بحضور وكيل مديرية الشباب.. "معزة" جائزة أحسن مشجع بدورة رياضية بالمنيا    "من 4 إلى 9 سنين".. تعرف على سن التقدم للمدارس اليابانية والشروط الواجب توافرها (تفاصيل)    جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني ببني سويف    إعلان الكشوف المبدئية لمرشحي مجلس الإدارة والجمعية العمومية بالمؤسسات الصحفية القومية    أحمد موسى: قطع الكهرباء هو محور حديث كل البيوت المصرية (فيديو)    هانى سرى الدين: نحتاج وضع خطة ترويجية لتحسين المنتج العقاري ليكون قابلًا للتصدير    "حقوق إنسان النواب" تطالب المجتمع الدولي بتنفيذ رؤية مصر لوقف حرب غزة    وزارة النقل العراقية توضح حقيقة فيديو الكلاب الشاردة في مطار بغداد الدولي    أنشيلوتى: لدى ثقة فى اللاعبين وسنكون الأبطال غدا أمام السيتى    أردوغان يحمل نتنياهو مسؤولية الهجوم الإيراني على إسرائيل    فانتازي يلا كورة.. صلاح متصدرًا.. وبالمر آخر المنضمين "للقائمة المميزة" في بريميرليج    لجنة متابعة إجراءات عوامل الأمن والسلامة لحمامات السباحة تزور نادي كفر الشيخ الرياضي    "منخفض خماسيني".. الأرصاد تكشف تفاصيل الموجة الحارة غدًا وموعد انتهائها    شاهد مرافعة النيابة أمام المحكمة فى قضية سائق أوبر المتهم بواقعة حبيبة الشماع    محافظ دمياط تناقش استعدادات مدينة رأس البر لاستقبال شم النسيم وموسم صيف 2024    بالصور.. أسرة شيرين سيف النصر تستقبل العزاء بحضور نجوم الفن والإعلام في الحامدية الشاذلية    «مكنتش حابب».. حمادة هلال يكشف مفاجأة عن دور نجله بالمداح    بالفيديو.. خالد الجندي: "الشركة المتحدة" جعلت الناس تستمتع بالدين في رمضان    خبير تغذية يحذر من هذه العادات: تزيد الوزن "فيديو"    للمرة الثالثة على التوالى.. نوران جوهر تتوج ببطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    برلمانية: التصديق على قانون «رعاية المسنين» يؤكد اهتمام الرئيس بكل طوائف المجتمع    برلماني: خروج محافظة قنا من التأمين الصحي الشامل أمر غير مقبول    الفريق أسامة عسكر يلتقى قائد قوات الدفاع المالاوية    التخطيط: توجية استثمارات بقيمة 4,4 مليار جنيه لقطاع الإسكان بالقليوبية    إصابة فني تكييف إثر سقوطه من علو بالعجوزة    ضبط 7300 عبوة ألعاب نارية في الفيوم    بالشيكولاتة.. رئيس جامعة الأزهر يحفز العاملين بعد عودتهم من إجازة العيد.. صور    فوز العهد اللبناني على النهضة العماني بذهاب نهائي كأس الاتحاد الآسيوي    أحمد حسام ميدو يكشف عن أكثر شخصية جاذبة للستات    أفلام كان وإدفا في الإسكندرية للفيلم القصير.. القائمة الكاملة لمسابقات الدورة العاشرة    برلماني عن المثلية في المدارس الألمانية: "بعت للوزارة ومردتش عليا" (فيديو)    إسلام أسامة يحصد فضية بطولة العالم للسلاح للشباب (صور)    فانتازي يلا كورة.. دفاع إيفرتون يتسلح بجوديسون بارك في الجولة المزدوجة    شولتس يعلن اتفاقه مع شي على التنسيق بشأن مؤتمر السلام الخاص بأوكرانيا    بعد إصابة 50 شخصًا في أعينهم.. ضبط 8 آلاف قطعة ألعاب نارية قبل بيعها بسوهاج    أوبل تستبدل كروس لاند بفرونتيرا الجديدة    الخميس.. "بأم عيني 1948" عرض فلسطيني في ضيافة الهناجر    بعد انتهاء إجازة العيد.. مواعيد غلق المحلات والمطاعم والكافيهات 2024    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    ناقد رياضي يوضح أسباب هزيمة النادي الأهلى أمام الزمالك في مباراة القمة    مؤتمر كين: ندرك مدى خطورة أرسنال.. وتعلمنا دروس لقاء الذهاب    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    بعد التحذير الرسمي من المضادات الحيوية.. ما مخاطر «الجائحة الصامتة»؟    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    «لا تتركوا منازلكم».. تحذير ل5 فئات من الخروج خلال ساعات بسبب الطقس السيئ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    بعد نحو عام من الصراع.. مؤتمر باريس يجمع 2 مليار يورو للسودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة من صور التسامح التى نبحث عنها الآن.. «الأهرام العربى» فى مجمع الأديان.. هنا التاريخ يتكلم
نشر في الأهرام العربي يوم 09 - 01 - 2015


أعدت الملف: حسناء الجريسى
فى منطقة الفسطاط بحى مصر القديمة تشم رائحة التاريخ، تحيط بالمكان من كل جانب، تسمع أصوات الآذان قادمة من مسجد عمرو بن العاص، فى نفس الوقت الذى تقرع فيه أجراس الكنيسة، وتتخلل المشهد تراتيل المعبد اليهودي، نحن فى مجمع الأديان تلك البقعة التى تعكس الوجه الحضارى لمصر، على مر التاريخ، فى ذلك المكان عدد من الكنائس، يحكى تاريخ مسار العائلة المقدسة، حيث الكنيسة المعلقة التى مكثت بها السيدة العذراء والسيد المسيح ثلاثة أشهر، تلك الكنيسة المقامة على حصن بابليون، فضلا عن وجود كنسية القديس أبى سيفين و أبى سرجة، كما تنتشر بتلك المنطقة العديد من المساجد الدينية.
وراء كل بقعة فى هذا المكان حكايات وروايات شاهدة على التاريخ، منطقة تتعانق فيها ثلاثة أديان سماوية (الإسلامية – المسيحية – اليهودية) وهى صورة من صور التسامح التى كان سائدة فى مصر، بعيدا عن تأويلات الجماعات الإرهابية.
عندما تطأ قدماك تلك المنطقة تجد أمامك مقابر المسيحيين الرومان وعلى بعد أمتار منها المتحف القبطي، وبجانبه كنيسة مارى جرجس ومعبد ابن عزرا، وعلى بعد أمتار الكنيسة المعلقة، التى استغرق ترميمها نحو 16 سنة، حيث تمت عمليات الترميم فى منطقة المجمع على أربع مراحل، بتكلفة تصل إلى أكثر من 100 مليون جنيه، حتى أصبح ذلك الشكل الجمالى بين أيدينا، ما جعل حركة السياحة تدب فى المنطقة بشكل لافت للنظر، مقارنة بالوضع الذى ساد طوال سنوات أعقبت ثورة 25 يناير.
«الأهرام العربي» تفتح ملف حكايات مجمع الأديان لنتعرف إلى تاريخ المنطقة، بعيدا عن نسج روايات غير حقيقية.
فى «مصر القديمة».. الدين لله وأنبياء الله للجميع.. أعياد السماء فى مجمع الأديان
يقع مجمع الأديان فى منطقة الفسطاط بحى مصر القديمة، وعن تاريخ تلك المنطقة تقول «محبوبة محرم إبراهيم» - كبير إخصائيى الآثار الإسلامية ومدير عام المنطقة سابقا - : سميت منطقة الفسطاط بهذا الاسم، لأن عمرو بن العاص - رضى الله عنه - عندما أراد التوجه لفتح الإسكندرية، أمر بنزع فسطاطه - أى خيمته - فإذا بيمامة قد أفرخت فيه، فقال عمرو: «لقد تحرمت منا بمحترم» فأمر به ليظل كما هو، وحينما فتح المسلمون الإسكندرية، أراد عمرو بن العاص اتخاذها عاصمة، فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه فى ذلك، فسأل عمر رسول عمرو بن العاص: هل يحول بينى وبين المسلمين ماء؟ فأجابه: نعم فكتب عمر إلى ابن العاص ليرحل عن هذا المكان، لأنه لا يريد أن يحول بينه وبين المسلمين ماء صيفا وشتاء، فلما رجع المسلمون من الإسكندرية نزلوا فى منطقة الفسطاط.
