المدونات.. متنفس جديد أتاحته التكنولوجيا الحديثة للنساء كى يعبرن عما يجيش بصدورهن من مشاعر وأفكار وأحلام دون قيود، من خلال تواصلهن مع بعضهن البعض، بل مع الرجال أيضاً، والدخول فى مناقشات ثرية حول همومهن الخاصة ووضعهن فى المجتمع، عبر تطبيق من تطبيقات الإنترنت الذى يشبه الصحيفة الإلكترونية التى يحررها شخص واحد، ويتلقى من خلالها ردود الفعل على ما يكتبه. وعن أسباب مشاركة المرأة المصرية فى حركة التدوين كوسيلة للتعبير عن الرأى، تقول نيرة الشيخ صاحبة مدونة «جنوب» إن المدونة تمنحها فرصة الكتابة بحرية فى موضوعات تمسها شخصياً، وهو ما مكنها من تدوين خواطر كتبتها منذ فترة ولم يكن من الممكن جمعها فى كتاب، وتضيف نيرة أن الإنترنت يتميز بأنه وسيلة «سهلة للقارئ السيئ» لسهولة تصفحه دون بذل جهد، كما أنه يتيح مساحة من الحرية للمدون كى يعبر عن رأيه. وتقول الصحفية والباحثة الإعلامية هبة ربيع، صاحبة مدونة «سؤال متشعلق فى الهوا»، إنها لجأت إلى التدوين بعد أن واجهت مشكلات خلال عملها فى إحدى الصحف، فقررت أن تنفس عن شحنة الغضب المكبوتة بداخلها من خلال التدوين، فضلاً عن استفادتها من المدونة فيما بعد كوسيلة ل«الفضفضة» والتعارف. من جانبها، تقول رضوى أسامة، صاحبة مدونة «هكذا أنا»، إنها عرفت حركة التدوين من خلال زوجها المدون عمرو عزت، وتحمست للفكرة لأنها شعرت بوجود تفاعل مباشر وسريع بين الكاتب والقارئ. وتشير منى سيف، صاحبة مدونة «ماعت»، إلى أن الإنترنت يتيح للفتاة أن تتكلم بحرية فى مجتمع قد يقيد حرياتها، مستشهدة بنجاح مبادرة «كلنا ليلى»، وهى حملة تعتمد فكرتها على تجميع أكبر عدد من المدونات المصريات للكتابة عما يواجههن من مشكلات من وجهة نظرهن، حيث تم اختيار اسم «ليلى»، بطلة رواية «الباب المفتوح»، كرمز لكل فتاة مصرية تحاول أن تبنى شخصية مستقلة فى ظل مجتمع يعتمد الكثير من أساليب القمع. وبينما تشير بيانات رسمية إلى أن عدد المدونات العربية يقترب من نصف المليون مدونة، 200 ألف منها لشباب مصرى، وفقاً لما ذكره المدير الإقليمى لشركة «جوجل» العالمية لخدمات الإنترنت فى مصر وشمال أفريقيا وائل الفخرانى، أرجعت دعاء الشامى صاحبة مدونة «بنت بلد» تلك الطفرة التكنولوجية فى مصر إلى أن التدوين بدأ بمجرد رغبة فى المشاركة، لكن أهدافه تطورت فيما بعد، إلى إحداث تغيير فى المجتمع والتواصل مع الآخرين، وربما ملء وقت الفراغ فى بعض الأحيان، فيما ترى كل من رضوى وزينب سمير صاحبة مدونة «بنت مصرية» أن السبب يعود إلى الرغبة فى «الفضفضة» فيما تضيف نيرة سبباً آخر، هو انخفاض أسعار خدمة الإنترنت، والحرية التى تتيحها الشبكة للكاتب، وإمكانية التخفى وراء أسماء مستعارة. وكشف د. سعيد المصرى ببرنامج القضايا الاجتماعية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار- فى ندوة أجريت على هامش معرض القاهرة الدولى السابق للكتاب- أن أغلب المدونين فى مصر من الذكور، وأن نسبة الإناث لا تتجاوز 24%. وبسؤالهن عن السبب وراء ذلك، أشارت رضوى إلى تعرض بعض المدونات الإناث لضغوط اجتماعية لإجبارهن على إغلاق مدوناتهن، وهو السبب نفسه الذى قد يدفع الكثير منهن إلى التدوين بأسماء مستعارة. فيما تعتبر دعاء أن النساء لديهن وسائل أخرى ل«الفضفضة» مثل التحدث إلى زميلة أو صديقة أو قريبة، بينما ترى أن الرجال قد يفتقدون تلك القدرة، مما قد يدفعهم «للاختباء وراء صفحات الإنترنت»، بينما ترجع نيرة السبب إلى احتمالية انشغال المرأة بمتطلبات المنزل، إلا أنها استدركت قائلة إن ذلك أيضاً لا يمثل عائقاً. وانقسمت المدونات المصريات