منطقة ألغام جديدة يدخلها السيناريست الكبير وحيد حامد بمسلسل «الجماعة» الذى تقرر عرضه خلال شهر رمضان المقبل، فلأول مرة، يرصد عمل فنى حياة جماعة الإخوان المسلمين التى أسسها حسن البنا فى عشرينيات القرن الماضى واستمر وجودها حتى الآن، ما أثار قلق أعضاء الجماعة خوفا من الصورة التى قد يظهرون بها فى المسلسل. فى هذا الحوار، تحدث وحيد عن علاقة جهاز أمن الدولة بالمسلسل ورفض الدولة منح أى مميزات له، وعدم تسويقه فى الدول العربية، وسبب فسخ تعاقده مع منتج مسيحى كان سيتولى الإنتاج. ■ ما هو سبب استمرار تصوير المسلسل حتى منتصف رمضان؟ - هناك مشكلة كبيرة أدت إلى تعطيل المسلسل وهى ندرة الأماكن التاريخية فى مصر، فقد اكتشفنا أن القصور والمبانى الأثرية القديمة التى تعود إلى أربعينيات القرن الماضى تم تدميرها والموجود منها عبارة عن «خرابات» يتم استغلالها أسوأ استغلال، وهذه «كارثة» قومية. أما قصر عابدين وغيره من الأماكن الأثرية، فقد رفض المسؤولون عنها السماح لنا بالتصوير حتى لا يقال إن الدولة تدعم وجهة النظر التى يعرضها المسلسل ولتبعد عنها أى شبهة، أى أن الدولة رفعت يدها مبكرا عن المسلسل، ورفضت أن تمنحنا أى ميزة رغم أن أى دولة أخرى توفر جميع خدماتها للأعمال الفنية، وقد تسبب ذلك فى تعطل المسلسل لعدم توافر قصور وأماكن أثرية شبيهة تصلح للتصوير وترضى رغبتنا، ورغم عدم انتهاء التصوير حتى الآن، أؤكد أنه لا يوجد خطر كبير على العمل. ■ لكن الدولة عبرت عن دعمها للعمل بعد أن قررت عرضه على القنوات الرسمية لها؟ - هذا لا يعد دعما، بل أمر طبيعى لأن المسلسل مصرى ولابد أن يعرض على التليفزيون المصرى، فهو يتعرض لفترة تاريخية مهمة فى تاريخ مصر، كما أن هذا التليفزيون سيعرض أيضا مسلسل «نازلى» وهى شخصية أساءت لكل المصريين، وأعتقد أن ذلك يحسب له. ■ أليس شراء التليفزيون للمسلسل بمبلغ يتجاوز ال 20 مليون جنيه يعتبر دعما؟ - لابد أن تسأل عن المبالغ التى حصل عليها أصحاب المسلسلات الأخرى حتى تتأكد أن مسلسل «الجماعة» قد تم شراؤه بأقل الأسعار رغم ضخامة إنتاجه، ورأيى أن من حق منتج المسلسل كامل أبوعلى أن يطلب تعديل السعر مرة أخرى، لكن أعتقد أن التليفزيون سيرفع السعر من تلقاء نفسه بعد أن يعرض المسلسل. ■ إذن فلماذا فشلت الشركة الموزعة فى بيع المسلسل للقنوات العربية الأخرى؟ - من يرفض عملاً لابد أن يعرض عليه أولا، وأتحدى أى شخص يقول إنه رفض هذا المسلسل، بل نحن رفضنا معظم القنوات لأنها عرضت أسعارا لا تتناسب مع قيمة المسلسل، ونحن لا نبيع جهدنا بثمن بخس، فالعمل تجاوزت ميزانيته 40 مليون جنيه تم صرفها بالكامل حتى يخرج فى أحسن صورة، ولم نضع فى جيوبنا مليما منها، وسيرى الجمهور نتيجة ذلك على الشاشة، كما أننا لا نقدم مسلسلا بقصد الربح المادى لأننا لسنا تجار مسلسلات، وإذا كنت أريد ذلك كان أسهل لى أن أقدم مسلسلاً كوميدياً أو اجتماعياً وأحصل على أموال أكثر بالإضافة إلى أن هذه النوعية ستبعد عنى الشتائم والسفالات التى تعرضت لها، لكننى فضلت أن أقدم عملا يناقش قضية، فإن أصبت لى أجران، وإن أخطأت فلى أجر. ■ بماذا تفسر انتشار الأعمال التافهة على معظم القنوات المصرية والعربية؟ - لأن المحطات تريد ذلك، والأعمال التافهة لا تتسبب لها فى مشاكل ولا تخضع للمحاسبة، أما الأعمال الجادة فدائما ينظر إليها من خلال مجهر، وبعض المسؤولين عن القنوات يرفضونها وفقا للمثل القائل «الباب اللى يجيلك منه الريح» لذلك معظمهم يفضل مشاهدة العرض الأول لها حتى تطمئن قلوبهم ويكتسبوا الشجاعة لعرضها على قنواتهم، وهذه ليست أول واقعة أمر بها، فقد حدثت معى فى مسلسل «العائلة»، فبعد أن عرض فى التليفزيون تصارعت عليه القنوات الفضائية ومنها قناة الجزائر التى عرضت العمل طوال عام كامل، وهناك قنوات عربية طلبت أن تشاهد «الجماعة» قبل الشراء، وهذا ما رفضناه، وعليهم أن يشاهدوه مع الجمهور. ■ ماذا حدث مع القنوات المصرية الأخرى؟ - أصبحنا لا نملك حق بيع المسلسل للقنوات المصرية كلها بعد أن اشترى طارق نور صاحب قناة «القاهرة والناس» المسلسل حصريا ، كما أصبح هو المسؤول عن التوزيع لباقى القنوات، وأعتقد أن الصفقة مع طارق نور وصلت إلى 3 ملايين و600 ألف دولار، لكن سيعرض المسلسل على القناة «الأولى» و«الفضائية» وإحدى قنوات النيل المتخصصة بالإضافة إلى «أوربت»، وأنا راض تماما عن عملية التسويق. ■ لماذا قررت فسخ تعاقدك مع شركة أمير شوقى وصادق الصباح وتحويل المسلسل إلى المنتج كامل أبوعلى؟ - هذا من الإسرار الخاصة بالمسلسل، لكنى سأقول لك الحقيقة، فقد وقعت بالفعل عقدا مع شركة أمير شوقى وصادق الصباح على إنتاج المسلسل لأنهما صديقان وكانا متحمسان له للغاية، لكن بعد ذلك تنبهت إلى أن أمير شوقى مسيحى وصادق الصباح مسلم شيعى، وعندما تعاقدت معهما من البداية لم يرد فى ذهنى إطلاقا البحث عن ديانتيهما لأنى لا أهتم بذلك خاصة أن والد أمير شوقى كان من أعز أصدقائى، لكنى قررت فسخ هذا التعاقد معهما حتى لا تنطلق «فرية مغرضة» سواء من جماعة الإخوان أو من أى تيار آخر تتهم صناع المسلسل بأنهم «خصوم للإسلام» وقد تفهم أمير والصباح وجهة نظرى، وبدأت البحث عن منتج مسلم حتى لا نترك ثغرة لأى شخص للنيل من المسلسل، لدرجة أنى حرصت أن يكون كل صناع المسلسل مسلمين، والاستثناء الوحيد هو مهندس الديكور أنسى أبوسيف، وهو الشخص المسيحى الوحيد فى العمل، لكنه فنان يشهد الوسط الفنى بكفاءته، كما أنه ليس متعصبا ويؤدى عمله دون أى انحيازات دينية. ■ إذن لماذا تزداد الشبهات والأقاويل حول هذا المسلسل بالتحديد؟ - خصوم المسلسل هم الذين يروجون لمثل هذه الشائعات للإيحاء بأن صناع هذا العمل من خصوم الإسلام، لكنى أؤكد أن هذا العمل سيكون صفعة ساخنة على الوجه والقفا لهؤلاء المنافقين، لأنه ينتصر للإسلام، وقد تمت مراجعته بعناية من قبل أحد علماء الدين المشهود لهم بالكفاءة، كما تمت مراجعته من قبل رجال التاريخ حتى نضمن سلامة ما نذكره. ■ لكن تردد أنه تمت مراجعته أيضا من قبل جهاز أمن الدولة؟ - أمن الدولة ليس جهة وصاية على أفكار المبدعين، وهذا المسلسل لم يقرأه سوى بعض الأصدقاء المقربين والذين أثق بهم ومنهم الناقد على أبوشادى والإعلامى عمرو خفاجة، كما أرسلت الحلقات الخمس الأولى منه بعد كتابتها إلى أنس الفقى بصفته صديقاً وليس وزير إعلام، وحتى هذه اللحظة لا أعرف إذا كان قرأها أم لا، كما أننى لا أحتاج إلى معلومات من أمن الدولة لألجأ إليها، وسأذكر كل المصادر التى استعنت بها على تتر المسلسل، فأنا لا أكتب بتعليمات من أحد سواء كان أمن الدولة أو الإخوان ولا أى جهة مهما كانت، ومن يملك دليلا على عكس ذلك فليواجهنى به. ■ ألا تعتبر إرسال حلقات المسلسل إلى وزير الإعلام مغازلة للدولة حتى تتعرف على رأيها فى العمل؟ - على الإطلاق، والدليل أنى أرسلت خمس حلقات فقط وهى غير كافية للكشف عن وجهة النظر أو الأسرار الموجودة فى المسلسل، كما أن كل المسلسلات التى يعرضها التليفزيون لابد أن يطلع عليها قبل شرائها؟ وأريد أن أؤكد لك أنى وضعت بعض المحاذير لتنفيذ هذا العمل أهمها: مشاركة الدولة فى الإنتاج حتى لا يقال إن الحكومة تحارب الإخوان، ومشاركة أطراف غير مسلمة حتى لا يقال إن عناصر غير مسلمة قد مولت العمل. ■ لماذا لم تعرض المسلسل على بعض أعضاء الجماعة المستنيرين لتتعرف على رأيهم؟ - هناك قيادات من الإخوان أصدقاء لى ومستنيرون ومنهم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان، وقد استعنت بالأخير فى الحصول على بعض المعلومات والتفاصيل التى احتجت إليها، وعندما علموا فى البداية أنى أستعد لكتابة مسلسل عن الجماعة قالوا لى: «نحن واثقون فى أمانتك ونزاهتك»، كما حمل لى الأستاذ محمد عبدالقدوس رسالة من مرشد الإخوان محمد بديع قال لى فيها: «لا تلتفت إلى ما يثيره عليك البعض وواصل مشوارك»، وأرى أنها لفتات طيبة من قيادات إخوانية بارزة، وقد عرضت على عصام العريان قراءة المسلسل، وتحدث هاتفيا معى مساء أحد الأيام، وأكد لى أنه سيزورنى مع عبدالمنعم أبوالفتوح فى اليوم التالى لقراءته، وانتظرتهما إلا أنى علمت أنه تم القبض عليه بعد أن أجرى معى المكالمة ومن وقتها لم أره، وللعلم، استوحيت بعض المشاهد من خلال أحاديث عصام العريان معى منها أن بعض القيادات تجهز حقائب ملابسها باستمرار بسبب ترددهم الدائم على السجن، فعندما تداهم الشرطة أحدهم يخرج فى هدوء وحقيبته فى يده، وهو مشهد يقوم به عبدالعزيز مخيون خلال الأحداث. ■ لماذا ترفض أن يقرأ العمل أحمد سيف الإسلام نجل حسن البنا؟ - لأنى لا أقبل أن يقرأ المسلسل أى شخص بهدف الوصاية، وأقبل من يقرأ لمجرد الاطلاع، وقد عرضته على بعض أصدقائى حتى أطمئن على سلامة عملى رغم أن بعضهم قد يكونون خصوما لى. ■ هل عرض المسلسل على الأزهر؟ - المسلسل ليس دينيا حتى أعرضه على لجنة الأزهر، بل هو عمل تاريخى اجتماعى دينى، وقد عرضته على أحد علماء الدين بشكل شخصى للتأكد من سلامته فقط. ■ هل تعرضت لأسرة حسن البنا خلال العمل؟ - لم أتعرض لها إطلاقا سواء زوجته أو أبنائه، واكتفيت بظهور والده فقط لأنه كان معلمه، وذلك حرصا منى على منع أى مهاترات بالإضافة إلى أن معظم حياة حسن البنا كانت خارج منزله مع الجماعة، ورغم أنى أعرف عدداً من المعلومات عن أسرته، إلا أنى لم أذكرها ومنها أن السيدة زوجته كانت تكتب تقارير عن أولاده ليطلع عليها بعد عودته للمنزل ويعطيها التعليمات، وقد تجنبت كل القصص الأسرية لأنها ليست هدفى، وهدفى هو كيف تحولت جماعة دينية إلى جماعة سياسية؟ وكيف تحول رجل بدأ حياته كمصلح دينى إلى زعيم سياسى، فلم يفد الدين ولا السياسة. ■ بصراحة هل تخشى رد فعل جماعة الإخوان بعد عرض المسلسل؟ - أنا مرتاح الضمير، كما أنى لست مأجورا من أحد لأقدم المسلسل، وأملك كل الوثائق والمراجع التى تؤكد صدق ما ذكرته فى العمل، وإذا كان هناك أى أخطاء فعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء. ■ هل سيعرض الجزء الثانى من المسلسل العام المقبل؟ - الجزء الثانى يحتاج عامين للكتابة فقط، وسأبدأ فيه بعد رمضان مباشرة إذا كتب الله لى عمرا لأنى مرتبط بالسفر للخارج لإجراء جراحة مهمة خلال أيام العيد، وأذكر ذلك حتى لا تنشر «الآلة الإعلامية» الخاصة بهم افتراءات كاذبة تروج على طريقتهم بأنه قد أصابنى مكروه بفضل دعاء الشاردين منهم، وأحمد الله أنه كشف علتى مبكرا قبل أن تستفحل. ■ ماذا ستعرض خلال الجزء الثانى؟ - المسلسل ليس معنياً بجماعة الإخوان فقط، فأنا أتحدث عن ظروف حقبة تاريخية بأكملها والدليل وجود شخصيات مثل الملك فاروق والملكة نازلى لأنه لا يجوز أن أنتقى شريحة بشكل منفصل عن الفترة التاريخية، وينتهى الجزء الأول بمقتل حسن البنا، بينما يتناول الجزء الثانى باقى المرشدين ومنهم الهضيبى وعمر التلمسانى وصولا إلى المرشد الحالى محمد بديع.