يكتب: عدالة كسيحة وطاغية "بريء" وشهداء قتلتهم "الشياطين" مأساة .. من حكموا مصر منذ يناير 2011 إلى الآن دمروا الأدلة وشهدوا زورا لإفساد قضية "مبارك" لا ريب في أن آلافا من شباب مصر الثورة، وعائلاتهم، قد تكبدوا تضحيات جسيمة منذ اندلاع الثورة الشعبية العظيمة ، لقد سقط الشهداء والمصابون الأبرار، ضحايا للمتشبثين بالسلطة، زورا وجورا من عُمِد نظام الحكم التسلطي الحاكم. ولذلك فإن هناك حقا لابد من أن يُقتص ممن أسالوا دماء، وقبضوا أرواح، الآلاف من شباب مصر، من دون الاكتفاء بعقاب صغار أعوان الاستبداد مثل جنود الشرطة الأسافل الذين أطلقوا الرصاص الحي وأعملوا الإصابة في شباب مصر الثائر الطاهر، مسببين عاهات دائمة في كثير حالات. هؤلاء ليسوا إلا الأصابع القذرة والدنيئة التي ضغطت على زناد أسلحة الشرطة أو دهست المتظاهرين بمصفحاتها، وكلها مشتراة بدم الشعب وعرقه. أما القتلة الحق فهم من أصدروا الأوامر، من ضباط الشرطة وقياداتها ومن طغمة رؤوس نظام الحكم التسلطي، في حزب الحاكم والحكومة والدولة، حتى رأسه (الطاغية المخلوع). يقيني أن قطرة واحدة من دماء شباب مصر الرائع أغلى من كل أموال الدنيا وأقيم من جميع المتسلطين الحقراء ومجمل بهرج الحكم التسلطي الفاني. ولكن ليس هذا منطق الثلل المنحطة الحريصة على اقتناص سلطة الحكم والتمرغ في مغانمها الدنيئة. ****** ولهذا فمن من أسف، بعد مهزلة معركة 28 نوفمبر الوهمية التي استنفر لها الجيش ومدرعاته بما لم يحدث في مواجهة الأعداء والإرهابيين، حكمت المحكمة بأن الطاغية المخلوع وجلاد نظام حكمه المجرم حبيب العادلي وأعوانه من الزبانية، وبالمرة الفاسد الأكبر حسين سالم، جميعا أبرياء من أي إثم. إنها لمنظومة عدالة كسيحة ومن ثم، ظالمة. بل إن القاضي تطوع وأخذ على عاتقه أن يتزيد وينطق بنهاية الثورة الشعبية وبدء ما أسماه حقبة الدولة. وبئس النطق الذي أظن أن التاريخ سيكذبه حتما!. من يتمعن في حكم قاضي محكمة جنايات القاهرة يصدمه أن حكم القضاء في "مصر الجديدة" تحت الولاية الثانية للمؤسسة العسكرية ينطوي على أن شهداء الثورة الشعبية العظيمة إما إنتحروا أو أن شياطين قتلوهم، ولكن الطاغية المخلوع وحبيب العادلي ومساعدوه الزبانية، وكذا حسن سالم نهاب مصر الكبير، لا تشوبهم شائبة فيما يتصل بإسقاط الشهداء ومصابي الثورة الشعبية أو الفساد. أظن الآن فعلا أن حكام مصر كانوا يعلمون أن الحكم، المقر سلفا، والذي صدر في29 نوفمبر سيعتبره كثيرون حكما جائرا. ولست أطعن في ضمير القاضي. ولكن الجميع يعلم أن للحكم التسلطي أدواته في الضغط على أو تطويع القضاة ، أو لنقل نصحهم، في غيبة الاستقلال التام للقضاء عن السلطة التنفيذية. وإن ننسى لا ننسى استغلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة القضاة لتهريب المتهمين الأجانب الذين قدمهم المجلس للمحاكمة وأدانهم القضاء فعلا وأصدر عليهم أحكاما، ولكن جرت تبرئتهم بحكم قضائي مصنوع حسب طلب السلطة الأعلى وتم تهريبهم من مطار القاهرة، تحت أعين السلطة، بل وجرى تكريم القاضي الضالع في هذا الفعل المشين بعد ذلك، تحت حكم اليمين المتأسلم. وبناء عليه كان على حكام اليوم أن ينشروا الجيش بكثافة مقززة، حتى لبدا أن عدد الدبابات والجنود في الشوارع تجاوز عدد المتظاهرين في يوم "الثورة الإسلامية" المزعومة، لإرهاب من تسول له نفسه الاعتراض على الحكم القادم في اليوم التالي. تأكيدا لا يمكنني، ولا يعنيني الخوض في فنيات الحكم قانونيا، ولعل القاضي لم يكن يملك، في حدود القانون وضعف الأدلة إلا الحكم بالبراءة. ما يعنيني هو أن منظومة العدالة تحت الحكم التسلطي في مصر لم تقتص لأرواح الشعداء ولحقوق المصابين من أبناء الثورة الشعبية العظيمة منذ يناير 2011. إن منظومة للعدل إن كانت حقا