قبل أن أخط كلماتى، لم أستطع مغالبة دموعى، فلحظات الضعف الإنسانى لا تراها سوى مع الأعزاء من بنى البشر، فكلماتهم وضحكاتهم وجدهم ومزاحهم وقسمات وجوههم وآلامهم تدفع إلى النفس بالعبرات، فتلجأ إلى مكان قصى لتضع رأسك بين قدميك وتجهش بالبكاء لفقدك النبلاء، مجدى مهنا كان أحدهم، اليوم تهزمنى دموعى عند تذكر لحظات عشتها مع أستاذى سواء فى برنامجيه على دريم والتليفزيون المصرى أو فى جلسات العمل التى لم تراوح وسط مدينة القاهرة وتحديدا فى «جروبى» العتيق. أستاذى.. صورتك لا تغادر مخيلتى عندما أمسك بقلمى، أشعر بأنك بجوارى وخلفى ومن أمامى وعن يمينى وعن يسارى، تأمرنى بألا أحيد عن الحق، تأمرنى بالعفة والطهارة، وتدفعنى إلى الموضوعية والمهنية، تحفزنى على الوطنية والشرف، تنهرنى عندما يرتعش القلم، تصرخ فى أذنى بكلماتك التى لم أنسها «لا تعبأ بالحسابات ولا تدفع فواتير لأحد». أستاذى.. أبحث عنك ولا أجدك فى عالم الأحياء لكنك تعيش فى نفسى، تحرك جيلى وأجيالاً قادمة نحو الصدق فى عالم تتكسر رموزه لكنك خالد فى إدراكنا، باق فى أذهاننا، تمنح أقلامنا شرف أن نكون حوارييك. أستاذى علمتنى أن كل شىء مباح لكن بأدب المسؤولية، ننتقد كيفما نشاء لكن بالحفاظ على شعرة معاوية بألا نكون شتامين منزلقين إلى التدنى، لا ننكفئ، لا نطأطئ الرأس. أستاذى.. مررت علينا كشهاب خاطف ملأ سماءنا للحظات، لكنك تركت أثرا عميقا بعمق أفكارك ورؤاك، لن تمحوه السنون، فهو نفيس نبيل بنبل طلعتك ومحياك. أستاذى.. لن نبحث عن كلمات الشكر والثناء على كتاباتنا، وسنبحث عنه فقط كما علمتنا فى وجوه الكادحين المقهورين المحرومين الباحثين عن معانى العزة والكرامة حتى نرسم بسمات على وجوههم أبد الدهر. أستاذى.. كنت حقيقيا فى عالم زائف، رأيناك دائما تكتب كما تتحدث، كما تحاور ضيوفك، لم تتغير، لم تتلون، سرك هو علنك، لم تداهن، لم تنافق، لم تبحث عن سلطان، رأيتك تعمل حتى فى لحظاتك الأخيرة كى لا تحتاج إلى إنسان أو دولة. أستاذى.. كنت شريفا فى دنيا الشرفاء فيها قلة، كنت عفيفا فى دنيا غابت عنها العفة، كنت مرفوع الهامة دائما، تنتمى إلى فكرتك وقبلها بالطبع وطنك، كنت بسيطا وفى نفس الوقت عميقا، صحفيا، مفكرا، نقابيا، سياسيا، لم تختلف، أنت فى الحق ثابت وبيقين الحقيقة واثق. أستاذى.. كنت تستقبل دائما عبارات الثناء والشكر على أفكارك وكتاباتك بخجل الريفى ذى النبت الطيب، تدفع بحيائك الحديث الى مجرى آخر حتى لا تحاصرك كلمات التقدير، أتذكرك ترفع يدك قائلا لى: «يا علاء دا أنا كنت بأهزر»، أندهش لكلماتك وأشعر بضآلتى أمام تواضعك. أستاذى.. لم تحمل يوما ما أجندة خاصة، فالجميع سواء تحت مقصلة قلمك، وكل من يخطئ عليه السلام، حاكم أو محكوم، وزير أو غفير، وطنى أو إخوان، ليبرالى أو يسارى، لم تفرق بين الأشياء، فالحياة عندك لونان: أبيض وأسود. أستاذى.. تحليت بشجاعة الاعتذار وقبول الآخر، فاتفق الجميع عليك. أستاذى.. كنت حادا لكن برفق ، تملك مشرط جراح، وقلب طفل برىء، تنكأ الجراح، وتشفى العلل، تريح النفس ثم تقلبها على جمر النار. أستاذى.. أنا واحد من حوارييك أعاهدك على المضى على طريقك، صدق، طهارة، شرف ، جرأة فى الحق، وفى القلب وطن نحبه كما أحببته، أستاذى أقسم لك «أنت لم تغادرنا !!».