شهد الأسبوع الأخير من عام 2009 استكمال مبادرة «كلنا ليلى» التى بدأت منذ سنوات أربع. إنه هايد بارك المدونات والمدونين عن المرأة وقضاياها، ما تحقق وما أجهض، قصص النجاح والتحدى والصمود للمرأة العربية وقصص الألم والنفى والتهميش. من 24 إلى 30 ديسمبر اجتمع المدونون والمدونات فى «كلنا ليلى» يتحدثون عن النساء وقضاياهن، عن القهر والأفكار التى تحد من قدرات النساء أو تقلل من شأنهن. والكتابة هى الصوت الذى ظل مقموعا تماما حتى القرن التاسع عشر وظهر خافتا فى القرن العشرين ويظل يعلو فى القرن الجديد. وليلى هى بطلة «الباب المفتوح» للرائعة لطيفة الزيات. تمثل ليلى كلاً من القهر ومقاومة القهر لأنها ابنة المجتمع الذكورى الذى يمنح أخاها حرية الحركة ومن ثم تراكم التجربة بينما يحكم قبضته على ليلى لمجرد أنها أنثى. لكن ليلى تخوض معركة الحرية وحيدة إلا من رغبتها فى أن تتحقق كيانا كاملا. فى كل منا توجد ليلى التى إن لم يقمعها أب أو أم فالمجتمع كفيل بقصقصة أجنحتها بأفكاره التى ترى المرأة عارا محتملا أو خطرا مقيما على رجال المجتمع الأبرياء. رغم أن «كلنا ليلى» تكمل عامها الرابع لكن ليلى ليست ابنة أربعة أعوام، ولا هى ابنة خمسين عاما منذ نشرت لطيفة الزيات «الباب المفتوح» فى 1960. ليلى قديمة جدا بعمر النساء اللاتى أخرستهن كل مجتمعات البشرية شرقا وغربا، واللاتى استغللن باعتبارهن منجبات الأطفال وقوام الأسرة والملاذ وحاملات راية الشرف. «كلنا ليلى» هى ابنة دهر من مقاومة نساء ورجال للفكر الذكورى الذى تخلصت منه بعض المجتمعات وبقيت مجتمعات أخرى أسيرة له. ومبادرة «كلنا ليلى» التى بدأت من امرأة واحدة هى إيمان عبد الرحمن صاحبة مدونة «لست أدرى» تمتد وتتسع فى عامها الرابع لتضم تحت جناحها مدونين ومدونات من 13 دولة عربية هى مصر وفلسطين المحتلة وسوريا والأردن والمغرب والسودان والجزائر وتونس والسعودية والإمارات ولبنان وليبيا والكويت. تحمل المشاركات فى «كلنا ليلى» ألوان الطيف من الحكايا، فليلى ذات الاحتياجات الخاصة تنبه الجميع أفرادا ومؤسسات مجتمع مدنى أنهم يتجاهلونها. وليلى تحكى حكايتها مع الختان الذى أشرفت عليه أمها بهمة لكنها، بعد سنوات من سوء الفهم ورؤية الجنس كدنس، تتصالح مع جسدها. وليلى أخرى تحكى قصة انتصارها على القمع بينما ليلى التونسية تحكى عن شباب وشابات اعتصموا بالجامعة مطالبين بأحقية فتيات الجامعة فى السكن الجامعى فحكم عليهم بالسجن عاما. ليلى من ليبيا تتحدث عن العنوسة وليلى السورية تكتب من داخل السجن وليلى البهائية تكتب عن المساواة التى تمتعت بها منذ الصغر. ليلى السعودية تحكى عن أمها التى تحملت كل المسؤولية وكل القهر من زوج مدمن للمخدرات يمارس ضدها عنفا جسديا ونفسيا. الحجاب والنقاب وسى السيد وغشاء البكارة الصينى. الخوف والأمل والتحدى والارتباك. الأمهات والآباء والأزواج والأطفال. شهرزاد لم تعد تحكى كى تسلى شهريارها، إنها الآن تحكى كى تسمع صوتها الذى أخرسه التاريخ والواقع الاجتماعى. كتبت لطيفة الزيات فى شهادتها عن «الكاتب والحرية» فقالت «أمى، الأنثى المقهورة، قهرتنى لكى أتواءم مع مجتمع قاهر لا يتقبل سوى امرأة مقهورة. علمتنى أمى ألا أفعل وألا أقول ولا أصرح وصادرت كل مرة صوتى قبل أن يرتفع. باركت سلبيتى وأدرجت إيجابيتى فى نوع من العدوانية.. روضتنى أمى وقلمت أظافرى وعلمتنى أن الحب عطية بلا مقابل وأن للعطاء طريقاً واحداً.. وتعلمت فيما تعلمت أن أقهر ذاتى. واقتضانى التحرر من تربيتى المقموعة عمرا، أقع بلا وعى فى الموروث، وأعاود وقفتى بالوعى المكتسب». فلتعرف لطيفة الزيات أن تجربتها لم تذهب هباء وأن ليلاها قد أصبحت ألف ليلى، وأنها تسير الرحلة الشاقة المؤلمة من أجل أن تستعيد حقها الذى منحه الله لها.. الحرية.