إعلان الحرب على الصحافة

لا يسعنى إلا أن أحيى جماعة الإخوان المسلمين على التزامها الذى لا يتزعزع بالديمقراطية، وعلى حرصها على تعليم أتباعها الطريقة الديمقراطية المثلى فى التعامل مع الرأى الآخر، وهى إخراسه، إن لم يكن بالاعتداء عليه فبتطبيق قوانين نظام مبارك سيئة السمعة، التى ورثها عن نظام السادات واستخدمها ضد الصحافة طوال 30 عاماً.
لقد قام مجلس الشورى الذى يسيطر عليه حزب الإخوان، الذى قام بالمخالفة للقانون، الذى يحظر قيام أحزاب على أساس دينى بمذبحة هائلة لم تشهدها الصحافة القومية فى ظل النظام السابق، أما الاعتداء فكان ما تعرض له الزميل خالد صلاح، رئيس تحرير «اليوم السابع»، من أتباع الإخوان، الذين كانوا يتظاهرون على أبواب مدينة الإنتاج الإعلامى للمطالبة بإخراس إحدى القنوات الفضائية التى اختارت، وفق التقاليد الديمقراطية، أن تقوم بدور المعارضة للنظام الإخوانى الحاكم، وقد خرج خالد صلاح سالماً، لكن سيارته تستحق أن تعرض فى ميدان التحرير كدليل حى على إيمان الإخوان بالحرية والديمقراطية التى نادت بها الثورة، التى يدعون أنهم مفجروها.
ولقد وقع هذا الحادث المشين، الذى أتوقع أن يتعرض له زملاء آخرون، فى اليوم نفسه الذى أعلن فيه مجلس الشورى ذو الأغلبية الإخوانية، التى يعتز بها كل وطنى غيور على الحرية والديمقراطية، عن مذبحة للصحافة القومية راح ضحيتها 50 رئيس تحرير دفعة واحدة، بعضهم لم تمض على تعيينه شهور لصالح 50 آخرين من أتباع الإخوان أو على الأقل ممن هم مستعدون لتلبية مطالبهم.
لقد هرعت جماعة الإخوان، التى فجرت ثورة 25 يناير، إلى قوانين النظام السابق للسيطرة على الصحافة وتكميم أفواهها، وقد كنت أتصور من الجماعة التى فجرت الثورة أن يكون همها الأول هو إسقاط تلك القوانين التى تجعل الصحافة القومية تابعة للسلطة، تتحكم فى «تعيين» رؤساء تحريرها وفق أهوائها، وهو نظام غير معمول به فى أى دولة ديمقراطية فى العالم.
بهذه الطريقة يكون لكل من تسول له نفسه الحق فى أن يجلس فى مقاعد المعارضة فى لعبة الإخوان الديمقراطية، طريقة خاصة لإخراسه، فإذا كان إعلامياً اعتدى عليه بواسطة بلطجية الحزب الوطنى، أقصد حزب الحرية والعدالة، وإذا كان رئيساً للتحرير أقيل من منصبه، أما الإعلام الخاص فله هو الآخر وسائل، فالقنوات الفضائية تؤول مسؤوليتها لوزير الاستثمار، الذى يستطيع التضييق عليها أو إغلاقها بقرار من الإخوان، ويأتى ذلك كله فى ظل تعيين وزير للإعلام من جماعة الإخوان هو صلاح عبدالمقصود، الذى لا يحول اعتزازنا بزمالته دون رفضنا لمخطط تكميم الصحافة وإخضاعها لسيطرة اتجاه جماعة الإخوان المسلمين.
إن ما حدث للصحافة والإعلام فى الأيام الأخيرة هو إعلان حرب من جانب الإخوان المسلمين، تلك بدايتها فقط ولا يعرف أحد نهايتها، لكن ما أعرفه، بحكم عملى فى الصحافة لأكثر من 40 عاماً، هو أن صحافة مصر الحرة والعريقة أبداً لن تخرج من هذه الحرب خاسرة.