لا أعرف معارضة فى العالم تبنى خطابها ومنهجها السياسى على مجرد منع شخص محدد من الوصول لرئاسة الجمهورية، مثلما ترى تعامل معارضين حزبيين ومستقلين فى مصر مع قضية ما يسمى «التوريث». انشغلت المعارضة لسنوات بالنضال الصوتى ضد وصول جمال مبارك للسلطة، دون أن يعلن جمال نفسه أنه يطمح لذلك، أو يقدم نفسه لهذه المهمة. بداية، من المؤكد أن جمال مبارك مرشح محتمل للرئاسة، وكل قيادات الحزب الوطنى، التى تلمح لذلك بين وقت وآخر، لا تقول جديداً، فالرجل عضو فى الهيئة العليا للحزب، والدستور الذى يحكم المسألة يدعم فرصه وحظوظه لو نال ترشيح الحزب الحاكم فى انتخابات الرئاسة المقبلة. وفى هذا المجال لى ملاحظتان أجدهما جوهريتين فى القضية، الأولى، كما ذكرت، أن المعارضة تبنى سياساتها وخطابها على منع شخص محدد من نيل فرصة الترشيح، دون أن تنشغل بتقديم بدائل مناسبة «متوافقة مع الدستور الذى يحكم المسألة شئنا أم أبينا»، أو تهتم بتقديم خطط وبرامج تحظى بالقبول، أو تناضل لإزالة القيود التى تعوق عملها نضالاً ذا جدوى، لكنها فقط ترغب فى منع جمال مبارك تحديداً حتى لو استمر الحزب الوطنى فى السلطة لعقود أخرى بأشخاص آخرين غيره. صحيح أن معارضى التوريث يقدمون حيثيات وجيهة لهذه المعارضة، أتفق معها إجمالاً، وأعرف، مثلما تعرف، أن كل الحظوظ التى يحظى بها جمال مبارك داخل الحزب ترجع بنسبة كبيرة إلى كونه نجل رئيس الجمهورية، وأنه لم يجرب انتخابياً فى أى معركة على أى مستوى سواء فى اتحاد طلاب أو مجلس محلى أو مجلس شعب أو حتى انتخابات ناد اجتماعى، إلا أن انشغال المعارضة بمنعه وتجاهلها القيام بدورها الأساسى الذى وجدت من أجله، لتصوغ برامج بديلة وتقدم وجوهاً بديلة وتخوض منافسات لا تركن فيها لافتراض أن نتائجها محسومة سلفاً حتى لو كانت كذلك، تبدو غير وجيهة أيضا . الملاحظة الثانية أن عدداً كبيراً من قيادات الحزب الوطنى عاد ليروج لجمال مبارك من جديد، لاحظ أن الحديث عنه كمرشح محتمل انقطع وتوارى تماماً بمجرد ظهور البرادعى على الساحة، وعندما كان مدير وكالة الطاقة الذرية السابق فى أوج تألقه، ظهرت قيادات فى الحزب الوطنى والحكومة تؤكد أن مبارك الأب سيكون مرشحها للرئاسة أو تتمنى ذلك، متجاهلة جمال مبارك تماماً حتى إن رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشورى الأمين العام للحزب الوطنى اعتبرا أن الرئيس مبارك لا بديل له، وقال نظيف إن «السيستم لم يفرز بديلاً». كان هذا الاعتراف واضحاً حين بدا أن البرادعى ربما يكون خصماً عنيداً، لكن بمجرد أن خفت وهج البرادعى، وظهرت الانتقادات الموجهة له من أنصاره قبل خصومه، عاد شبح التوريث، وخرج من يروج لجمال مبارك من جديد، ويعتبره بديلاً صالحاً بعد أن اعترفوا سابقاً بأنه لا بديل. هل رأيت أن معضلة جمال مبارك حلها سهل جداً، حتى إنها توارت أمام جولات البرادعى الأولى تماماً، وكادت تجعل ترشح الرئيس مبارك حتمياً.. المسألة لا تحتاج إذن أكثر من بديل قوى لن يجد وقتها من ينافسه، ودور الأحزاب الشرعية الجادة خلق هذا البديل أو استيراده...! [email protected]