الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي يستقبل السفير الكندي بالقاهرة    وزير الرى: إدارة وتوزيع المياه بالذكاء الاصطناعي.. وإنهاء إجراءات تراخيص الآبار الجوفية خلال شهر    وفد أمريكي رفيع يبحث فرص الاستثمار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس    بعد صعودها لأعلى مستوى في 14 عامًا.. كيف تستثمر في الفضة؟    رئيس الوزراء: الانتقال من الدعم العيني للنقدي تدريجيًا.. والتطبيق في محافظة واحدة كمرحلة أولى    رئيس الوزراء: التضخم انخفض ل 12%.. ونجني ثمار الإصلاحات الاقتصادية    مصر تلزم شركات البترول الأجنبية بخمسة تعليمات لتقنين أوضاعها الضريبية (خاص)    الاجتياح البري لمدينة غزة.. كالاس تلوح بتعليق الامتيازات التجارية مع إسرائيل    وزير الخارجية يُتابع التحضيرات الجارية للنسخة الخامسة لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة    بين تجارب المنتخبات وإرث الأندية الكبرى.. هل يكون فيتوريا الرجل المناسب للأهلي؟    فيفا يعلن لائحة مباراة بيراميدز وأهلي جدة على لقب كأس القارات    رونالدو يغيب عن النصر في مباراته الأولى بدوري أبطال آسيا (2)    الأهلي يرفع حالة الطوارئ استعدادًا لاجتماع الجمعية العمومية يوم الجمعة    إصابة 7 أشخاص إثر حادث انقلاب أتوبيس في الشرقية    شن حملات تفتيشية على المستشفيات للوقوف على التخلص الآمن من المخلفات في مرسى مطروح    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ينعى الفنان العالمي روبرت ريدفورد    هناء ثروت تكتب... ورحل الغالي    أكرم حسني يوجه رسالة مؤثرة لابنته :«أحلى يوم في حياتي يوم ما شوفتك»    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    لا تتجاهلها أبدًا.. علامات مبكرة لأمراض القلب لدى المراهقين والشباب    مراسل "القاهرة الإخبارية" من النصيرات: غزة تباد.. ونزوح جماعى وسط وضع كارثى    مقتل شاب بطعنة فى الرقبة أمام مدرسة بقرية تانيس بالشرقية    الشيخ خالد الجندى: أبو هريرة كان أكثر الصحابة رواية للسنة النبوية    جماهير مارسيليا ترفع علم فلسطين وتدعم غزة ضد حرب الإبادة قبل مباراة الريال    "حياة كريمة" تنظم قافلة طبية شاملة لخدمة أهالي القنطرة غرب بالإسماعيلية    افتتاح المؤتمر السابع للشراكة من أجل المبادرات الدولية للقاحات (PIVI) فى القاهرة    "أهلًا مدارس" بالعمرانية.. وعضو مجلس إدارة الغرفة: المعرض يعزز التوازن بين مصلحة التاجر والمستهلك    طريقة تجديد بطاقة الرقم القومي إلكترونيًا 2025    رئيس هيئة النيابة الإدارية يلتقي معاوني النيابة الجدد    أمل غريب تكتب: المخابرات العامة المصرية حصن الأمن القومي والعربى    «مصر القديمة تفتح أسرارها».. تفاصيل الفيديو الترويجي للمتحف المصري الكبير استعدادًا للافتتاح الرسمي    بينها قطر.. 16 دولة تطالب بحماية "أسطول الصمود العالمي"    برشلونة يعلن مواجهة خيتافي على ملعب يوهان كرويف    حسام البدري: الأهلي يمر بمرحلة صعبة.. واستمرار الخطيب ضروري    جنايات فوه تؤجل محاكمة 8 متهمين بقتل موظف سابق بينهم 5 هاربين لنوفمبر    أم كلثوم على مسرح العرائس بساقية الصاوي.. وهذه شروط الحضور    هل سمعت عن زواج النفحة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعى    موعد شهر رمضان الكريم وأول أيام الصيام فلكيًا    انتبه.. تحديث iOS 26 يضعف بطارية موبايلك الآيفون.. وأبل ترد: أمر طبيعى    البنك الأهلي المصري يحتفل بتخريج دفعة جديدة من الحاصلين على منح دراسية بمدينة زويل    وزير الدفاع الإسرائيلي: سندمر غزة إذا لم تسلم حماس سلاحها وتطلق سراح المحتجزين    11 طريقة لتقليل الشهية وخسارة الوزن بشكل طبيعي دون أدوية    السكك الحديدية: إيقاف تشغيل القطارات الصيفية بين القاهرة ومرسى مطروح    وزيرة الخارجية البريطانية: الهجوم الإسرائيلي على غزة متهور    الأرصاد: انخفاض طفيف فى درجات الحرارة.. وبدء الخريف رسميا الإثنين المقبل    مهرجان الجونة يكرم منة شلبي بجائزة الإنجاز الإبداعي في دورته