عادلة، كان لابد من أن تصل إلى المجرمين الحقيقيين وتعاقبهم على ما جنت أياديهم. لكن للأسف إستغلت المنظومة الكسيحة للتعمية على الجرائم الشنعاء. وفيما ضبط مع السيد حسين سالم، تاجر السلاح ومورد الغاز لإسرائيل، وأقرب رجال الأعمال للطاغية المخلوع، إن لم يكن شريكه، وهو بالمناسبة أيضا عسكري سابق، في رحلة هروبه التي لم يوقفه فيها أحد وانتهي فيها إلى سويسرا عبر دبي ، لدليل دامغ على الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب والوطن، ومرت من دون مساءلة أاو عقاب. فقد ضبط مع السيد في دبي أموالا سائلة تراوح تقديرها بين نصف مليار دولار ومليار ونصف، نقدا!! فإن كان هذا ماكان يحمل أثناء الرحلة، للنفقات النثرية، فكم تبلغ ثروته كلها، هو وشريكه. واضح أن من جرى التحفظ على أموالهم هم من صغار الفاسدين الذين قرر النظام أن يضحي بهم لذر الرماد في العيون وللتعمية على الحيتان الكبار الذين نهبوا مصر وشعبها طيلة ثلاثين عاما أو يزيد. وكثرة هؤلاء قد افلتوا بعدها من العقاب الواجب، إما هروبا أو تبرئة. ***** إن المأساة الحقيقة أن من حكموا مصر منذ يناير 2011، ومن يحكمون الآن، قد قاموا على تدمير الأدلة و شهدوا زورا لإفساد القضية ولم يبذلوا أي جهد جاد للقصاص للشهداء والمصابين في أحداث الثورة الشعبية ولا لاستعادة أموال الشعب المنهوبة. مأساة الثورة الشعبية المصرية في الحقيقة أن القتلة، سواء أيدي التنفيذ القذرة، أو العقول المدبرة المنحطة، يفلتون من القصاص بل ينعم على بعضهم بالنياشين والأوسمة، ويثرون، وكأنهم يزدهرون عندما يلغون في دماء الشهداء البررة، ورود مصر ورياحينها الذكية. وقد ضلع في جريمة إفلات القتلة من القصاص وازدهارهم جميع من حكموا مصر منذ أسلمت الموجة الأولى من الثورة الشعبية العظيمة قيادها، ببراءة سياسية منقطعة النظير، لمن امتطوها وسرقوها. لذلك، فإن يقيني الآن أن لن يقتص للشهداء إلا إذا تعلمت موجة تالية من الثورة الشعبية هذا الدرس المؤلم، ولم تتخل عن الحكم لأعدائها، قتلة الشهداء الأبرار. **** كما إن القتلة والمجرمين عديمي القلوب والضمائر الذين يوقعون الشهداء وينجحون في التهرب من القصاص العادل أيضا لا يعالجون من أصابوا من النشطاء ويستمرون في تعذيبهم بمنع العلاج وإعادة التأهيل وكأنما يضنون عليهم بإفلاتهم من الموت. وحكومة الظلم الأفدح القائمة تتقاعس عن أهم واجبات الرعاية الاجتماعية في زمن الثورة الشعبية، وتتفرغ لتكريس البطش البوليسي ولتحصين الفساد ولتدليل المفسدين وعلاج التوافه من الممثلين والمغنين ولاعبي الكرة. ولكن لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم، وهم يعجلون بحفر قبورهم. ******* لذلك بمناسبة ذكرى مذابح محمد محمود وحكم محكمة جنايات القاهرة مؤخرا ؛ أعتقد أن ستبقى أرواح شهداء الثورة الشعبية العظيمة تطارد قاتليهم، والساكتين عن ظلمهم، إلى يوم الدين. ولن يرتاح الحاكم الآن، ولن يرتاح محركوه وأتباعه، ولا داعموه و مهرجوه، ولا الدهماء الذين يجيّشون لتأييده. لن يرتاح، ولن يرتاحوا، على الرغم من أنه ربما يعتقد، ويزين له أربابه وزبانيته ومهرجوه السفهاء التوافه المهللين له بالباطل، أنه امتلك الدنيا ومن عليها ودخل التاريخ من أوسع أبوابه. ولبئس ما يعتقدون. لن يرتاحوا ما ظلت أرواح الشهداء في جميع معارك حرب إخماد الثورة الشعبية العظيمة التي أشرفت عليها المؤسسة العسكرية (أي المجلس الأعلى للقوات المسلحة) وربما هو شخصيا وفق البعض، أو تواطأت في التعمية عليها بالصمت وإتلاف الأدلة والشهادة الزور أمام القضاء المُدجّن. لا أبشرهم فقط بعذاب الجبار العظيم، بأخذهم أخذ عزيز مقتدر في الآخرة، وهو آت لا ريب فيه. ولكن حتى في الدنيا لم يفلت الطواغيت الظالمون من عذاب بئيس. رئيسه ورئيسهم الأسبق