لم تكن الحاجة نازك مجرد أم تبكى فرحا بتألق ابنها جدو مع منتخب مصر فى نهائيات كأس الأمم.. وإنما كانت الأم المصرية.. بكل بساطتها وطيبتها وصفائها وحنانها وشموخها وقدرتها اللا محدودة على العطاء والصبر والحب.. ولدى ألف سبب يجعلنى أؤكد أن صور ودموع وكلمات الحاجة نازك على مختلف الشاشات المصرية.. كانت من أجمل مشاهد الفرحة والحب فى مصر طيلة أيام البطولة وبعد الفوز بكأسها.. الفرحة الطيبة والحب الحقيقى.. وعشت لحظات كثيرة نسيت فيها أننى أرى وأسمع والدة اللاعب الرائع جدو.. ولكننى كنت أرى مصر الحزينة والمتعبة والموجوعة حين تفرح.. كنت أسمع مصر التى ليست مضطرة لأن تذهب لأى ملعب كرة لتستمتع بلعبة الكرة وإنما أسمع مصر التى لم يتركوا لها إلا انتصارات الكرة لتجد روحها وراحتها وأحلامها وسلامها.. وبالتأكيد سيبقى للحاجة نازك الفضل فى أمرين فوق أى جدل أو نقاش.. الأول هو أنها الأم التى أنجبت لمصر محمد ناجى إسماعيل «جدو» الطفل الذى وقع فى غرام الكرة وبدأ يلعبها فى مركز شباب حوش عيسى ثم نادى دمنهور قبل الانتقال لنادى الاتحاد فى الإسكندرية ومنه إلى المنتخب والمجد الكروى الرفيع.. أما الفضل الثانى للحاجة نازك فهو أن حضورها.. اللافت للانتباه والداعى للحب والاحترام وسط صخب الاحتفالات وجنون الفرحة الجماعية.. كان هو الذى أضفى على كرة القدم إنسانيتها.. هو الذى سيجعلنا لا نستسلم لفرحة بالفوز على الجزائر ورد الاعتبار بمنتهى الأناقة والاحترام.. وفرحة الفوز بهذه البطولة بكل أرقامها القياسية.. وإنما سنأخذ الفرحة من الكرة ونوزعها على الجميع حتى الذين لا يشاهدون الكرة.. لابد أن نحاول استثمار هذه الفرحة وإطالة عمر هذه الحالة الاستثنائية التى تعيشها مصر الآن.. وبصورة الحاجة نازك.. إنسانيتها ودموعها وكلماتها ومشاعرها الجميلة والصادقة.. أدعو جدو وكل النجوم واللاعبين الكبار بقيادة الرائع والعظيم أحمد حسن.. لأن يحيلوا انتصاراتهم الكروية إلى مشاهد حقيقية للتكافل والتضامن النبيل مع مصريين كثيرين.. أتمنى أن أرى أحمد حسن يصطحب لاعبى المنتخب جميعهم ويزورون المناطق المنكوبة بالسيول.. ليس فرضا أو واجبا عليهم.. ولكننى أناشدهم أن يقوموا بذلك تحت لافتة الحب والانتماء لهذا الوطن.. وعلى الرغم من أننى أعرف بشكل شخصى كم الخير الذى يقوم به كثيرون منهم بمنتهى الإيمان والنبل والترفع.. فإننى هذه المرة لا أطلب الخير الصامت.. فليس الصمت فى كل الأحوال فضيلة.. العلن هنا هو الفرض والواجب والفضيلة.. أن يتعلم الكثيرون أن الإحساس بالآخرين قيمة حقيقية قائمة ودائمة فى مصر كلها.. وإذا كنا فى البطولة قبل الماضية فى القاهرة.. ووسط أفراحنا.. نسينا ألف بيت مصرى عاش الوجع والألم بسبب القلوب التى غرقت بها العبارة فى البحر الأحمر.. فهذه المرة لا يجب أن ننسى.. وإذا كنا فى المرات السابقة اعتدنا.. ومللنا.. وضقنا.. وكرهنا.. صور النجوم محشور بينهم رجال الأعمال الباحثين عن الشهرة والأضواء بأى ثمن.. فنحن نريد هذه المرة أن تتوالى صور النجوم ولكن مع أمهاتهم وآبائهم وهم يزورون مدنا وقرى مصرية موجوعة ومحرومة.. لا نريد هذه المرة أن نرى رجال أعمال وسياسيين انتهازيين.. وإنما نريد أن نرى كل من هم مثل الحاجة نازك. [email protected]
