاء في بث مباشر    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بختام ثاني أيام العيد الاثنين 17 يونيو 2024    «حياة كريمة» تعلن تكفلها بإقامة مشروع لصاحب واقعة «غزل البنات»    احذر- الكحة قد تدل على وجود مشكلة في معدتك    أيمن الرقب يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    بترا: الأردن يثمن تنظيم مؤتمر السلام بشأن أوكرانيا ويرفض الانضمام للبيان الختامى    رئيس وزراء الهند يهنئ الرئيس السيسي: عيد الأضحى يذكر بقيم التضحية والرحمة    ثاني أيام عيد الأضحى.. استمرار انقطاع المياه بالفيوم    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    البابا تواضروس يستقبل عددًا من الأساقفة    مرض العصر.. فنانون رحلوا بسبب السرطان آخرهم الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    حمامات السباحة بالقليوبية تشهد إقبالا كبيرا في ثانى أيام عيد الأضحى    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    «حصريات المصري».. تحرك عاجل بشأن الشيبي.. 3 صفقات في الزمالك وحقيقة مشاجرة «ناصر وزيزو»    أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    "تضامن الدقهلية" تواصل توزيع اللحوم على الأسر الأولى بالرعاية    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    تفاصيل إنقاذ طفل اُحتجز بمصعد في عقار بالقاهرة    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    بالترددات وطرق الاستقبال .. 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة فرنسا والنمسا في يورو 2024    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    لبيك اللهم لبيك    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    القبض على شخص بحوزته أقراص مخدرة بالخصوص    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    مصرع طفل صعقا بالكهرباء خلال شرب المياه من كولدير في الفيوم    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعد هجرس يكتب: لماذا يعجز الذباب عن التمرد والإبداع؟

كم شخصاً من الثمانين مليون مصرى يعرف الشاعر محمد صالح، وكم شخصاً يعرف لاعب الكرة أبوتريكه؟!
الإجابة ليست صعبة، فالملايين تعرف لاعب الكرة، بينما الشاعر لا يعرفه سوى عدد لا يزيد فى أحسن الأحوال على بضعة آلاف معظمهم من النخبة. بل إن كثيراً من هؤلاء ربما يخلطون بينه وبين الناقد السينمائى محمد صالح، أطال الله فى عمره.
والشاعر محمد صالح ليس حالة استثنائية بهذا الصدد، بل إن هذا هو حال معظم المبدعين الحقيقيين فى مصر، الذين يحترمون أنفسهم ويترفعون عن الصغائر وألاعيب العلاقات العامة، بما تشتمل عليه من «بيزنس» رائج يحول أنصاف الموهوبين، وربما أيضاً عديمى الموهبة، إلى نجوم ساطعة، بينما الموهوبون الحقيقيون من أمثال محمد صالح يعيشون ويموتون فى كهف التجاهل والإهمال.
حتى عندما تجىء الفرصة للحديث عنهم بعد رحليهم غيلة وكمداً فى الأغلب الأعم تستمر مؤامرة الصمت والتعتيم مع سبق الإصرار والترصّد.
وهذا هو ما حدث بالضبط بأتيليه القاهرة، يوم الأربعاء الماضى، حيث تجمع عدد لا بأس به من المثقفين الجادين والمحترمين لتأبين الشاعر الكبير محمد صالح، الذى رحل عنا صباح أول أيام عيد الأضحى الماضى.
وانظروا لتروا من تحدث عنه أمام هذه الكوكبة قليلة العدد كبيرة القيمة عظيمة الوفاء:
الدكتور جابر عصفور، والشاعر محمد عفيفى مطر، والمفكر الدكتور نصر حامد أبوزيد، والأديب سعيد الكفراوى، والشاعر محمد فريد أبوسعدة، والناقد الدكتور محمد بدوى.
