مسؤولية رئاسة الجمهورية

إذا كانت الدولة قد كرمت الدكتور أحمد عكاشة، فى احتفال عيد العلم، على يد الرئيس، فما يرجوه كل عاقل فى هذا البلد، ألا يكون تكريم الرجل قد جاء بالصدفة، وأن يكون وراءه تدبير، وتفكير، وتنظيم، وأن يكون هناك، منذ الآن، بحث متواصل عن «أحمد عكاشة» فى كل ميدان، لتكريمه فى الاحتفالات المماثلة المقبلة!
إننا نعود دوماً، إلى الوراء نصف قرن أو يزيد، ونتكلم طول الوقت عن طلعت باشا حرب، باعتباره واحداً من البنائين العظام فى تاريخنا، ونردد بلا انقطاع أنه كان قد أسس مجموعة من الشركات والمؤسسات التى تحمل اسم «مصر» من أول بنك مصر، مروراً بمصر للطيران، وانتهاء بمصر للسينما.. وغيرها، وغيرها!
وننسى على الدوام، أن طلعت حرب إذا كان قد أنجز لبلده على هذه الصورة، وأدى دوره الوطنى العظيم، ثم رحل، فإن وراءه قطعاً أكثر من طلعت حرب، فى كل مجال فى عصرنا، ولكننا لا نلتفت إليهم، ولا نفكر فى عرضهم إعلامياً على الرأى العام فى هذا الوطن، ولا نهتم كثيراً بما إذا كان كل طلعت حرب فى مجاله قد نال حقه من التكريم، أم لا!
وإذا كان محمد على باشا قد أدخل زراعة القطن إلى مصر، أوائل القرن التاسع عشر، وكان هذا المحصول، لسنوات طويلة، على رأس صادراتنا التى تملك ميزة نسبية فى منافستها مع صادرات العالم، فإن دولاً أخرى فى أفريقيا قد تفوقت علينا، مع شديد الأسف، فى صادرات القطن، ولم نعد نفخر فيه، بما كنا نفخر به زمان!
ومع ذلك، فإن العبرة إذا كانت بحجم العُملة الصعبة التى تعود من وراء الصادرات، وهى كذلك، فإننا كدولة يجب أن نبحث عمَنْ كان قد أدخل زراعات الموز أو الفراولة، على سبيل المثال، إلى مصر، ثم نكرمه، لا لشىء، إلا لأن صادراتنا من هذين المحصولين، ومن غيرهما من المحصولات الجديدة، تجاوزت الآن المليار دولار، ولذلك فإن الرجل الذى أدخل مثل هذه الزراعات إلى بلدنا، والذى لا أعرفه ولا أعرف حتى اسمه، يظل وكأنه طلعت حرب فى مكانه.. بالضبط كما يظل الدكتور أحمد بهجت، هو «طلعت حرب المعاصر» فى اتجاه تعمير الصحراء.
وفى التعليم، رغم مستواه المتراجع، فإن فيه مَن لايزال يمثل طلعت حرب، فى هذا الاتجاه، ولايزال الدكتور حامد عمار، على سبيل المثال، يمثل طلعت حرب التعليم، وكذلك إلى جواره الدكتور سعيد إسماعيل على، ومعهما الدكتور حسام بدراوى، الأب الروحى لفكرة وجود هيئة لجودة التعليم فى مصر، وهؤلاء الثلاثة على سبيل المثال لا الحصر يجب أن نكرمهم، لأنهم معاً يمثلون طلعت حرب فى حقل تعليمنا!.. وهكذا.. وهكذا!
وأخشى أن أقول إن رئاسة الجمهورية ذاتها، تبقى هى الجهة المسؤولة عن المبادرة، بخطوة من هذا النوع، وإذا كانت تنقصها الأدوات التى تمكنها من التنقيب عن أمثال هؤلاء، فى كل مكان، فلا يجوز أن تنقصها الملاحظة المستمرة التى تستطيع بها، أن تصل فى لحظة، إلى كل طلعت حرب فى مكانه، فتتوجه إليه الكاميرات!