علمتنى ساحرة حكيمة أن أدخر لحظات حلوة "لوقت العوزة"، وقت تضيق الأرض بمن عليها وتضيق النفوس بما فيها و يحاوطنا القبح من كل جانب، وقتها تصبح أوقات العوزة هذه مثل الصيغة فى شكمجية فى الدولاب، تسندك ساعة الحوجة والضيقة. هل هناك وقت أحوج من هذا أو أعوز؟ رصاصة شيماء الصباغ، حريق معاذ الكساسبة، مؤبد دومة ومن معه، ومن قبلهم ظهور مستفز لأبناء مبارك، وكلام عن ترشح أحمد عز للإنتخابات! وفى القلب يقين بأن أمريكا قد قرأت فاتحتنا بالفعل، وأن المسألة مسألة وقت طال او قصر حتى تفتتنا؟ وفى القلب أسئلة ، هل من قطز جديد؟ ما الذى ينتظرنا؟ الأهم ما الذى ينتظر اولادنا؟ دوامات تٌدوخ العقل. ثم رأيته!"شروق القمر"على شاطئ البحر الأحمر فى سماء صافية ، وقت مستقطع من مباراة الحياة الحامية، لا عيال ولا أحمال ولا طلبات من أى نوع، وكأن المشهد قد توقف على لقطة تجمعنى مع القمر بخاصية زرار "التوقف" وثبتت الصورة على طبق من البلور فى سماء حالكة السواد صافية على البحر. وٌلد من نفس مكان شروق الشمس بالضبط، بدأ صغيراً مثل قطعة من الجبن الأبيض فى السماء، وظل يكبر ويكبر مقاوماً سحاب خفيف ويبزغ برأس أكبر حتى إكتمل تماماً وبدا من وراء السحاب الخفيف وكأنه ينظر على العالم من خلف ستار أبيض شفاف، ثم طلع علينا وكأنه أزاح الستار ونظر على الأرض بتعال يليق به. كان من الصعب لحظتها أن أتنفس، أذهل الجمال قلبى وتسارعت أنفاسى، ماهذا؟ وبثقة تامة ظل يعلو ويعلو وكأنه لايبالى بكل القلوب التى تتفتت أمام هذا النور المتلألئ، وأنا منهم. أسندت رأسى على مسند الكرسى وإستسلمت تماماً لهذا السحر الطاغى، لؤلؤة كبيرة معلقة فى قلب السماء ، تشع بياضاً وتحيطها هالة كبيرة منيرة ، أميرة ترتدى الأبيض الزاهى وتقف فى خيلاء وهى تعرف انها تفتن القلوب، والأدهى أن السحاب الخفيف بدأ فى تكوين تشكيلات عجيبة حول القمر، تارة كأنه اجنحة من الريش الأبيض تدور حول القمر فى دائرة وكأنها تحميه ، وتارة تنفتح الدائرة وتٌشكل ممراً طويلاً وكأنها تدعو الناس للإقتراب والإنحناء أمام الأميرة، أو جناحين عظيمين على يمين وشمال لؤلؤة السماء وكأن القمر سيطير، وظللت هكذا ساعات وهو يتحرك ببطء فى إتجاه الغرب ، فى نفس المكان الذى تغرب منه الشمس مفسحاً لها فى كل ساعة الطريق لتشرق بعد قليل. فى قلب المشهد، فى تلك السماء الواسعة المفتوحة التى لا يحدها حد ولا تعتمها إضاءة صناعية ولا مبانى أسمنتية، ظهرت طائرة نفاثة تركت وراءها خطاً رفيعاً مستقيماً من الدخان الذى بدا أبيضاً فى ضوء القمر الطاغى. وعلى الفور كنتٌ فى هذه الطائرة، أقود رحلة حياتى السريعة، وانظر فى نفس الوقت على نفسى وأنا مأخوذة بسحر القمر على كرسى خشبى على شاطيء البحر الأحمر بلا حراك، وقتها عرفت كيف تكون حياة الأبدية، كنت مع القمر فى لحظة سرمدية من الجمال والصفاء، بينما فى طائرة حياتى كنت أمر على كل المشاهد بسرعة دون تركيز.هكذا ستبدو كل لحظات حياتنا فى أبدية ما بعد الموت، وكأننا نشاهدها من شباك طائرة نفاثة. كل شئ وقتها سيهون، كل ما لانملك له تغيير أو يقهرنا رغماً عنا سيتبخر. حفظت المشهد بتفاصيله، سمعته لنفسى مغمضة العينين حتى تاكدت من أنه قد إنطبع هناك ثم أغلقتهما بإحكام من يعلم أنه يحفظ الصيغة فى شكمجية الدولاب لوقت عوزة. ##