حول تقييمهن لنسبة الحرية التى يجب منحها للمدون للتعبير عن رأيه، فبينما رفضت كل من رضوى وهبة ومنى وضع أى قيود على حرية المدون فى الكتابة، موضحات أن القارئ له الحرية فى أن يتصفح المدونة أو لا، أكدت نيرة أن مدونتها «لا ترحب بالبذاءات» وأنها تفضل الكتابة بطريقة يستسيغها القارئ حتى لو كان المدون منفعلاً ويريد الكتابة بلا قيود، كما رفضت دعاء فكرة الحرية المطلقة، مشددة على أن لكل شىء حدودًا وأنها مع الصراحة و«الفضفضة» ولكن دون إفشاء أسرار الغير. ومع تعرض عدد من المدونين المصريين للاعتقالات فى الفترة الأخيرة، أكدت نيرة أنها لا تخشى الاعتقال، مستشهدة بقول «اللى يخاف ميعملش واللى يعمل ميخافش»، موضحة أن ما يهم هو ألا يكتب المدون معلومات خاطئة أو مضللة، رافضة مبدأ «المشى جنب الحيط»، وذلك على الرغم من تعرض زوجها المدون محمد الشرقاوى للاعتقال ضمن ناشطى 6 أبريل. وتقول رضوى: «أنا أكتب مشاعرى، وهى لا تهم الحكومة فى شىء»، وتشير هبة إلى أن حرية الرأى لا تعنى أن يعرض المدون نفسه للمساءلة، مؤكدة ضرورة الموازنة بين الأمرين. وتقول منى سيف، أخت المدون علاء سيف صاحب مدونة «منال وعلاء» الشهيرة الذى تعرض للاعتقال من قبل: «عائلتى كلها تعرف أن التدوين ينطوى على مخاطرة، لكننى عندما أكتب موضوعات سياسية، أتناولها من منظور شخصى بحت، فلا داعى للقلق»، فيما تعتقد زينب أن السبب وراء اعتقال المدونين هو نشاطهم على أرض الواقع وليس مدوناتهم. وأكدت المدونات أنهن يتابعن التعليقات الواردة على موضوعاتهن بانتظام، واتفقن فى أنهن لا يقمن بعمل أى نوع من الرقابة على تلك التعليقات، عدا زينب التى أكدت رفضها التعليقات التى تحتوى على سب أو كلمات خادشة للحياء. وفى الوقت الذى تشير فيه آراء إلى إمكانية تحول المدونات قريباً إلى سلطة خامسة، رأت رضوى أن المدونات أصبح لها تأثير واضح فى تحريك المجتمع إزاء قضايا بذاتها، كما أنها أضحت مصدراً للعديد من الأخبار الصادقة، فيما استشهدت منى بأهمية المدونات فى تسليط الضوء على قضيتى التحرش الجنسى والتعذيب، وأكدت هبة أن حرية التعبير لم تعد نظرية. واتفقت المدونات على رفض فكرة خلق كيان يضم المدونين، باعتبار أن المدونات تجربة ذاتية ولا يجب إخضاعها لأى قيود. وعن الأسباب التى قد تدفعهن لإغلاق مدوناتهن، قالت رضوى إن السبب الوحيد سيكون «إصابتى بالجنون»، وقالت زينب: «عندما لا أجد ما أكتبه»، بينما رأت نيرة أنه حتى لو وصلت لتلك الحالة، فإن كتاباتها السابقة تستحق أن تبقى. وعن تقييمهن لواقع المرأة المصرية ومدى حصولها على حقوقها، رأت دعاء أن المرأة نالت الكثير من حقوقها، إلا أنها استدركت قائلة إن هذا لا يمنع أن المرأة فى حاجة إلى الوعى بحقوقها أولاً حتى تدافع عنها، و«أن تتخلى عن طيبتها المفرطة حتى لا تدهسها أقدام الرجال»، بينما كانت منى أكثر تشاؤماً، واصفة حالة المرأة المصرية بأنها «متبهدلة». لكنها أشارت إلى أن هناك فتيات كثيرات لديهن القدرة على مقاومة ضغوط المجتمع، مثل نهى رشدى التى حصلت على حكم قضائى لصالحها فى قضية تحرش جنسى. وترى زينب أن حصول المرأة على حقوقها يتوقف على أن يكون المجتمع المصرى على قناعة بأن المرأة كائن حر ومسؤول ومساو للرجل، بينما كانت نيرة الأكثر تفاؤلاً، معتبرة أن المرأة المصرية «بتاخد حقها». وأخيراً وعن أحلامهن كمدونات، قالت رضوى: «أكتب ما أريد دون خجل»، فيما قالت دعاء: «أحلم أن نفهم جيداً معنى التدوين وألا نحمله أكثر مما يطيق»، فيما أعربت زينب عن أملها فى أن تنجح مبادرة «كلنا ليلى» - التى هى عضو مؤسس بها - فى تحقيق أهدافها.