كل واحد من هؤلاء مرجع وحجة فى مجاله، لذلك يمثل رأيه «شهادة» أهم من شهادة «الأيزو»، فما بالك أن يجمعوا كلهم على رأى واحد خلاصته أن محمد صالح شاعر رائد عملاق تمثل دواوينه الخمسة، التى تركها لنا، بصمة وعلامة فريدة فى «ديوان العرب»، ناهيك عن أنه إنسان نادر فى بساطته وتواضعه وصدقه وعفويته الساخرة وسخريته الفلسفية.
وكان من الممكن أن تتحول هذه الندوة الثرية، والدافئة، والحافلة بالمشاعر الإنسانية الراقية، إلى بداية لرد الاعتبار إلى هذا الشاعر المظلوم، وإخراجه من بئر الظلمات إلى دائرة النور، وإلقاء الضوء الساطع على «نقلة» مهمة فى حركة الشعر والأدب مازالت كثير من خصائصها المميزة مجهولة.
■ ■ ■
لكن هذه المناسبة مرت مرور الكرام وسط تجاهل مذهل من معظم وسائل الإعلام، رغم أن كلا من الفرسان الخمسة الذين تحدثوا قدم فى كلمته معلومات وأسراراً جديدة ومهمة جداً، فضلا عن أفكار نقدية مضيئة.
وتبقى الحقيقة المرة التى يؤكدها الموقف من محمد صالح والكثيرين غيره من الموهوبين- هى مخاصمة معظم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية للإبداع والمبدعين، اللهم إلا استثناءات محدودة للغاية.
■ ■ ■
والحقيقة المرة الثانية هى أن معظم أفراد الصفوة الثقافية، البعيدة عن «المؤسسة» أو «الحظيرة» الرسمية محشورة بين شقى الرحى. فمن ينجو منهم من بطش البيروقراطية الحاكمة والمتحكمة يقع فريسة لإرهاب الأصولية الدينية، التى دأب رموزها فى السنوات الأخيرة على ترويع المثقفين بزعم الغيرة على الدين الحنيف من أجل فرض وصايتهم وشروطهم لما يقال وما لا يقال فى ساحة الأدب والفن والفكر.
وليست هناك ذرة من المبالغة فى المقولة السابقة، بل إنها حقيقة مؤسفة وأمر واقع مرير. ولنأخذ المشاركين فى تأبين شاعرنا الرائع محمد صالح كعينة عشوائية وسنجد الآتى:
■ نصر حامد أبوزيد.. تم تكفيره واستصدار حكم قضائى بالتفريق بينه وبين زوجته، الأمر الذى اضطره إلى مغادرة الوطن والعيش فى هولندا.
■ محمد عفيفى مطر.. تعرض للاعتقال والتعذيب البشع.
■ محمد فريد أبوسعدة.. تعرض للاعتقال والترويع.
■ جابر عصفور.. رغم قربه من السلطة وشغله مناصب مرموقة فى قمة السلم الوظيفى لوزارة الثقافة، تعرض لهجوم عنيف من جانب جهات أصولية. ومن المصادفات التى لا تخلو من دلالة أنه فى صباح نفس يوم مشاركته فى تأبين محمد صالح صدر ضده حكم قضائى بدفع غرامة قيمتها خمسون ألف جنيه فى القضية التى رفعها ضده أحد مشايخ هذا الزمان!!
إذن.. المثقفون والمبدعون المصريون.. مطاردون، ومحاصرون بين مطرقة سلطة وإدارة بيروقراطية تريد إخصاء المثقف وتحويله إلى بوق لها وخادم فى حظيرتها، وبين سلطة دينية أصولية تريد تدجينه وتحويله إلى كاهن يحرق لها البخور.
وبين « الإخصاء» و«الإقصاء»... أين المفر؟!
