تأكد/ي أنك لن تغادرها قبل أن يحكي لك أحد أفرادها حكاية "الشيخ والقسيس" .. أيا كان سبب زيارتك لقرية الجزائر بمركز سمالوط بمحافظة المنيا، تأكد/ي أنهم لن يتركونك ترحل قبل أن يقصها عليك أحد شيوخها / شبابها / نسائها / أطفالها. إن كنت ذاهبا إلى هناك لتقديم واجب العزاء في أحد أفرادها، أو كنت ذاهبا لتهنئة عروسين بعقد قرانهما في مسجد أو كنيسة، أو كنت ذاهبا لشراء شئ ما أو بيع شئ ما.. حتى وإن كنت ذاهبا للبحث عن ثأر قديم فلن ترحل قبل أن تعرف حكاية "الشيخ والقسيس" *** في أول زيارة لي لقرية الجزائر (حوالي 14 ألف نسمة)، كنت ذاهبا لتقييم أداء جمعية من أجل تقرير أحقيتها في الحصول على منحة مالية من إحدى الجهات المانحة .. وأثناء تحرك السيارة التي أقلتني من محطة القطار بمدينة المنيا إلى القرية، بدأت في قراءة المطوية التى تلخص أنشطة الجمعية، وما قرأته في مطوية الجمعية ساعدني في تكوين صورة ذهنية عن ذلك الصرح المعماري الشاهق الذي تمارس فيه الجمعية كل الأنشطة المذكورة فى المطوية (مشروع إعادة تدوير المخلفات – مشروع تطوير المنازل – مشروع تنمية المرأة الريفية – مشروع رفع الكفاءة التعليمية – مشروع تحسين الثروة الحيوانية – مشروع تحسين الصحة العامة). وما رأيته حين وصلت إلى مقر الجمعية كان صادمًا لما كونته في مخيلتي عن ذلك الصرح المعماري الشاهق، فمقر الجمعية ما هو إلا شقة صغيرة مكونة من غرفتين لا تتجاوز مساحة أي منهما العشرة أمتار، وطرقة لا تتجاوز مساحتها الستة أمتار. *** "الشيخ والقسيس" ، حدوتة ثرية يتداول تفاصيلها أهالى القرية، تحكي عن الجهود المشتركة بين شيخ الجامع وقسيس الكنيسة فى منتصف ستينيات القرن الماضي، حينما تكاتف الاثنان معا فى تعبئة الجهود الذاتية للأهالى فى إقامة كوبرى فوق ترعة الابراهيمية ليربط القرية بطريق المنيا/القاهرة الرئيسى. *** إذن هل استنبط أحدكم كيف تعافر (تنحت في الصخر) تلك الجمعية من أجل مشاركتها في كل هذا الكم من المشروعات رغم مواردها الضئيلة جدا، ومقرها الضيق جدًا. الحقيقة أن روح (الشيخ والفسيس) التي زُرِعَت في قلوبهم منذ ستينيات القرن الماضي، جعلت من كل بيوت ومباني القرية مقرًا للجمعية تمارس أنشطتها فيه... فالندوات واللقاءات والاجتماعات يتم عقدها مرة بالجامع ومرة بالكنيسة، ومرة بمدرسة، وأخرى بمنزل واحد من الأهالى... ذلك المشروع يتم إدارته من بيت "محمد أبو فلان" والاخر يتم إدارته من بيت "جرجس أبو علان"، وهكذا تدير الجمعية أنشطتها. *** قد يرى بعض إخصائيي التنمية في ذلك فوضى .. وعدم اكتراث بالنواحي الإدارية .. وقد يرى بعضهم في ذلك إبداع مجتمعي لتجاوز معوقات الواقع الصعب *** يقول ميشيل مافيزولي" في كتابه (تأمل العالم) أن الصورة الجماعية أو الحدوتة الأسطورة التي تستوطن مكانا ما وتعمل على تحريك الفضاء به يكون لها وظيفة الرحم إذ هي تحافظ على ما بداخلها وتحميه وتمنح نور الوجود لمولوداتها، فالمرء ينتمي لمكان ما كما ينتمي لطفولته وانطلاقا من ذلك يمكن أن يتحقق النمو والازدهار للفرد أو المجتمع. *** أحلام كثيرة اجترها الشيخ والقسيس سويا فى جلستهم فوق الكوبرى القديم بعد إنشائه في ستينيات القرن الماضي.. قد تنجو تلك الأحلام ويستطيع أهالي قريتنا تحقيقها بشرط أن نحاول أن ننصت إلى حواديتهم بجدية مهما كانت بساطتها، وأن نرهف أحاسيسنا لما سوف يحكونه عن "الشيخ والقسيس" في الزمن الماضي. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية 2