تواصل محبوبة: تقع الفسطاط على ساحل النيل فى طرفه الشمالى الشرقي، قبل القاهرة بحوالى ميلين، وكان النيل عندها ينقسم إلى قسمين ومكانها كانت مزارع بين النيل والجبل الشرقى " هضبة المقطم" لم يكن فيه من البناء شيء سوى حصن بابليون الذى يطل على النيل من بابه الغربي، وكان موقع الفسطاط يسهل لها الحصول على الماء، ونتيجة لتوسعها العمرانى تحكمت فى طرق المواصلات للتجارة الداخلية والخارجية بين مصر والشام، بعد ذلك اختط عمرو بن العاص المسجد الجامع ونزلت القبائل العربية فى المنطقة، وسرعان ما اتخذت الفسطاط مظهر المدينة، حيث انتشرت بها الأسواق التجارية وكثر ساكنوها، وظلت دار الإمارة حتى سقوط الدولة الأموية.
وتوضح محبوبة أن عمرو بن العاص بنى مسجده ودارا كبرى عند باب المسجد، كان يفصلها عن الجامع طريق، كما بنى حمام الفار، وعرف بهذا الاسم لصغر حجمه، قياسا بحمامات الروم الضخمة، وحسب قول المؤرخين: "إن منازل الفسطاط كان يفصلها عن بعضها البعض أزقة كانت تسمى بأسماء القبائل، التى مكثت بها فكانت ميناء للتجارة القادمة من الصين والهند واليمن، كما كانت المركز الرئيسى لحركة النقل المائي،
وظلت الفسطاط عاصمة لمصر الإسلامية حتى استولى عليها العباسيون، فأسسوا مدينة القطائع عام 256ه، وفى العصر الفاطمى أنشأ المعز لدين الله مدينة القاهرة الفاطمية عام 358ه وضم إليها الفسطاط والقطائع والعسكر، وإبان نهاية حكم الفاطميين، وتحديدا فى عهد الخليفة العاضد، جاء الصليبيون إلى الفسطاط عبر النيل، فعاثوا فيها فسادا، ما جعل الخليفة العاضد يأمر وزراءه بإحراقها، ما جعلها تفقد أهميتها.
وتشير محبوبة إلى أنه فى عام 1881م تأسست لجنة حفظ الآثار العربية، وبدأت الدولة تهتم بمنطقة الفسطاط كمنطقة أثرية، وتمت أول الحفائر على يد الأثرى "على بهجت" والمهندس "ألبير جبرائيل" واستمرت تلك الحفائر حتى عام 1920وخلالها تم اكتشاف أطلال مدينة الفسطاط، كما عثر على آلاف القطع الخزفية، التى يوجد بعضها الآن فى متحف الفن الإسلامي، وكان انتشار صناعة الخزف بتلك المنطقة يعود لقربها من النيل، وتوافر الطمى بها.
وعن الكنائس الموجودة بمنطقة الفسطاط، تقول كبير إخصائى الأثاريين: إن الكنائس فى مصر القديمة امتازت بطابع خاص فى طرازها المعمارى، فأغلبها يعتمد على الشكل البازيليكى المأخوذ من النظم البازيليكية الرومانية، فالكنيسة تحتوى على أربعة أقسام: أولا الدهليز الأمامي، وهو يقع فى أقصى الغرب من الكنيسة، ويوجد به حوض المغطس الذى كان يستعمل فى ليلة الغطاس، ثم صحن الكنيسة والجناحان اللذان يفصلان عن الصحن بواسطة أعمدة رخامية، تعلوها التيجان ذات النقوش الكورنشية، وتتكون من صفين متساويين فى العدد، أحدهما على يمين الصحن، والآخر على يساره، حيث يوجد به حوض اللقان، وهذا الصحن يكون عادة سقفه على شكل جملون مثل كنائس أبى سرجة وأبى سيفين والقديسة بربارة والمعلقة، وكان يستخدم للسيدات أثناء الصلاة، ويوجد به بعض المذابح الصغيرة.
أما القسم الثانى فهو للمرتلين، ويقع أمام الهيكل الأوسط، وهو معد لجلوس الشمامسة والمرنمين، حيث يحاط بحاجز خشبى يشبه حامل الأيقونات ليفصله عن صحن الكنيسة لكن هذا القسم أزيل الآن، فضلا عن وجود الهياكل الثلاثة التى تقع شرق الكنيسة، وتغطيها القباب العالية، وأهمها الهيكل الأوسط، الذى كرس على اسم القديس، الذى أقيمت على اسمه الكنيسة، فبالنسبة إلى كنيسة أبى سرجة المذبح الرئيسى بها يوجد على اسم العذراء مريم، وذلك لوجود مغارة العائلة المقدسة أسفل الهيكل الأوسط، إضافة إلى وجود حوامل الأيقونات فوقها، لكى تفصل بين الهيكل وبين صحن الكنيسة.
وترى "محبوبة" أن هذه القطع الفنية من الزخارف تعبر عن أصالة الفن القبطى ومدى تميزه، أما فى داخل الهياكل فيقع المذبح فى الوسط، ويكون من الخشب أو الرخام، مثل مذبح كنيسة أبى سرجة المحفوظ بالمتحف القبطى الآن، وتعلو المذبح مظلة خشبية تزين من الداخل برسوم دينية ملونة، تمثل منظرا نصفيا فى الوسط للسيد المسيح، وهو على العرش، وحوله الكائنات الأربعة غير المتجسدة، كما ترتكز القبة فى الكنيسة على أربعة أعمدة من الرخام، وخلف المذبح من الناحية الشرقية يوجد حضن الآب وهو عبارة عن تجويف فى باطن الحائط الشرقي، حيث توجد صورة السيد المسيح فى هذا الجزء، كما يوجد مدرج رخامي، كان يوضع فيه الكرسى الخاص لجلوس البطريرك، عند حضوره حفلات الكنيسة.
قبلة المحراب و عصا الخادم
وبدورها تقول حسنية محمد حلمى فضلى، مدير عام منطقة آثار مصر القديمة، إن جامع عمرو هو أول مسجد بمصر وإفريقيا وهو الرابع فى الإسلام بعد مساجد المدينة المنورة والبصرة والكوفة، حيث بنى على غرار الجامع النبوى عام 21ه، وشارك فى تصميمه عدد من الصحابة، كما أطلق عليه العديد من المسميات وهى المسجد العتيق – تاج الجوامع – مسجد الفتح، حيث تزامن إنشاؤه مع انتهاء عمليات الفتح الإسلامى لمصر .
وتضيف: فى البداية بنى بالطوب اللبن، وكانت مساحته نحو خمسين ذراعا طولا فى ثلاثين عرضا، وكان الطريق يمر حوله من كل جانب، ولم يكن به محراب أو منارة أو حتى فرش فكان مفترشا بالحصى وجدرانه عارية من الخزف والبياض.
وتصف حسنية جامع عمرو بن العاص القديم قائلة:كان يتكون من بهو كبير تتوسطه ميضة أقيمت فوق بئر قديمة وكان يستخدم للوضوء، ومع مرور الزمن جفت وتم ردمها، أما حاليا فهو يتكون من مدخل رئيسى بارز يقع فى الجهة الغربية للجامع، ويتكون من صحن كبير مكشوف تحيط به أربعة أروقة ذات سقوف خشبية بسيطة، أكبر هذه الأروقة رواق القبلة ويتكون من احدى وعشرين باكية كل واحدة تتكون من ستة عقود مدببة مرتكزة على أعمدة رخامية، كما يوجد بصدر رواق القبلة محرابان مجوفان يجاور كل منهما منبر خشبى ويوجد بجدار القبلة لوحتان ترجعان إلى عصر مراد بك، أما المحراب الرئيسى فتعلوه لوحة كتب عليها بماء الذهب أبيات شعر تظهر معنى ترميم هذا المسجد، أما صحن الجامع فتتوسطه قبة مقامة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل.