الثامنة    أوباما: تنازلت عن مستحقاتي من أجل الزمالك ولن أطالب بالحصول عليها    وزير التعليم: المناهج الجديدة متناسبة مع عقلية الطالب.. ولأول مرة هذا العام اشترك المعلمون في وضع المناهج    بالصور- محافظ أسيوط يتفقد مدارس ساحل سليم والبداري استعدادا للعام الدراسي    أمين الفتوى: الشكر ليس مجرد قول باللسان بل عمل بالقلب والجوارح    مصر تتسلم جائزة الآغا خان العالمية للعمارة عن مشروع إحياء إسنا التاريخية    "أحدهم سيرحل".. شوبير يكشف تفاصيل جلسة مصارحة لاعبي الأهلي بسبب العقود    الغلق لمدة أسبوع كامل.. بدء تطوير نفق السمك بشبين الكوم -صور    99.1% لفني صحي طنطا.. نتيجة تنسيق الثانوية التجارية 3 سنوات كاملة    نائبة وزير الصحة: استراتيجية لدمج "القابلات" تدريجيًا في منظومة الولادة الطبيعية    بلدية غزة: اقتراب موسم الأمطار يهدد بتفاقم الكارثة الإنسانية بالمدينة    اليوم.. انتهاء العمل بمكتب تنسيق القبول بجامعة الأزهر وغلق تسجيل الرغبات    كامل الوزير: حددنا 28 صناعة وفرصة واعدة لجذب الاستثمارات لتعميق التصنيع المحلي وسد احتياجات السوق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر قصة حضارة: القلقشندى وموسوعته صبح الأعشى
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 03 - 2010

كان عصر المماليك من أزهى عصور الحضارة العربية الإسلامية فى مصر، فى مجالات الفكر والثقافة والفنون والآداب، وصلت الحياة الفكرية فى مصر فى القرنين الثامن والتاسع الهجريين إلى قمة نضجها وازدهارها، وعادت إلى البلاد أمجادها التى غابت عنها منذ عصور الحضارة المصرية القديمة، وكانت القاهرة وكبرى مدن الدلتا والصعيد مقصدا لطلاب العلم والباحثين عن المعرفة يفدون عليها من كل أنحاء العالم الإسلامى لينهلوا من علمائها ويدرسوا على أيديهم وفى أواخر عصر دولة المماليك البحرية وأوائل عصر دولة المماليك الجراكسة، أى فى القرنين الثامن والتاسع الهجريين عاش فى مصر مجموعة من العلماء الأعلام.
وكان من بين هؤلاء الأعلام ثلاثة من أصحاب المؤلفات الفذة فى ذلك العصر وهم: أحمد بن عبدالوهاب النويرى المتوفى سنة 732 هجرية، وأحمد بن فضل الله العمرى المتوفى سنة 749 هجرية، وأحمد أبن على القلقشندى المتوفى سنة 821 هجرية.
ورغم تعدد مؤلفات الرجال الثلاثة فإن لكل منهم كتابا عمدة من بين كتبه ارتبط اسمه به وذاع صيته واشتهر بسببه، وهذه الكتب الثلاثة هى «نهاية الأرب فى فنون الأدب» للنويرى، و«مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار» لابن فضل الله العمرى، و«صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» للقلقشندى، وعن هذه المؤلفات الثلاثة يقول المؤرخ والمفكر المصرى الراحل محمد عبدالله عنان:
«إنه لمن التجاوز والتواضع أن نسمى هذه المؤلفات المدهشة كتبا، فهى فى الواقع موسوعات ضخمة شاسعة، لا تدل أسماؤها على حقيقة محتوياتها، ومن الصعب أن نصف مؤلفيها بأنهم كتاب أو أدباء من نوع معين، فهم فى الواقع علماء موسوعات (انسكلوبيديون)، امتازوا بالتمكن والتوسع فى كثير من علوم عصرهم، واستطاعوا بكثير من الجهد والجلد أن يجمعوا أشتاتها فى أسفار منظمة متصلة، وأن يجعلوا من هذا النوع من الكتابة، فنا خاصا، لا يستطيع أن يضطلع به سوى القليل من العلماء أو الكتاب الذين يتمتعون بمواهب خاصة، وقد وجدت فكرة الموسوعات العامة فى الأدب العربى قبل القرن الثامن، ولكنها لم تصل من قبل إلى مثل هذا التوسع فى النوع وهذا التبسط فى المادة».
وسوف نتوقف اليوم عند واحدة من هذه الموسوعات وهى كتاب «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» لشهاب الدين أحمد بن على القلقشندى.
ولد القلقشندى فى خمسينيات القرن الثامن الهجرى وتوفى فى سنة 821 هجرية فأدرك بذلك عصرين من عصور التاريخ المصرى، عصر دولة المماليك البحرية وعصر دولة المماليك الجراكسة، وبين مولد القلقشندى فى خمسينيات القرن الثامن ووفاته فى عشرينيات القرن التاسع للهجرة عاش الرجل حياة حافلة غنية مكنت له من تأليف موسوعته الكبيرة.
