أبيض و أسود.. فقراء على مائدة إفطار «أفندينا»

دائماً ما كانت المآدب الملكية عامرة فى رمضان، يؤمها رجال الدولة وعامة الناس، بمن فيهم الفقراء، وشهد عهد الملك فاروق العدد الأكبر منها، سواء ك«بروتوكول سياسى»، أو لفعل الخير بإطعام المساكين الذين سيلهجون بالدعاء للملك فاروق.
فى عام 1941، تابعت مجلة «المصور» وقائع دعوة الملك رجال القصور والخاصة الملكية لمائدة إفطار، حفلت بما لذ وطاب، إلا إن شاءت المكارم الملكية إلغاء مآدب رمضان للكبراء والعظماء والاستعاضة عنها، رغم التجهيزات الطويلة لها، بدعوة الفقراء من جميع المحافظات ضيوفاً على مآدب جلالته. أمر فاروق بتوزيع موائده بين أنحاء القاهرة، على أن تجهز إفطار 3000 فقير، إضافة لمن يفضلون أخذ إفطارهم والعودة لتناوله بمنزلهم. حضر الملك إحدى الموائد، وشارك الفقراء طعامهم، مكلفاً محافظ القاهرة، وقتئذ محمد شاهين بك، بالإشراف عليها كلها.
ونشرت مجلة «المصور» بعض الصور التى التقطتها عدستها، لرحلة أسرة فقيرة إلى المطعم، وتناولهم حصتهم من الغذاء وأخيراً إفطارهم فى منزلهم، حيث أقبلت الأسرة على مطعم فاروق، وتحمل «الحلة» الفارغة، وتخلف الزوج وطفلاه ليتسلموا الطعام، وزوجة أخرى ملأت حلتها من الخبز، ثمانية أرغفة كاملة، وعبرت الأسرة عن فرحتها أثناء رجوعها إلى المنزل، وفضلت الزوجة أن تحمل الطعام كله، بدلاً من أن ترهق طفلها بحمل الخبز فى السلة الفارغة المعلقة بيده.
وقبل نهاية رمضان سنة 1941، دعا فاروق الحاشية الملكية للإفطار معه فى عابدين، وكان البروتوكول مقصوراً على أصحاب المعالى والسعادة والعزة، تجمع فى قاعة المآدب الكبرى بالقصر، 400 موظف، من أصحاب المعالى، فنازلاً إلى الأفندية وموظفى الدرجة التاسعة، وسمح الملك بالتيسير على صغار الموظفين بأن يحضر جميع المدعوين بالثياب العادية الغامقة، ولم يحرم فاروق جميع من يتشرفون بخدمة السراى، فظفر الخدم والسائقون والجناينية بنفس الطعام الذى أكل منه الملك.
كانت مأدبة فاخرة، قدم فيها شراب البرتقال والسجائر، ثم تلاهما: حساء ساخن بالخضر، حمل بلدى بالخلطة، وفاصوليا بالدجاج، وديك رومى فاخر بالبطاطس وأرز مع لبن زبادى، وحلاوة بالقشدة وخُشاف وفواكه وقهوة، وقد أكل الموظفون هنيئاً مريئاً، ونعموا بالعطف السامى، والرعاية الكريمة، وكانت هذه المأدبة مظهراً جميلاً وقدوة حسنة للرؤساء فيما يجب أن يكون بينهم وبين مرؤسيهم كباراً وصغاراً من عطف وتعاون ورعاية وجو عائلى. وحضرها، مع الملك، الشيخ مصطفى المراغى، شيخ الأزهر، والدكتور محمد حسين هيكل باشا، والأمير إسماعيل داوود، قائد سلاح الفرسان، ومحمود فهمى النقراشى باشا، رئيس الوزراء، وشريف صبرى باشا، خال فاروق.