وتلفت حسنية النظر إلى أن نوافذ الجامع القديمة كانت مزخرفة بزخارف جصية مازالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبى، كما تتوج واجهات الجامع من أعلى بشرفات هرمية مسننة، ويرجع تاريخ المئذنة إلى عصر مراد بك وهى تتكون من دورة واحدة ذات قمة مخروطية .
كما يوجد محراب صغير كانت السيدة نفيسة، رضى الله عنها تتخذه مصلى لها، وكانت السيدات تأتى لتقبيل هذا المحراب، خصوصا فى الجمعة اليتيمة من شهر رمضان، كما كان يقف أحد الخدم بعصا صغيرة لضرب رؤسهن إذا تأخرن فى التقبيل، وذلك لإفساح المكان لباقى المترددات عليه، لكن هذا المحراب أزيل عند القيام بعمل بعض الترميمات.
وعن بناء الجامع - تذكرنا مدير عام منطقة الآثار القديمة - يقال إن جامع عمرو بن العاص وقف على إقامة قبلته ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله، منهم الزبير بن العوام –المقداد –عبادة بن الصامت – أبو الدرداء – فضالة بن عبيد وعقبة بن عامر – عبد الله بن جعفر –رافع بن مالك، أيضا تم بناء بيت مال المسلمين أمام المسجد على شكل قبة عليها أبواب من حديد.
وتتابع: فى عام 672ه أمر الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان مسلمة بن مخلد الأنصارى الوالى الذى عينه على مصر بتوسيع الجامع، ثم بعد ذلك توالت التوسيعات على يد من حكموا مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معمارى، أما الآن فمساحته تصل إلى نحو 120مترا فى 110أمتار، ولم يقتصر دور الجامع على الصلاة فقط، لكن حسب قول المؤرخين كان يعد أقدم الجامعات، فكانت تعقد فيه حلقات دروس لكبار العلماء أمثال الشافعى والليث بن سعد والعز بن عبد السلام .
أما بالنسبة لجامع محمد بن أبى بكر، فهو يعتبر أحد المساجد التى أنشئت فى عصر الدولة الأيوبية فى مصر، ويقع بشارع باب الوداع بمصر القديمة ويعرف باسم محمد الصغير، وقد أعيد بناؤه فى القرن التاسع الهجرى سنة 830/1486م فى عهد السلطان الأشرف سيف الدين برسباى .
تضيف حسنية: يعتبر هذا المسجد من الجوامع المعلقة، إذ يصعد إليه بمجموعة من الدرجات ويقع فى المدخل الرئيسى فى الجهة الشمالية المواجهة لحائط القبلة، ويتكون من عقد كبير مرتفع ذى ثلاثة فصوص تجويفه به مجموعة من الدلايات المنحوتة فى الحجر، وفى الركن الشمالى الغربى من المسجد توجد غرفة الضريح التى ترجع عمارتها إلى العصر المملوكى، وهى عبارة عن مربع تحيط به أربعة عقود، وكانت تعلوها قبة لكنها سقطت إثر زلزال 1992، والآن السقف مغطى بألواح خشبية .
كما تعلو المئذنة مدخل المسجد وتتكون من ثلاث دورات الأولى مربعة والثانية مثمنة وبكل جهة من المثمن تجويف مخلق فى جانبيه عمودان وبه فتحة واحدة، يتقدمها شرفة للمؤذن ويفصل بين الدورة الثانية والثالثة شرفة خشبية أو الدورة الثالثة فهى مجددة وترجع إلى العصر العثمانى وتشبه المسلة.
وعن مسجد السويدى تقول مدير عام منطقة آثار مصر القديمة: يقع المسجد بشارع السويدى المتفرع من شارع القبوة، ويرجع تاريخ إنشاؤه إلى سنة 834ه/1430م وتصف المسجد قائلة: الباب الرئيسى له شاهق الارتفاع مغطى بالمقرنص البديع وبجواره قاعة السبيل ذات أرضية من الرخام بأعلاها طارتا عقد الكتاب، ومدرسة السويدى من بقايا الآثار القليلة، مؤسس هذه المدرسة كان بدر الدين حسن ابن سويد، ويقول المؤرخون عن هذا الجامع إنه مبنى بالحجر، وبه ثلاثة أعمدة من الرخام وله منارة وله بمصر العتيقة خمسمائة دكان ومنزل موقوف عليه إيرادها شهريا.
وتستمر حسنية فى حديثها عن المساجد قائلة: أما مسجد عابدى بك، فقد سمى نسبة إلى عابدى بك الكبير، أمير اللواء السلطانى ابن أمير باكير، وهو يتكون من أربعة أروقة مغطاة بقباب مبنية بالحجر الأحمر وله واجهتان، كما يتكون من مساحة مربعة قسمت بواسطة بائكيتين إلى ثلاثة أروقة، فضلا عن وجود قباب مقامة على مثلثات كروية باستثناء القبة التى تعلو المربع أمام المحراب فهى أكثر القباب ارتفاعا تشبه مئذنة المسجد المآذن العثمانية، ويحتوى جدار القبلة على محراب كبير مبنى من الحجر يعلوه قمة مستديرة من الجبس مكتوب عليها "يالله" ويعلوه قبة عبارة عن مقرنصات يعلوها رقبة مفتوح بها ثمانية شبابيك مشغولة بالزجاج الملون، فضلا عن وجود العديد من الزخارف الملونة التى تملأ جدران المسجد.
تقول حسنية: المياه الجوفية أثرت على آثار المنطقة برغم أننا عالجنا هذا المنسوب بتخفيضها، "تثبيت المياه عند نسبة معينة"، برغم اتهامنا بأننا قمنا بتغيير قباب جامع عمرو، لكن هذا لم يحدث على الإطلاق، ما حدث هو إعادة فك الأعمدة لترميمها، فالعامود يتكون من "القاعدة والتاب والطبلية، واحتفظنا بها بعد دراسة نوعية الأرض صحيح استبعدنا أعمدة نظرا لعدم صالحيتها، ثم أعدنا معالجة غير الصالح.
المعبد اليهودى مفتوح
وقالت إن المعبد اليهودى مفتوح لكن لا تقام به الشعائر، فلابد من وصول عدد الأفراد إلى 12 فردا حتى يسمح لهم بإقامة الشعائر الدينية به، ويتم ذلك عن طريق الحصول على تصريح من الطائفة اليهودية، أما عن تطوير الكنيسة المعلقة فهى مرت بأربع مراحل:
أولا: معالجة الجدران والمياه الجوفية والأيقونات والأخشاب، المنطقة ككل لكن المتحف القبطى يتبع قطاع المتاحف .
ويتحدث محمود الفقى، مفتش آثار بمنطقة مصر القديمة مجمع "الأديان"، عن خارطة الشيخ مبارك قائلا تضم هذه المنطقة العديد من الكنائس منها كنيسة الشهيدين أباكير ويوحنا وتاريخ يرجع إلى القرن السابع عشر، بينما الأسوار التى بنيت حولها تمت فيما بين القرنين العاشر والثانى عشر، وهى كنيسة صغيرة يصل إليها الداخل عن طريق باب كبير يتجه للناحية القبلية، يؤدى إلى حوش صغير به حجرتان صغيرتان ملاصقتان للسور الخارجى، باب الكنيسة من الناحية الغربية كعادة الكنائس القبطية له صحن به عمودان تلوح عليهما مظاهر القدم البحرى من الرخام والقبلى من الجرانيت لكنهما بلا نقوش.
بالكنيسة ثلاثة هياكل، الأوسط الرئيسى باسم الشهيدين والقبلى باسم الشهيد مار جرجس والبحرى باسم السيدة العذراء وتعلو المذابح الثلاثة قباب صغيرة كعادة الكنائس القديمة، بالكنيسة مقصورة تقع بجوار الهيكل القبلى بها أيقونات وهى على التوالى للقديس مار مرقس الإنجيلى – الأمير تادرس الشبطى – السيدة العذراء – الأنبا برسوم العريان –أباكير ويوحنا .