ولد القاضى شهاب الدين أحمد بن على القلقشندى بقرية قلقشندة إحدى قرى القليوبية فى سنة 759 ه، وكان ينتمى إلى أسرة من أصول عربية من تلك الأسرات التى هاجرت إلى مصر واستقرت بها ضمن عديد من الهجرات العربية إلى مصر، وقد درس القلقشندى بالقاهرة والإسكندرية على يد كبار علماء عصره، وتخصص فى الفقه الشافعى والأدب وعلوم اللغة والبلاغة، وتولى بعض الوظائف الإدارية فى الدولة، وقد لفتت براعته فى الإنشاء نظر بعض رجال البلاط إليه، فرشح للعمل فى ديوان الإنشاء وكان من أهم دواوين الدولة فى ذلك العصر، وترقى فى العمل فى الديوان ووصل فيه إلى أرفع المناصب، وقد بدأ عمله فى الديوان فى سنة 791ه فى زمن السلطان الظاهر برقوق واستمر يعمل فى الديوان لأكثر من عشر سنوات.
وكان عمل القلقشندى فى ديوان الإنشاء وراء تأليفه لموسوعته الضخمة «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا»، فقد أتاح له العمل فى الديوان التعرف على كل تفاصيل النظم السياسية والإدارية لسلطنة المماليك عن قرب.
ويبدو أن تأليف القلقشندى لموسوعته كان بناء على طلب من أحد كبار المسئولين فى الدولة وربما كان السلطان نفسه، وذلك بعد أن وضع مقامة صغيرة عن صناعة الإنشاء، حيث يقول القلقشندى فى مقدمته لكتاب صبح الأعشى فى صناعة الإنشا:
«وكان فى حدود سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، عند استقرارى فى كتابة الإنشاء بالأبواب الشريفة السلطانية، عظم الله تعالى شأنها، ورفع قدرها، وأعز سلطانها، أنشأت مقامة بنيتها على أنه لابد للإنسان من حرفة يتعلق بها، ومعيشة يتمسك بسببها، وأن الكتابة هى الصناعة التى لا يليق بطالب العلم من المكاسب سواها، ولا يجوز له العدول عنها إلى ما عداها، ونبهت إلى ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من المواد، وما ينبغى أن يسلكه من الجواد، وضمنتها من أصول الصنعة ما أربت به على المطولات وزادت، وأودعتها من قوانين الكتابة ما استولت به على جميع مقاصدها أو كادت....»
ويمضى القلقشندى فى مقدمته قائلا: «إلا إنها قد وقعت موقع الوحى والإشارة، ومالت إلى الإيجاز، فاكتفت بالتلويح عن واسع العبارة، فعز بذلك مطلبها، وفات على المجتبى ببعد التساؤل أطيبها، فأشار من رأيه مقرون بالصواب، ومشورته عرية عن الارتياب، أن أتبعتها بمصنف مبسوط، يشتمل على أصولها وقواعدها، ويتكفل بحل رموزها وذكر شواهدها، ليكون كالشرح عليها، والبيان لما أجملته، والتيمة لما لم يسقه الفكر إليها، فامتثلت أمره بالسمع والطاعة، ولم أتلكأ وإن لم أكن من أهل هذه الصناعة، فشرعت فى ذلك بعد أن استخرت الله تعالى وما خاب من استخار، وراجعت أهل المشورة وما ندم من استشار».
ورغم أن الهدف من تأليف القلقشندى لموسوعته «صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» يبدو هدفا تعليميا بحتا، حيث قصد بها أن تكون كتابا جامعا للمعارف اللازمة لكتاب ديوان الإنشاء، فإنها جاءت عملا موسوعيا فذا، فكتاب صبح الأعشى يجمع بين التاريخ، والجغرافيا، والنظم السياسية، ونظم الإدارة، والتنظيمات المالية والاقتصادية، فضلا عما فيه من مواد ذات علاقة وثيقة بالأدب واللغة والخطوط، وقد قسم القلقشندى كتابه إلى عشر مقالات استوعبت عند طباعتها فى أوائل القرن الماضى أربعة عشر مجلدا من القطع المتوسط.
وقد جمع القلقشندى فى كتابه كل ما أتى به السابقون عليه من كتاب ديوان الإنشاء فى مؤلفاتهم عن الكتابة الديوانية منذ عهد البعثة النبوية حتى القرن التاسع الهجرى، ولكنه أضاف على هذا الكثير من خبراته وابتكاراته، كما ضمن القلقشندى كتابه نصوص مئات من الوثائق التى صدرت فى عصور الدولة الإسلامية المختلفة والتى فقدت أصولها فحفظ لنا بذلك قسما كبيرا من تاريخنا الضائع، كما عرفنا من خلال موسوعته تلك الكثير من المعلومات عن العلاقات الخارجية لمصر وصلاتها بغيرها من الممالك الإسلامية، وصلاتها أيضا بالدول الأوروبية.
وقد استغرق تأليف هذا العمل الموسوعى عشر سنوات من القلقشندى حتى يتمه، ومع ذلك لم يكن مؤلفه الوحيد، بل وصلتنا من أعماله عدة مؤلفات أخرى فى التاريخ والأدب وأنساب القبائل العربية.
لقد أثرى الرجل المكتبة العربية فى مصر فى عصره وخلدته أعماله عبر القرون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.