قال تعالى فى كتابه العزيز: «يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، يقول الإمام الشعراوى رحمه الله: هكذا يأخذ المؤمنون خطاب تكليف الحق لهم ب«يا أيها الذين آمنوا» بمقياس المحبة لكل ما يأتى منه سبحانه من تكليف حتى إن كان فيه مشقة، والمؤمنون بقبولهم للإيمان إنما يكونون مع الحق فى تعاقد إيمانى، والصوم فى معناه العام هو لون من ألون الإمساك، وفى الإسلام هو صوم عن شهوتى البطن والفرج من الفجر حتى الغروب، إذن هو منهج لتربية الإنسان مادياً وجسدياً ونفسياً، وليس إمساكاً أو امتناعاً عن الأكل والشرب فقط، بدليل قول الرسول الكريم: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه، وأيضاً قوله: «إذا سبّه أحد أو شاتمه فليقل إنى صائم إنى صائم»، إذن فالصوم تمرين للإرادة والسيطرة على النفس الأمارة بالسوء. وكما يضعف الصيام شراهة المادية فى الجسم البشرى، وحدتها وتسلطها على الجسد، من خلال تقليل الطعام والشراب وهما وقود المادة، فإنه أيضاً يجب أن يضعف من قوة النفس الأمارة بالسوء داخل هذا الجسد، ويرفع من قدرة الإنسان على السيطرة على تلك النفس الأمارة بالسوء، من خلال تقوية الجانبين الروحى والإيمانى خلال هذا الشهر الكريم، الذى اصطفاه الحق كزمن لكى نتدرب فيه على الاستقامة وضبط النفس، لتشيع بعد ذلك هذه الاستقامة فى كل حياة الإنسان، وفى كل الأزمنة الأخرى من بقية العام، فرمضان جاء لكى يدربنا على أن نعيش بخلق الصفاء وعلى أن نسيطر على النفس الأمارة بالسوء فى كل الأزمنة، والخالق سبحانه وتعالى حين يكلف الإنسان بأمر، فإنه يعلم أن قدراته تتسع لتنفيذ هذا التكليف، فإذا كان فى غير وسع الإنسان أحياناً، فإنه يعطيه الرخصة، مثل حالتى المرض والسفر وغيرهما فى فرض الصيام. ومن خلال هذا المفهوم المتسع لصيام شهر رمضان كان لزاماً علينا أن نراجع بعض التصرفات والسلوكيات، التى قد يكون هذا الشهر الكريم - وبما يتطلبه من شحذ للهمم، وتقوية للعزائم، وصفاء للنفوس - فرصة عظيمة للتخلص من الكثير من السلبيات التى تلازمنا، وقد يقع فيها الكثير منا كالإدمان مثلاً، بدءاً من إدمان السيجارة والشيشة والقهوة، مروراً بالحشيش والبانجو، حتى الهيروين والكوكايين والآيس والأمفيتامينات وغيرها، كما يمكن أن يكون رمضان فرصة لترويض النفس على التكيف مع الانفعالات المختلفة، واستخدام التأملات الإيمانية لشحذ طاقة المؤمن الإيمانية التى تؤثر على وظائف الجسم المختلفة، وقد يكون رمضان فرصة أيضاً لترشيد استهلاك الطعام والاكتفاء بثلث ما نأكل من طعام، حيث إن زيادة هذا الطعام فى أجسامنا إنما هى وقود الكثير من الأمراض من خلال ما تنتجه من ذرات الشوارد الحرة الضارة. [email protected]