ومن أولى الكنائس التى تقابلنا فى هذه المنطقة تحديدا كنيسة العذراء بابليون الدرج، وهى أولى الكنائس فى منطقة خارطة الشيخ مبارك من الناحية الجنوبية للكنيسة المعلقة، كانت هذه الكنيسة بها بعض السكنات يقال إنها كانت للرهبان فى العصور المسيحية المتلاحقة، ويصف الفقى الكنيسة قائلا: هى عبارة عن مربع الصحن به مجموعة من الأعمدة وله جناحان ومسقوف بسقف حجرى وبه مجموعة من الأيقونات ويتقدم الهيكل من الناحية الشرقية خورس الشمامسة، كما يوجد الحجاب الخشبى وبه فتحات الباب وشبابيك التناول ثم منطقة الهياكل وبها المذبح، لافتا إلى أن هذه الكنيسة تشتهر بوجود مقبرة الآباء البطاركة وتحتوى على خمسة منهم .
أما بالنسبة للكنيسة الثانية، فهى تسمى بكنيسة الأمير تادرس المشرقى بها مدخل منكسر من الناحية الغربية نصل من خلاله إلى الممر الغربى المستعرض المغطى بقبو متقاطعا ومنه إلى الصحن المقسم بواسطة الأعمدة المزدوجة إلى ستة أقسام يعلوها قباب تغطى الصحن، ويلفت محمود النظر إلى أن أقدم الأماكن فى الكنيسة هو الحائط الغربى والأكتاف التى تتقدمه، كما توجد فى الناحية الشرقية من الكنيسة منطقة الهياكل وبها المذابح كباقى الكنائس القبطية .
يستكمل: أما كنيسة الملاك ميخائيل فهى تعتبر آخر الكنائس فى هذه المنطقة من الناحية الجنوبية تبعد عن كنيسة الأمير تادرس بنحو كيلو متر.
أما بالنسبة لكنيسة الأنبا شنودة، فهو أحد الرهبان من آباء القرن الخامس عاش كمصلح اجتماعى وروحى وظل يمارس حياة العزلة باستمرار لذلك لقب "رئيس المتوحدين"
ويلفت النظر إلى أن هذه الكنيسة عانت من ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وحدث للأعمدة ميل شديد وتدهورت حالتها المعمارية، لذلك تم ترميمها عام 1986 على نفقة الكنيسة تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار، فهى تتسم بالطابع البازلكى فى التخطيط، وتتكون من الصحن الذى ينقسم إلى قسمين أحدهما للرجال والآخر للنساء مغطى بسقف مرتفع، كما يوجد بها جناح شمالى وآخر جنوبى ينفصلان عن الصحن بواسطة الأعمدة الرخامية يتوج معظمها بتيجان كلاسيكية، يستند على هذه الأعمدة إطار خشبى متصل يحمل هذا الإطار آثار ألوان جميلة بعضها بالحروف القبطية ومزخرف بصلبان بارزة بمعدل صليب واحد بين كل عمودين، أما المنبر الموجود فى الصحن، فهو عبارة عن قطعة فنية رائعة من الحفر العربى على خشب الورد المزخرف بصلبان من العاج، ويعد الجناح الجنوبى أكثر اتساعا وينفتح على جناح خارجى، كما يحتوى على صهريج كبير للغطاس وجرن للمعمودية.
يواصل الفقى: فوق حجاب الهيكل توجد السلسلة المعتادة المكونة من سبع صور فى وسطها صورة السيدة العذراء على العرش وعلى كل جانب ثلاث صور بكل منهما تلميذان يحمل كل منهما صليبا فى يده اليمنى وإنجيلا فى يده اليسرى وحول رأسه هالة من المجد، أما الهيكل نفسه فهو نصف دائرى وبه المذبح المظلل بقبة خشبية مرتكزة على أربعة أعمدة، كما يوجد بالمنطقة كنيسة العذرا الدمشرية وسميت بهذا الاسم، وذلك لأن الذى قام بترميمها فى القرن الثامن عشر أحد أعيان القبط من بلدة دمشيرة، وهى قرية تابعة لمحافظة المنيا وتقع فى الصف المقابل لكنيسة أبى سيفين والأنبا شنودة عند دخولها نجد فتارين زجاجية تحتوى على رفات القديسين وفى الناحية الشرقية توجد الثلاثة هياكل، والصحن الرئيسى مسقوف بجملون دائرى به فتحات ونوافذ لإضاءة الصحن ويعتبر منسوب الكنيسة أعلى من منسوب الأرض الخارجية لحمايتها من الرطوبة كما توجد بها مجموعة كبيرة من الأيقونات والقطع الأثرية المعروضة فى مدخل الكنيسة الجنوبى.
وعن طبيعة عمله كمفتش آثار فى منطقة مجمع الأديان يقول الفقى: نحن كمفتشى آثار نعتبر حراسا على هذه المنطقة، فهى تحمل أهمية دينية وسياحية وسياسية ودورنا الحفاظ على هذه الآثار من خلال ملاحظتنا على الترميم، نقوم على الفور بمخاطبة جهات العمل، وشرح بعض المعلومات الخاصة عن المنطقة وبعض التعديات عليها.
بوابة مصر
عفاف علاء مفتشة آثار بمجمع الأديان، تقول: منطقة مجمع الأديان شاملة جميع الكنائس المسيحية بجانب المعبد اليهودى، فحصن بابليون يتميز بأنه يتوسط مصر بين الوجه البحرى والوجه القبلى، وقد تم بناؤه للحامية العسكرية الرومانية ليكون خط الدفاع الأول لبوابة مصر الشرقية، ومن خلاله يحكم الرومان السيطرة على أى ثورات تقوم ضد حكمهم فى الشمال أو الجنوب، وكان الإمبراطور تراجان قد أمر ببناء الميناء الذى يتحكم فى دخول السفن إلى المجرى المائى الذى يربط بين نهر النيل والبحر الأحمر والذى أعيد حفره فى القرن الثانى الميلادى، وقد قام ببناء الحصن الإمبراطور الرومانى دقلديانوس الذى اشتهر عصره بعصر الشهداء فى القرن الرابع الميلادى.
وتضيف عفاف: يطلق على الحصن مسمى قصر الشمع، وذلك لأنه كان عند أول شهر توقد الشموع على أحد أبراجه مع انتقال الشمس، من برج إلى آخر، كما يوجد بداخل الحصن عدد من المعالم الثرية القبطية ومن مميزاته وجود الكنيسة المعلقة، تلك الكنيسة التى تقع فى الناحية الغربية من شارع مارجرجس .
وبمجرد أن تقف أمامها تقرأ على بابها كلمات "سلوا تعطوا ... اطلبوا تجدوا...اقرعوا يفتح لكم" بمجرد دخولها تجد العديد من الأيقونات، فضلا عن وجود الصور المعلقة على جدرانها من الداخل، بعضها للأنبا شنودة والأخرى للرؤساء الراحلين محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات، وبمجرد أن تصعد السلم وتدخل الكنيسة تجد الشموع المضيئة على رفات القديسين، فى المنتصف تجد صورة السيدة العذراء تحمل السيد المسيح، تلاحقك نظراته عند الانتقال من مكان لآخر فضلا عن رائحة البخور التى تملأ المكان .
وعن تاريخ الكنيسة المعلقة تقول عفاف: سميت بهذا الاسم لأنها بنيت على برجين من الأبراج القديمة لحصن بابليون، وتعتبر من أقدم الكنائس فى مصر، وقد جددت 3 مرات خلال العصر الإسلامى، الأولى فى خلافة هارون الرشيد، حينما طلب البطريرك الأنبا مرقس من الوالى الإذن بتجديد الكنيسة، والثانية فى عهد العزيز بالله الفاطمى، الذى سمح للبطريرك أفرام السريان بتجديد كل كنائس مصر وإصلاح ما تهدم منها، أما المرة الثالثة فكانت فى عهد الظاهر لإعزاز دين الله، وكانت مقرا للعديد من البطاركة منذ القرن الحادى عشر ،وكان البطريرك خريستودولوس أول من اتخذ الكنيسة المعلقة للباباوية، واشتهرت فى عهد البابا البطريرك أفرام السريانى الذى ظهرت له السيدة العذراء فى معجزة نقل جبل المقطم على يد القديس سمعان الخراز، لوجودها بين كنائس وأديرة القديسين أجلاء فتسهل زيارتهم .
