كان إنتاج مسلسل كليوباترا أحد الأنباء السارة هذا العام، فأخيرا تقتحم الدراما العربية الفترة اليونانية والرومانية من تاريخنا. وكانت السعادة أكبر لأن المسلسل يتناول شخصية تتميز بثراء غير عادى فى تفاصيلها السياسية والتاريخية والنفسية. لكن مع مشاهدة الحلقات العشر الأولى للمسلسل لاحظت ابتعادا عن الدقة التاريخية والحضارية، فضلا عن خلل فى اللغة البصرية «الملابس - الإكسسوارات - الخلفيات المعمارية - المناظر الخلوية». ومن أمثلة عدم تحرى الدقة التاريخية والأثرية، مشهد لعبة البانكراتيون اليونانية، حين تنتهى المواجهة بطريقة تثبيت الأكتاف كما فى المصارعة الحديثة، وهو أمر لا يستقيم مع التقاليد اليونانية، حيث كان المهزوم يرفع إصبعه طلبا للرحمة. أقسى من ذلك مشهد الأميرة بيرنيكى «بيرنيس فى لغة المسلسل» وهى تتضرع للإله أوزير، فنراها تجثو أمام تمثال لإله له رأس ابن آوى أى أنه الإله أنوبيس وليس أوزير! وهو خطأ يعكس إما التسرع فى إنجاز العمل أو عدم الاكتراث بهذه التفاصيل التى تفقده دون شك المصداقية الفنية والتاريخية. الخطأ الجسيم التالى، يبدأ من الحلقة الخامسة وبتكرار وإصرار عجيبين بتقديم حكام روما كثلاثة قناصل وليس اثنين فقط كما هو ثابت. ومن الناحية البصرية يظهر قيصر وبومبيى يضعان تاجين ذهبيين على رأسيهما، وهو أمر لا نجد له سندا من الآثار الرومانية. ومن المعروف أن مجلس السناتو عرض على قيصر العصبة الملكية لكنه رفضها خشية أن يثير فى أذهان الرومان نيته أن يصبح ملكا. أما اللغة البصرية للمسلسل، فقد كانت أشد إيغالا فى الأخطاء، لكن أقساها كان منظر السوق أو Agora مدينة الإسكندرية «الساحة العامة» فنراها وقد بدت بشكل منخفض من الأرض احتشد فيه الباعة واصطفت فيه بعض القردة. ولا يمكن أن تكون هذه أجورا «الإسكندرية»، التى كانت مركز المدنية وحولها اصطفت أجمل المبانى مثل معبد الاسكندر ومعبد ربة الحظ. لقد أهان مصممو الديكور الخارجى للمسلسل عمارة مدينة الإسكندرية التى قال عنها عمرو بن العاص بعد 670 عاماً من عصر كليوباترا «لقد فتحت مدينة لا أقدر على وصفها لكنى وجدت بها أربعة آلاف قصر، وبها أربعة آلاف حمام.. وأربعمائة مكان للهو والترفيه لملوكهم» كما تعرض عمرو بن العاص للشوارع المرصوفة بالرخام التى تنعكس عليها أشعة الشمس فتخطف الأبصار. يفوح عدم الاكتراث والتدقيق أيضا فى مشهد خروج الملك والأميرة كليوباترا مسافرين إلى روما، حيث يظهران محمولين فوق محفات. وهو أمر غير حقيقى لان الإغريق كانوا يستخدمون عربات تجرها الخيول فى تنقل علية القوم، فما بالك بالملوك؟ ولم يهتم مصممو هذه المناظر المفجعة بأن يعرفوا شيئا عن ميناء الإسكندرية القديم، ولا الميناء الملكى الخاص، عند رأس السلسلة حاليا. فقد ظهر الملك والأميرة يبحران من ميناء بشكل «شاطئ صخرى تكتنفه الحشائش»! أبعد من ذلك يظهر الحبيب المصرى «كارى» وقد قفز فى الماء ليقدم زهورا للأميرة، وكأنها تعتلى قاربا شراعيا. ولو اهتم القائمون على المسلسل بأن يعرفوا شيئا عن مراكب هذه الفترة وحمولاتها وأشكالها ومجاديفها «خاصة مركبا سوف يعبر البحر إلى روما» لتبينوا مدى الفقر والتشويه الذى لحق بمثل هذه التفاصيل، حتى وصلت الأمور أن تظهر كليوباترا فوق حمار؟! مما يثير الاندهاش والتساؤل كيف مرت هذه الأخطاء على المراجعين. كما ينتابنى الشك أن قصة الغرام غير التاريخية أو المنطقية بين كليوباترا وكارى ربما تكون مقدمة لتبنى وجهة النظر الرومانية عن ارتباط كليوباترا بقيصر وماركوس أنتونيوس فيما بعد، وأتمنى أن يخيب ظنى، لأن التاريخ أنصف هذه الملكة الشابة وابتعد بها عن صفات مثل العهر والانحلال التى ألصقتها بها الدعاية السياسية الرومانية فى زمن المواجهة العسكرية. ويجب القول إن القائمين على هذا العمل الدرامى يبدون مقلدين لفيلم هوليوود 1963، وربما كانت محاكاته سببا فى كثير من أخطاء ونواقص المسلسل. [email protected]