فى آية تنبض بالعاطفة يضفى القرآن على الرسول الكريم بعض آلاء الله تعالى ويواسيه مواساة رقيقة ويذكره بأنه وضع عنه ما يثقل على الداعية حتى ينقض الظهر ويمن عليه «وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ»، وأى كرامة ورفعة وخلود مثل أن يتردد اسمه خمس مرات على الأقل فى كل أذان وفى كل دول العالم، بعد شهادة أن لا إله إلى الله، ويبشره أن بعد العسر يسرًا، فلا يثنيه شىء عن ذكر الله ولا أن يمضى قدمًا فى دعوته. فهل يمكن لأى إمبراطور رومانى أو شاه إيرانى أو ملك مصرى أن يذكر اسمه كل يوم خمس مرات على الأقل فى كل دول الدنيا وبمختلف لغاتها، وأن يظل هذا دون صدور أوامر أو إلزام قانون، ولا يتغير بتغير السياسات. هذه السورة الوجيزة، ومثلها سورة الضحى الذى يذكر الله تعالى الرسول أنه كان يَتِيمًا فَآوَى.. وَضَالاًّ فَهَدَى.. وَعَائِلاً فَأَغْنَى، وما أعظم « مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»، هى أثمن وأعظم ما يقلد إنسان من كرم ورعاية، والسورتان صيغتا فى عبارات أخاذة. وقالت إحدى السيدات التى كانت من أغنى الأسر اليهودية فى بريطانيا وأحبت لاعب هوكى باكستانياً فأسلمت وتزوجته، إنها بكت عندما قرأت ترجمة سورة الضحى، فماذا كانت تفعل لو قرأت الأصل. إن هذه السور تفهم أفضل ما تفهم عندما يقرؤها القارئ دون أن يعود إلى أحد التفاسير التى تفسد عليه روعتها وأصالتها بما تلوثه من ادعاءات، بل حتى لو لم تكن تلك اللوثات، فإن أى محاولة لتفسيرها لابد أن تفقدها تماسكها وسياقها وهارمونيتها الموسيقية العاطفية، هذه السور من التى قال عنها القرآن «وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً»، وفى كل مرة يزداد أثرها وتتغلغل معانيها ويستشعر المسلمون الشكر لله على ما أفاء على رسوله، وغبطة الرسول على المقام المحمود الذى ظفر به.