وتحكى عفاف أن مكان كنيسة أبى سرجة اختبأ بها السيد المسيح ووالدته السيدة العذراء خلال رحلة الهروب من بطش الملك هيرودس ملك اليهود بالمغارة المقدسة داخل الكنيسة أسفل الهيكل الأوسط، وهى تعد الأكثر انخفاضا فى المنطقة عبارة عن كنيسة صغيرة، ومن هذه المغارة انتقلت العائلة المقدسة من مكان إلى آخر، حتى وصلت إلى دير المحرق بأسيوط، والذى كان آخر مقر لهروب العائلة المقدسة إلى مصر ومنها رجعوا إلى أرض فلسطين بعد موت الملك هيرودس مما جعلها مقصدا لكل مسيحيى العالم .
تلفت النظر إلى أن إنشاء هذه الكنيسة تزامن مع إنشاء الكنيسة المعلقة وهى ترجع إلى سرجيوس واخس الجنديين اللذين استشهدا بسوريا فى عهد الإمبراطور مكسيميانوس.
وعن كنيسة بربارة تقول :كنيسة القديسة بربارة سميت بهذا الاسم نسبة إلى بربارة التى ولدت فى أوائل القرن الثالث المسيحى بأنيكوميدا أحد بلاد الشرق فى أسرة وثنية غنية، اعتنقت المسيحية على يد العلامة أوريجانس المصرى ورفضت الزواج لتكريس حياتها لخدمة الديانة التى اعتنقتها، واستشهدت فى عهد الإمبراطور الرومانى مكسيميانوس وخلدت ذكراها فى هذه الكنيسة التى تعد من أجمل كنائس مصر.
وتتابع: أما كنيسة مار جرجس فهى تعد من أجمل كنائس الحصن الرومانى شيدها الكاتب الثرى أثناسيوس، ولسوء الحظ التهمتها النيران ولم يبق منها سوى قاعة " العرسان" وهى غاية فى الجمال يقال إنها كانت تحمل رسوما جصية على الحوائط، بها بعض الأسقف والأفاريز الخشبية التى نراها وسط هذا البناء، كانت تستخدم فى الزواج الطقسى كان يدخل العرسان بعد الزواج لقضاء خلوة روحية فى الصلوات لمدة تتراوح من 3- 7أيام، لافتة النظر إلى أن هذه الكنيسة تشتهر بوجود قبر المعلم إبراهيم وجرجس الجوهرى، وهما من أشهر من اهتما بترميم الكنائس فى القرن التاسع عشر الميلادى.
صندوق النبى موسى
وعن المعبد اليهودى، يقول محمد زين العابدين، نائب مدير عام المنطقة المعبد اليهودى كان فى الأصل معبدا ثم تحول إلى كنيسة "على اسم الملك ميخائيل " حتى عهد أحمد بن طولون وعاد مرة أخرى كمعبد بعد أن اشترته الطائفة اليهودية وزعيمها فى ذلك الوقت إبراهام بن عزرا، ولهذا يطلق على المعبد معبد ابن عزرا، ويستمد المكان أهميته من الاعتقاد بوجود صندوق سيدنا موسى الذى وضع فيه وألقى فى اليم وهو رضيع، لذا يعتبر المعبد مزارا مهما بالنسبة لعدد كبير من السائحين وخصوصا السائحين اليهود، وكما يعتبر مركزا لحياة اليهود الثقافية والدينية فى العصور الوسطى، إضافة إلى اكتشاف مجموعة الجنيزة " فى أواخر القرن التاسع عشر وهى وثائق يهودية تغطى فترة العصور الوسطى وتكشف مدى اندماج اليهود فى الحياة العامة، عكس الاضطهاد الذى أنزله بهم الأوروبيون.
ويواصل: وعثر على مجموعة من الوثائق غاية فى الندرة، والتى يمكن منها تأريخ أوضاع اليهود المعيشية لقرون طويلة، وأحوال مجتمعهم ككل، بالإضافة إلى اكتشاف مخطوطات تحتوى على عدد نادر من الترجمات القديمة من التوراة وأجزاء مختلفة من العهد القديم التى اعتبرت ثروة مهمة، لأنها أضيفت إلى باقى مخطوطات الكتاب المقدس، ويستخدم هذا المعبد الآن كمتحف مفتوح ولا يستخدم فى الطقوس والصلوات اليهودية إلا نادرا.
أما بالنسبة للمتحف القبطى فهو يقع داخل أسوار حصن بابليون، وهو من أشهر وأضخم الآثار الباقية للإمبراطورية الرومانية فى مصر، وتبلغ مساحته الكلية نحو 8000 متر مربع، وقد تم تطويره بجناحيه القديم والجديد والكنيسة المعلقة وتم افتتاحه عام 1984م
ويلفت زين العابدين النظر إلى أن العالم الفرنسى ماسبيرو، قام بجمع أعمال الفن القبطى وتخصيص قاعة لها فى المتحف المصرى، وبعدها طالب مرقس باشا سميكة عام 1893م بأن تضم مجموعة الآثار القبطية إلى اهتمامات لجنة حفظ الآثار والفنون، وقد جاهد هذا الرجل طويلا، حتى تمكن من إقامة المبنى الحالى للمتحف الذى افتتح عام 1910م وعين أول مدير له، وقد ظل تابعا للبطريركية القبطية حتى عام 1931م ثم أصبح تابعا لوزراة الثقافة.
يتابع زين يبلغ عدد المقتنيات بالمتحف القبطى نحو 16000 مقتنى، وقد رتبت تبعا لنوعياتها إلى اثنى عشر قسما، عرضت عرضا علميا روعى فيه الترتيب الزمنى، ومن أهم مقتنيات المتحف مخطوط للمزامير باللغة القبطية "اللهجة البهنساوية لمصر الوسطى " ويضم كل من المزامير القبطية 151مزمورا ومكتوبا على الرق، ويعد أقدم سفر فى العالم بشكل كتاب، وشاهد قبر من الحجر الجيرى يظهر التداخل بين علامتى الصليب والعنخ نهاية القرن الرابع الميلادى، وقطعة نسيج عليها بعض الرموز المسيحية، ونقش على مشط من العاج يظهر بعض معجزات السيد المسيح، ومسرجة من البرونز لها مقبض على شكل الهلال والصليب، ويضم الجناح القديم للمتحف مجموعة من قطع الأثاث الخشبية والأبواب المطعمة .
وعن دير أبى سيفين يوضح نائب مدير عام المنطقة، أن الدير شيد قبل القرن السادس الميلادى وكرس على اسم القديس أبى سيفين، وهو ينتسب إلى عائلة عريقة، وكان ضابطا فى الجيش الرومانى واستشهد عام 362م، فى عهد الإمبراطور يوليانوس الوثنى بسبب اعتناقه للمسيحية، وجهاده فى سبيل نشرها، وتظهر صورة هذا القديس فى زى الجندى ممتطيا جوادا وهو يشهر سيفين فوق رأسه ويدوس يوليانوس المذكور بجواده، ويروى أن الملاك ميخائيل ظهر له فى رؤيا وقلده السيف الثانى رمزا لجهاد فى سبيل نشر الدين، وأقيمت فى مصر عدة كنائس على اسمه فى الوجهين القبلى والبحرى.
ويواصل: لكن فى أواخر القرن السابع الميلادى لم يبق من عمارتها الأولى إلا كنيسة صغيرة بالجانب البحرى ومكثت هكذا، حتى عام 1970 م وهذه الكنيسة الأثرية اشتهرت كثيرا بعد انتقال الكرسى البابوى من الكنيسة المعلقة إليها ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السادس الميلادى، وهى كغيرها من الكنائس تخطيطها بازلكى، وبنيت بالطوب الآجر وبها أعمدة رخامية، وتشتهر بوجود مجموعة من الأيقونات وهى صور للقديسين والملائكة بها، وأيضا مجموعة من رفات القديسين، كما تشتهر بوجود مغارة الأنبا برسوم العريان فى الناحية الشمالية من الصحن الرئيسى للكنيسة.