وولي نعمتهم، على الرغم من محاولتهم اليائسة غسل صفحته السوداء، وعلى الرغم من حكم البراءة اللعين، قد إنتهي فعلا في مزابل التاريخ لاحقا بأمثال هتلر وموسوليني وشاوشيسكو، وإن بقي على قيد الحياة حتى الآن، بريئا بحكم قضائي- سيحاسب عليه القاضي به في يوم غير بعيد- وتقاضي معاشا من المؤسسة العسكرية، وتنفق السلطة علية ببذخ من أموال الشعب، وربما سيمكّنوه من مئات المليارات التي سرقها هو وطغمته وهربها إلى خارج البلاد. ومع ذلك فلن يهنأ له المقام في مزبلة التاريخ، وياله من عذاب أظنه أشد من الموت. ويكفيهم، هوانا في المناصب العليا، أن مصر تسير فعلا على خطى العراق وسوريا، ببشاعة الظلم الذي يولده الحكم التسلطي الفاشي، والإنشطار المجتمعي الحاد وسعير الاحتراب الأهلي الذي أحدثته سلطتهم حتى أصبحت مصر في عهدهم من أشد البلدان في العالم وفي المنطقة العربية معاناة للإرهاب، وفقا لبيانات دولية منشورة، على حين وعدوا منذ قرابة عام ونصف بالقضاء على الإرهاب في أسبوعين. ولكن لا يستنفر الجيش بمدرعاته وفرقة القتالية الخاصة إلا في وجه المواطنين العزل. بالطبع هناك آخرين ضالعون في استشراء الإرهاب ولا أبرؤهم. ولكنهم هددوا به وصدقوا. أما هم ومؤسستهم فقد وعدوا وأخلفوا. وحق عليهم، من ثم، عقاب من يفشل في المؤسسات العسكرية الشريفة والمنضبطة. يكفيهم هوانا في الوطن أن القراءة الفاحصة لنتائج استطلاعات الرأي الحديثة التي توظفها بطانة السوء المحيطة بهم لإرضاء غرورهم وتحسين صورتهم المتهاوية تبين أن أقل معدلات رضا عنهم أو تأييد لهم هي بين الشباب، أي بين الغالبية الساحقة من المصريين حاليا، وجميع المصريين في المستقبل القريب، وبين الأفضل تعليما والأكثر إستنارة. أي أن تأييدهم السطحي الراهن يأتي من الأجيال الراحلة والدهماء والجهلة بين المصريين. إذن بمنطق الزمن، الذي لا يعود إلى الوراء إلا خلسة، فمستقبل تأييدهم إلى إنحسار أكيد وسريع. ويكفيهم هوانا في الوطن العربي أن إنحطوا بمكانة مصر من شرف القيادة والزعامة إلى حضيض التبعية الخانعة للسعودية، بل وحتى للإمارات، وللتخديم على أمن العدو الغاصب لحقوق العرب، ما يدل على عدم فهم للتاريخ وقلة وعي بمكانة البلد التي يحكمونها بالجور والبطش. ويتبجح حكام العدو الإسرائيلي بتعاونهم الوثيق معهم في قهر الفلسطينيين. وآية ذلك تأكيد الرئيس الحاكم، عشية سفره إلى أوروبا مؤخرا، على أن الغرض من الشريط العازل في سيناء هو ضمان أمن إسرائيل، وأنه على استعداد لإرسال قوات مصرية إلى أرض فلسطين لطمأنة الدولة العنصرية الإرهابية، طمعا في رضا الغرب عنه باعتباره حليف دولة العدو الغاصبة. ونهاية، يكفيه ويكفيهم هوانا في الدنيا أن من يعتمد عليهم لغسل صورته وتزييف صنعها على أنه زعيم تاريخي فذ ليسوا إلا حفنة من السفهاء التوافه الذين لابد يعلم أنهم سينقلبون عليه عندما- ولا أقول إذا- دارت عليه الدوائر. فلا يمكن أن يكون بهذا الغباء التاريخي، فقد شهدهم عن قرب ينقلبون على رئيسه الأسبق وولي نعمته، الطاغية المخلوع، بعد أن كانوا يحرقون له البخور ويتفانون في الترويج له، كذبا وزورا. والدليل على مأزقه هذا أن نظامه لا يتوانى عن البطش بأي من هؤلاء الإمعات التوافه إذا تزحزح قيد أنملة عن التطبيل الفج، ولا ريب أن حتى بعض هؤلاء سيراجعون أنفسهم ويثوبون إلى رشدهم ولو بعد فوات الأوان بالنسبة لهم. فتُغلق عليه وعليهم جميع الدوائر، ويبقى هو وحيدا محسورا إلا من قلائل معدودين يشاركونه اللحظات الأخيرة المضنية بالعذاب حين تحل النهاية المحتومة، والتي ساهم هو في جلبها على رؤساء سابقين له عدة مرات، وليس فقط الرئيس المدني المنتخب الذي أقسم اليمين أمامه وكان يُعظمّه باعتباره قائده الأعلى. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية