حراس المحروسة.. ابن حجر العسقلانى.. إمام الحافظين

هو أحمد بن على بن محمد بن على بن محمود بن أحمد بن حجر الشافعى العسقلانى، المصرى الأصل والمولد. ولد فى 23 شعبان سنة 773ه، بأول عاصمة إسلامية فى أفريقيا، الفسطاط، فى بيت علم وأدب، حيث كان والده عالماً أديباً ثرياً، وأراد لابنه أن ينشأ نشأة علمية أدبية، إلا أن الوالد غادر إلى السماوات ولم يزل أحمد طفلاً ليذوق طعم اليتم. بعد رحيل الأب، كفله أحد أقارب الوالد الرحل، وتولى مسؤولية رعاية هذا الصبى، فكان أحمد فى كفالة زكى الدين الخروبى، كبير تجار مصر. منذ البداية توسم الخروبى فى أحمد خيراً، كانت علامات النجابة بادية على الطفل منذ الوهلة الأولى، فضلاً عن رغبة كبير التجار فى «رد جميل» قديم لوالد الطفل. لذلك اهتم «الشاهبندر» بتربية الطفل أحمد العسقلانى.. فأدخله الكُتّاب ليحفظ القرآن ويتعلم قواعد اللغة العربية، وهناك تحولت «إشارات النبوغ» إلى حقيقة واضحة، فالطفل اليتيم انكب على العلم ينهل منه دون توقف، فأتم حفظ القرآن الكريم وهو فى سن الخامسة، واشتهر عنه أنه لا يقرأ شيئاً إلا انطبع فى ذهنه، وهو ما مكنه من التعلم سماعياً من معظم علماء عصره، وحفظ علومهم، حتى لُقب ب«إمام الحُفاظ».
جاب الحافظ، ربوع مصر بحثاً عن العلم، فدرس على يد غالبية شيوخ وعلماء مصر، وحين أدرك انه قد نال كل ما يمكنه أن يفوز به من علمهم، سافر إلى الأراضى المقدسة فى الحجاز، وليتعلم فى المكان الذى انبعثت منه الدفقات الأولى للعلوم الشرعية.. مكة المكرمة، وما إن وصل إلى مبتغاه من العلم، حتى غادر طالباً المزيد من علماء اليمن، ثم جاب الأقطار ليجمع ويحفظ ويحلل ويعى كل ما يقابله من علم شرعى، حتى وصل إلى فلسطين، فوجد شيوخه:من أحمد بن محمد الخليلى، والعلامة شمس الدين القلقشندى، والمحدث أحمد بن محمد الأيكى، والفقيه صالح بن خليل بن سالم.
تشرب بن حجر فنون العلم الشرعى، ودرس الأدب واللغة فى رحلة علمية جاب فيها «مدن العلماء»، وحين عاد إلى مصر، تولى مسؤولية الإفتاء، ليذيع صيته لعلمه الغزير، وحجته القوية.
وذات يوم ركب الحافظ بن حجر عربته، التى تجرها عدة خيول، متوجها إلى مقر عمله، كقاض لقضاة مصر. وفى الطريق أوقفه يهودى قائلاً: نبيكم يقول الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وأنت قاضى قضاة مصر، وتتحرك فى مثل هذا الموكب، إنه النعيم، أى لا سجن لك، وأنا فى عذاب وشقاء، وهما ليسا جنة لى.
أجابه «ابن حجر»: ما أنا فيه من الترف والنعيم، يعتبر بالنسبة إلى نعيم الجنة سجناً. والشقاء الذى أنت فيه، يعتبر بالنسبة لعذاب النار جنة.
فقال اليهودى: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
وفى ذى الحجة عام 852 رحل «إمام الحافظين» من الدنيا التى جابها طالباً وملأها بعلمه شيخاً وفقيهاً وقاضياً، ليدفن قرب المقطم.