تجليات العذراء
الأب أو القس صليب جمال قسيس كنيسة أبى سيفين بمنطقة مصر القديمة تحدث عن رفات القديسين الموجودة فى داخل الكنيسة المعلقة، والتى توقد عليها الشموع فضلا عن رائحة العطور التى تملأ المكان قائلا: هى ذخائر استلمناها من الأجيال القديمة بها بعض العظام الباقية من القديسين والتى نتشفع بها، بمعنى أنها سبيلنا للتبرك ففى أعيادهم نقوم بعمل التطيب أى نضع العطور " الأعشاب العطرية "على الرفات،وهى عبارة عن أنبوبة من الخشب بها عظامهم، لافتا النظر إلى أننا لا نعتبرهم ماتوا، لكنهم بالنسبة لنا فى كرة الأحياء يصلون لنا عند ربنا، فضلا عن أننا نتبرك بهم، وبالفعل شفاعة القديسين لها بركاتها المستجابة عند الخالق، فكثيرا ما نشعر أنهم معنا، وذلك من خلال بعض الظهورات التى من علينا بعضهم بها،مثل تجليات العذراء التى حدثت فى الزيتون، أما بالنسبة للشمعة التى نضعها على رفات القديسين نضعها أمام الأيقونة إيمانا منا بأن دور هم كان مثل دور الشمعة، يحترقون من أجل إرضاء الآخرين، نقول إنهم شمعة تحترق من أجل توصيل الإيمان للأجيال اللاحقة وهى بمثابة تكريم لهم على دورهم المشهود.
يرى الأب أو القس صليب أن الدولة بدأت تهتم بمسار العائلة المقدسة، فهناك 25 نقطة فى مسار هذه العائلة، ومصر القديمة تعتبر المحطة رقم 2 بعد دير المحرق فى رحلة العائلة المقدسة، حيث مكثت العائلة به 6 أشهر، أما هنا فمكثت 3 أشهر، وزارة الآثار قامت بمجهود كبيرة تجاه ترميم المجمع والمنطقة بأكملها حتى وصلت لهذا الشكل . حيث استغرقت أعمال الترميم فى الكنيسة المعلقة 16 سنة، ولاحظنا جميعا أنه بعد افتتاح رئيس الوزراء إبراهيم محلب لمنطقة مجمع الأديان زادت الرحلات السياحية مقارنة بوقت الثورة .
وعن بركات المكان يقول: كل الكنائس أماكن للتبرك، هى صلوات نؤديها والله المستجاب، أما الزيوت فهى على سبيل البركة ومدى إيمان الشخص.
أما الأب كيرلس تادروس فيقول: أعمل بالمعلقة منذ 30 عاما، لم أر تغييرا فى أخلاقيات الأشخاص ويتردد على الكنيسة المسلمون والمسيحيون، نحن نحاول جاهدين الحفاظ على المكان كأثر وكمكانة دينية عظيمة، فالمنطقة كلها "سياحية أثرية دينية " يفد لها السائحون من مختلف البلدان، حتى عندما تم ترميم الكنيسة المعلقة رممت بشكل يحافظ عليها كمعلقة، حتى لاتفقد الغرض الذى أنشئت من أجله، ولتظل تجلياتها منتشرة فى أرجاء المنطقة.
اجتمعت الخبرات المصرية والإيطالية والروسية فى المجمع.. جراحة دقيقة فى جسد الرجل العجوز
استغرق العمل فى منطقة مجمع الأديان وقتا طويلا، فكانت بمثابة الرجل العجوز الذى يحتاج إلى عمليات جراحية دقيقة - على حد وصف المهندس طارق هريدى، المسئول عن أعمال ترميم المنطقة - حيث اشتمل العمل على الترميم، ومعالجة منسوب المياه الجوفية المرتفع، وتزويد الكنيسة المعلقة بوسائل التأمين من إطفاء الحريق، وكاميرات المراقبة، والتكييف.
يقول المهندس طارق هريدى: مع زلزال أكتوبر عام 1992 تعرضت منطقة مجمع الأديان للعديد من المخاطر، كما تأثرت بارتفاع منسوب المياه الجوفية، لافتا النظر إلى أن المشروع الأول لترميم المنطقة تمثل فى حل مشكلة المياه الجوفية وعمل ترميم معمارى كامل، مع تدعيم للحوائط وعلاج للشروخ والتصدعات، وحرصا على عدم تأثر إنشاءات الكنيسة المعلقة تعاونا مع الهيئة القومية للاستشعار عن بعد، وحصلنا على جهاز يساعدنا فى الكشف عن الشروخ الدقيقة فى المكان، فكان الجهاز بمثابة مرصد لنا أثناء العمل، كما استعنا بوزارة الصحة، وذلك لأن المياه الخضراء التى كانت موجودة بالمنطقة كانت بها كوليرا، وقمنا بتطهير المياه حتى لا تنتقل العدوى عند ترميم الكنيسة المعلقة.
هذا بالنسبة للمشروع الأول، أما الثانى فكان معالجة وترميم الجدران التى تأثرت بفعل الرطوبة الشديدة، وكذلك الأيقونات كان لابد أن نتدخل لعمل ترميم لها، وهنا استعنا بالخبرات الروسية، كما حرصنا على عمل شبكة إطفاء للحريق.
ويوضح هريدى: نحن لا نخفض المياه، لكننا نحافظ على منسوبها، أى نقوم بعمل نوع من المعالجة لتعايش الأثر، مع تشغيل المواتير باستمرار، على مدار اليوم، حتى لا يتأثر الأثر فى حالة توقفها.
أما بالنسبة للمشروع الثالث فكان تنسيق الموقع العام ووضع نظام التأمين للمتحف القبطى والكنيسة المعلقة وتزويدهما بكاميرات مراقبة، وعملنا لاند سكان للأرصفة والجزء الموجود خلف الكنيسة، حيث كان مهملا.
والمشروع الرابع كان استكمال البانوراما وأعمال التكييف وقاعة الأيقونات، وعمل صيانة متكاملة لجسم الكنيسة، أيضا زودنا الكنيسة بالتكييف مستعينين بالخبرات الإيطالية، حتى لانجرح الزخارف فى الكنيسة وحتى لا يؤثر التكييف على الشكل الأثرى لها، خصوصا أن بها العديد من رفات القديسين التى يوقد الناس حولها الشموع فوضعنا ذلك فى الاعتبار دون أن يؤثر التكييف على الشموع وعلى طقوس المكان، وقمنا بعمل صيانة كاملة للكنيسة المعلقة تقوم على أسلوب علمى مدروس، كما استخدمنا فى مشروع الإطفاء مادة معينة، وكنا نضع فى اعتبارنا طوال الوقت أننا نتعامل مع رجل عجوز يحتاج إلى عمليات دقيقة.
ويضيف المهندس سامى تودرى أن الكنيسة المعلقة كانت تعانى من أشياء كثيرة كلها مجتمعة تمثل خطورة عليها كأثر دينى، ومنها ارتفاع منسوب المياه الجوفية بها، وتراكم المواد العضوية، وتدهور أساس الكنيسة، وارتفاع نسبة الرطوبة ما أثر على الكنيسة والحالة الإنشائية بها، أيضا أثر ذلك بالسلب على الأيقونات
بلغت تكاليف مشروع الترميم أكثر من 100 مليون جنيه، فهو مشروع ترميم دقيق لها، كما استعنا بخبرات من الخارج، فالعمل فى هذا المشروع نظرا للدقة الشديدة أخذ وقتا طويلا، وذلك لصنع حالة من التجانس بين القديم والجديد.
ويلتقط هريدى طرف الحديث قائلا: أحيانا كنا نجد مفاجآت فى العمل يمكن أن توقفه كليا، فعندما كنت أرمم مسجد الشطوطى وجدت أثرا تحت الأثر، وبالتالى تم وقف العمل لحين معالجة الموقف، وفى مسجد السلطان شاه وجدت حائطا فى ظهر الأثر. سألت المهندس طارق هريدي: جامع عمرو بن العاص مليء بالشقوق والتصدعات من الداخل والخارج، وعلمنا أن وزارة الأوقاف طلبت من الآثار أن ترممه على نفقتها الخاصة لكنها رفضت فمن المسئول إذن؟
أجاب: من المستحيل أن تمانع وزارة الآثار فى مد يد المساعدة، بالعكس نحن نطالب الأوقاف بالوقوف معنا، لكن بشرط أن تعمل تحت إدارتنا فهى تتعامل مع أثر، وليس مكانا عاديا له مواصفاته الخاصة والقياسية، ولا يعقل أن أتركها تتعامل مع الأثر وحدها، وبالتالى تدمره فهم ليسوا على دراية كافية بترميم الآثار، إذن الأمر يحتاج إلى المتخصصين فى هذا الشأن.