■ ■ ■
الحقيقة المرة الثالثة... هى أن جذور التخلف والتزمت والتطرف عميقة جداً، وربما أعمق مما كنا نتصور، بحيث إن مغامرة الحداثة باعتبارها المشروع الحضارى للنهضة المرتكز على مبادئ العقلانية والحرية والتى حاولت شق طريقها على ضفاف النيل منذ عصر محمد على، تبدو الآن مغامرة مهزومة كما لو كانت حرثاً فى البحر أو كأنها فى أفضل الأحوال مجرد «خربشة» فوق القشرة الخارجية لواقع غارق فى التخلف والجهل والتعصب والركود.
فبعد كل هذا الحفر فى الصخر الذى التهم أعمار الطهطاوى وعلى مبارك وأحمد لطفى السيد وطه حسين وقاسم أمين وعلى عبدالرازق ومصطفى عبدالرزاق وطابور طويل من حملة مصابيح التنوير والعقلانية ودعاة حرية العقيدة والرأى والتعبير وأنصار تحرير المرأة، نجح خفافيش الظلام ومروجو الخرافة واللاعقلانية والاستبداد فى اختطاف الوطن والهيمنة على البلاد والعباد، ولم يبق خارج حظيرتهم سوى كتيبة المبدعين والمثقفين المحشورين بينهم وبين البيروقراطية الحاكمة والمتحكمة.
وأتذكر أن الدكتور جابر عصفور قال فى أحد لقاءاتنا بمكتبة الإسكندرية، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، إن الجماعات المصرية، رغم إنجازاتها منذ نشأتها، مازالت عضواً غريباً فى جسد يلفظه.
فى ذلك الحين كنت أرى مبالغة قاتمة فى مقولة جابر عصفور، واليوم وبعد أن تكسرت النصال على النصال أعترف بأنه كان أقرب إلى الصواب.
فرغم كل محاولات التحديث، التى حاولت باستماتة تحويل المجتمع المصرى التقليدى إلى مجتمع عصرى انطلاقاً من مبادئ الحداثة، مازالت الغلبة للنقل على العقل، والتقليد على التجديد، والامتثال على الاجتهاد، والخرافة على العلم، والماضى على المستقبل.
والنتيجة هى هذا الخواء الثقافى والتخلف الفكرى الذى يفاقمه الاستمرار غير المنطقى لهذه النسبة المرتفعة من الأمية الأبجدية، والتردى المذهل للتعليم بكل مستوياته، ووقوع المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية فى أيدى المتطرفين والظلاميين، فضلا عن الدور المروع الذى تلعبه معظم وسائل الإعلام فى الترويج للسطحية والتفاهة من جانب، وثقافة الكراهية والتعصب من جانب آخر.
وهذه الحالة الثقافية البائسة مصدر خطر كبير على تطور البلاد السياسى والاقتصادى والاجتماعى.
فالأمة التى يتم فيها تغريم رموز ثقافية كبرى مثل أحمد عبدالمعطى حجازى وجابر عصفور يجب أن تتحسس رأسها.
الأمة التى يتم فيها التفريق بين مفكر كبير، مثل نصر حامد أبوزيد، وزوجته يجب أن تخشى على مستقبلها.
الأمة التى يجرى فيها اغتيال مفكر مثل الدكتور فرج فودة ومحاولة اغتيال أديب عظيم مثل نجيب محفوظ أو كاتب صحفى كبير مثل مكرم محمد أحمد هى أمة فى خطر.
الأمة التى يتوارى فيها دور العلم والعلماء والمفكرين والمبدعين لصالح دعاة الفضائيات ولاعبى الكرة وأباطرة المال تصبح أمة فاقدة للعقل والاتجاه وتحتاج إلى استراتيجية ثقافية جديدة.
■ الأمة التى تنجب شاعراً كبيرا مثل محمد صالح، ويعيش ويموت فيها دون تقدير لإبداعه وتميزه، أمة تهدر ثروتها الحقيقية من البشر الذين هم قوتها الناعمة.. أمس واليوم وغداً.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.