بينما يلفت المهندس وهبة صبرى النظر إلى أننا حتى الآن نعمل فى منطقة مجمع الأديان وتحديدا فى الكنائس فالعمل لم يتوقف، تم تشطيب كنيسة مار جرجس برغم أنها غير مسجلة كأثر لكنها توجد فى المنطقة التى نعمل بها، ولابد أن نحافظ على الشكل الجمالى للمنطقة بأكملها كمنطقة سياحية دينية، ومزار للأجانب، فضلا عن أننا مرتبطون ببرنامج زمني، أيضا أعمال الصيانة تتم بصفة دورية فى المنطقة، كما أنها تحتاج إلى مهارة عالية ومواد خاصة فى الترميم، أيضا جار العمل فى المعبد اليهودي، وقمنا بعمل البوابة الجنوبية للحصن الروماني.
واستعرض المهندس طارق هريدى كل أعمال المنطقة على الخريطة التى توضح معالمها قائلا: نبدأ من جامع عمرو بن العاص، فقد تم عمل ترميم شامل لإيوان القبلة "فكه وإعادة توجيه العقود حسب الأصل الأثري"، وفى كنيسة أبى سيفين قمنا بترميم شامل للأساسات، تزرير شروخ المبانى وحقن الشروخ بالقباب، بالإضافة لأعمال الترميم الدقيق للأيقونات والعناصر الخشبية من أحجبة وصيانة للعناصر الخشبية الإنشائية من الجمالون الخشب المغطى لصحن الكنيسة والروابط بالجدران، بالإضافة لإضاءة العناصر الأثرية المختلفة.
وهذا ما حدث أيضا فى كنيسة الأنبا شنودة، وفى كنيسة العذراء تم عمل الترميم الشامل للمبانى والأيقونات وإضاءتها وترميم العناصر الخشبية الإنشائية من روابط بالجدران، بالإضافة إلى أعمال التهوية الميكانيكية.
ويواصل هريدي: أما أعمال الترميم فى منطقة حصن بابليون فكانت كالتالي: فى كنيسة مارى جرجس الرومانى تم عمل ترميم شامل للكنيسة " وتدعيم الأعمدة وتربيط الجدران، صيانة لمبانى الحصن، ترميم دقيق للرسومات الجدارية والأيقونات والعناصر الخشبية، بالإضافة لأعمال الصيانة لجدران الحصن الرومانى أسفل الكنيسة وتأمينها وإضاءتها.
قمنا بعمل الترميمات اللازمة لقاعة المزار بدير مار جرجس وقبر المعلم إبراهيم الجوهري، وكذلك قاعة العرسان وقصرية الريحان وكنيسة القديسة بربارة، وأضفنا لها العديد من العناصر الأثرية المختلفة، وتم عمل شبكة من خطوط الصرف المغطى بباطن الأرض لاصطياد المياه، وتوجيهها لمناسيب منخفضة عن مستوى أرضيات المواقع الأثرية ومعها شبكة الصرف العمومية بالقاهرة، وتزامن مع العمل مشروع توثيق الأجزاء والعناصر الأثرية الموجودة بباطن الأرض.
الخرافات وحدت الأديان السماوية الثلاثة.. بئر جامع عمرو لعلاج العقم وسلاسل التعذيب للتبرك
تنتشر بمنطقة مجمع الأديان العديد من الروايات حول البركات التى تحل على مرتادى المكان، حيث يحل النساء يوم الثلاثاء من كل أسبوع ضيوفا على الكنيسة المعلقة، للتبرك بالزيت، ووضع الشموع على رفات القديسين.
ويقال عن جامع عمرو بن العاص، إنه يوجد به عمود رخامى على مقربة من دكة القارئ، فى إيوان القبلة، وهذا العمود به خط حلزوني، يشاع بين العامة أن هذا الخط أثر ضربة كرباج أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضى الله عنه، عندما استعصى على العمال حمله، من المدينة إلى الفسطاط، أثناء بناء الجامع، وعندما ضربه أمير المؤمنين أطاعه، وسهل حمله على العمال، وأشيع أيضا أن المريض بمرض عضال، ولا يرجى شفاؤه، كان يضع لسانه على العمود عدة مرات من أجل الشفاء، لذلك قامت وزارة الأوقاف بإحاطة هذا العمود بقفص حديدي، لمنع الناس من هذا الفعل، وعند إجراء الترميمات الأخيرة رفع الخط، ونسى الناس هذه البدعة، ففى عهد عمرو بن العاص بنى المسجد من جذوع النخيل، معنى ذلك أن الأعمدة لم تكن موجودة .
كما يقال أيضا إن جامع عمرو به بئر فى إيوان القبلة من الجهة الجنوبية الشرقية عند لوحة مفاتيح الكهرباء، وكانت تستخدم للوضوء قديما، ومع مرور الزمن جف ماء البئر إلا من بعض المياه الراكدة، وقد شاع بين بعض النسوة الأميات، أن الماء يشفى المرأة من العقم، بعد أن يصب على ظهرها، لكن الآن لا يوجد ماء بالبئر، كما قامت وزارة الآثار بوضع غطاء عليها.
أما عن حكاية صلاة البهرة، فإن أتباع هذه الطائفة يأتون يوم الجمعة، قبل قراءة القرآن بحوالى ساعتين، رجالا ونساء، يصلون فرادى ركعتين، بالقرب من بئر فى إيوان القبلة فى جامع عمرو، باعتبار أن هذه المنطقة مقدسة لديهم، وعندما سألت أحدهم عن مغادرتهم قبل الصلاة رد قائلا: إنه جاء لزيارة جامع عمرو وهو على سفر، لكن الحقيقة أنه يذهب إلى جامع الحاكم بالجمالية، وهو مقر هذه الطائفة، ليصلى الجمعة هناك.
أيضا أشيع عن الجامع بين العوام وجود عمودين رخاميين محفور على أحدهما بعض الآيات القرآنية، وهما موجودان عند البكية الأخيرة من إيوان القبلة، وكان فى عهد الفاروق عمر والفاتح عمرو بن العاص رضى الله عنهما، يأتى إلى الجامع المتنازعون والخصوم، ليحتكموا إلى عمرو، فكان يدعو الخصوم أن يمروا بين هذين العمودين، فمن صدق حديثه مر من بينهما، حتى لو كان ضخم الجسم، أما إذا كان كاذبا فلن يمر، وإن كان نحيفا، أى أنهما بمثابة كشف الكذب.
ويشاع بين العوام أنه فى أحد الجمع الأخيرة من شهر رمضان طار نصف الجامع بمن فيه من المصلين، واتخذ موضعا له فى الجنة، وأن النصف الثانى للجامع الموجود حاليا سيلحق بنصفه الأول، وسيطير أيضا إلى الجنة بمن فيه، لذلك نجد حضورا كثيفا فى يوم الجمعة اليتيمة من شهر رمضان بداخل المسجد، خصوصا القادمين من الدول الإفريقية، وكلهم يبغى الطيران إلى الجنة بالنصف المتبقى من الجامع.
ثعبان فى المغارة
أما بالنسبة لما يتردد حول بركات الكنائس المسيحية، فيقال إن الأيقونات القبطية تمتاز بالبركة والقدسية، نظرا لارتباطها بسيرة القديس الشهيد صاحب الأيقونة، حيث كان يصلى ويطلب العون من الله وكان مستجاب الدعاء، فمثلا الأيقونة الأثرية للشهيد مار جرجس الموجودة فى دير البنات يعتقد أنها تشفى من الأمراض وتعطى النسل للعاقر وتسهل خروج الروح فى حالة تعثرها.
أما بالنسبة لأيقونة السيدة العذراء بالكنيسة المعلقة والتى تقع على يمين الداخل وهى نادرة الوجود، حيث إنها تنظر إلى جميع الاتجاهات لتمثل استجابتها للصلوات وطلب البركة، ويقال إن الفنان دافنشى استوحى لوحة الموناليزا منها، كما يقال إنه يوجد فى كنيسة أبى سرجة بئر ماء شربت منها العائلة المقدسة، ومن المعروف أن ماءها لا يجف ويشفى من الأمراض والعلل، وتتحقق به الأمنيات.
كما توجد بكنيسة أبى سيفين مغارة أثرية تسمى مغارة القديس برسوم العريان، كان يعيش بها ثعبان ضخم قوي، حينما حاول القديس قتله منعه خدام الكنيسة، لكنه لم يستجب لهم، ونزل المغارة معتمدا على عون الله، فأصبح الثعبان مستأنسا، وصار مرافقا له نحو 20 عاما واشتهرت الكنيسة بالبركة.
وكان الحكام الرومان يستخدمون السلاسل والجنازير فى تعذيب الشهداء والقديسين، ومنها السلسلة التى تعذب بها القديس مار جرجس فى دير البنات والتى يقال إن عليها دمه، ويعتقد أنها تستخدم فى طرد الأرواح الشريرة، أما الزيت المقدس فهو عبارة عن مجموعة زيوت عطرية يقال إنها قدمت عند تكفين جسد السيد المسيح ما جعل لها قدسية وبركة قوية، وتستخدم عن تدشين الكنائس وفى الصلاة، ويتم دهن جسد العليل بها حتى يشفى.
أما إضاءة الشموع فى الكنائس فهى للخلاص من الذنوب والتمسح بالهياكل والسجود أمامها للتبرك، كما يشاع أنه فى الأعياد ينزل القديس للاحتفال مع العامة، ويقال عن "المزوزة" إنه مكان يوجد داخل المعبد، ويقوم الحاخام أو الربانى بكتابة بعض الأوراق وإلقائها فيه، للحماية من الشرور، كما يقال إنه توجد بالمعبد اليهودى بئر شرب منها سيدنا موسى عليه السلام وبالتالى ماؤها مبارك.
عاش فى قلب المنطقة ربع قرن.. د. تليمة: طبيب والدتى كان يهوديا
يعود د. عبد المنعم تليمة تعريف بمخيلته للوراء، يسترجع ذكريات الطفولة التى مازالت محفورة، ليس فى ذاكرته فقط وإنما فى قلبه أيضا، فهو من مواليد حى مصر العتيقة وساكنيه لفترة طويلة من العمر، فقد عاش فى قلب منطقة مجمع الأديان، وله فيه حكايات.
يقول: عشت فى قلب منطقة مجمع الأديان ما يقرب من ربع قرن، جئت مع أسرتى فى مايو 1926 من أوسيم إلى القاهرة، كنت فى التاسعة من عمرى وكان بيتنا فى قلب مصر العتيقة، حيث كنا نسميه نحن سكان الحي، بيتنا كان به بلكونة دائرية الشكل تحيط بجهاته الأربع، كنت أقف فى زاوية تحتها مباشرة معبد ابن عزرا أقدم معبد يهودى فى مصر، وفى الزاوية الأخرى الكنيسة المعلقة، أما فى الزاوية الثالثة فكنت أشاهد أول مسجد فى مصر والرابع على مستوى إفريقيا، مسجد عمرو بن العاص، ومن ناحية أخرى كنت أشاهد من منزلنا مقابر الإنجليز الذين قتلوا فى الحرب العالمية الثانية.
كنت أدخل باستمرار الكنيسة المعلقة، وهناك كنت أشاهد نساء جئن من الريف لزيارة المكان الذى نزلت فيه العائلة المقدسة، يوقدن الشموع ثم يتجهن إلى معبد ابن عزرا بصحبة اليهوديات القليلات الموجودات فى الحى، كما كن يحضرن حفلات الزار التى كانت تحرص أغلب منازل الحى على القيام بها، وكانت من ضمن طقوس المكان.
كنت أراهنّ - يقول الدكتور تليمة - يخرجن من الكنيسة ثم يتجهن للمعبد اليهودى وبعدها يذهبن للصلاة فى مسجد عمرو، وبعد ذلك يتجهن لزيارة سيدنا جراح القلوب "مولانا سيدى أبو السعود" فزيارة هذا المكان كانت بمثابة معالجة نفسية روحانية.
ويرى د. تليمة أن الوضع الآن فى المنطقة اختلف كثيرا عن ذى قبل، فهناك أشكال جديدة جدت على المنطقة منها الزحام الشديد، وكثرة البيوت العشوائية، كما أن الحس الدينى والروحى أصبح محدودا فى دور العبادة عن ذى قبل، حيث أصبح العمل التجارى هو السائد فى المنطقة، لكن فى الأربعينيات كانت الحوارى مغلفة بالحس الدينى، فعلى رأس الشارع الذى كنت أقطنه ضريح سيدى محمد مسلمة شقيق النبى فى الرضاعة وعلى مقربة منه ضريح سيدى حسن الأنور حفيد سيدنا الحسين، وعلى مرمى النظر مقبرتا السيدتين عائشة ونفيسة رضى الله عنهما، كان جو المكان مملوءا بالتجليات يسيطر عليه عبق التاريخ، الناس فى الحى كانوا ما بين متأمل وساجد، ونساء يقدن الشموع، وأخريات يصلين فى صمت، وصبية مسلمين ومسيحيين ويهود يلعبون فى الشارع، دون أن يلتفت أحد لديانة الآخر، كنت أسمع يوم الأحد، وتحديدا فى وقت الظهيرة أجراسا تقرع من الكنيسة وتراتيل توراتية تنبعث من معبد "ابن عزرا" اليهودى، وصوت الأذان قادماً من مسجد عمرو، فما أجمل هذا المشهد الذى كان يسر السامعين والناظرين والمتأملين الآن اختفى كل هذا.
يواصل د. تليمة: كان الفقراء يتابعون ذلك وكأنه أمر واحد، ولم تكن لدى هذه التفرقة المعرفية، كان عم موريس يربت على كتفى فى الكنيسة المعلقة، عندما كنت أذهب هناك للاستذكار تحديدا يوم الثلاثاء، كنت حريصا على مراجعة مادتى اللغة العربية والفرنسية بها.
وأيضا كنت أذاكر فى جامع عمرو، أما فى المعبد اليهودى فكنت أستريح فى الجلوس مع السيدة غالية التى كانت تجلس دائما هناك كنت أجلس بجانبها أحتسى الشاي، وكنت أصاحب فتاة يهودية تسمى صفية كانت تعيش معنا فى الحارة، كبرنا معا عندما خطب مصطفى النحاس باشا فى الناس سنة 1951، وأعلن أنه ألغى معاهدة 1936، وجدت نفسى وصفية نتعانق دون أن نشعر بأننى مسلم وهى يهودية، كلنا مصريون فى نهاية الأمر.
ويلفت د. تليمة النظر إلى أن الطبيب الذى كان يعالج والدته كان يهوديا، وصاحب محل الصيانة القريب من المنزل كان أيضا يهوديا وكان إبراهيم منشة صديقنا الصدوق مشيرا إلى أنه "وقتما كان محلب ووزير الآثار يفتتحان المجمع بعد ترميمه كنت موجودا فى حفل الافتتاح، وهناك تذكرت الزعيم جمال عبد الناصر عام 1953 عندما وقف يخطب خطابا جماهيريا وكان وراءه ثلاثة كراس الأول للإمام الأكبر شيخ الأزهر، والثانى لحاييم ناحوم أفندى كبير اليهود فى مصر، والثالث لبابا الكنيسة الأرثوذكسية، وكان هذا فى مكان قريب من منطقة مجمع الأديان "فى ميدان النفق".
ويختتم قائلا: من الأشياء التى لاتزال تعيش بداخلى حتى اللحظة الآنية جدارية السيدة مريم تحمل السيد المسيح طفلا على صدرها، فهى نفس صورة إيزيس المصرية، وهى تحمل حورس بنفس حركة الذراعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.