التعليم العالي: 5 قرارات جمهورية بتعيين عمداء في 3 جامعات    جدول امتحانات الصفين الأول والثاني الثانوي الترم الثاني 2025 في القاهرة    محب حبشي يستعرض الموقف التنفيذي لتطوير ورفع كفاءة كورنيش بورسعيد السياحي    أستاذ قانون من النواب: الأجرة التافهة تبطل عقد الإيجار    البورصة المصرية تربح 3.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    وزارة الخارجية تتابع موقف السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    إدارة ترامب تواصل ملاحقة "هارفارد" وتسعى لتجميد المنح الجديدة للجامعة    وزير الخارجية يجري اتصالا هاتفيا مع نظيره السوداني    جيش الاحتلال الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء فوري لمنطقة مطار صنعاء الدولي    الكرملين: بوتين وبزشكيان اتفقا على تعزيز التعاون العملي بين البلدين وتنسيق السياسة الخارجية    أحمد سمير مرشح لمنصب المدرب العام بالزمالك    تعديل موعد مباراتي توتنهام ومانشستر يونايتد في البريميرليج بسبب نهائي محتمل    رافينيا يُرشح محمد صلاح ورباعي آخر للفوز بالكرة الذهبية    الإعدام ل سائق بتهمة ذبح طفل داخل مصلى العيد في قنا    مسيرة طلابية بجامعة الزقازيق للمطالبة بكشف ملابسات حادث طالبة كلية العلوم    تأجيل إعادة محاكمة 4 متهمين في «أحداث شغب مطاي» بالمنيا    رئيس الأوبرا يكرم عددا من الفنانين والإداريين بمناسبة عيد العمال (صور)    بالصور- ريهام عبد الغفور تهنئ رنا رئيس بحفل زفافها:"حبيبة قلبي وبنوتي"    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    زعيمة حزب الخضر في ألمانيا: نريد حكومة قادرة على التصرف    ضربة موجعة لستارمر.. رفض طلب لندن الوصول لبيانات الجريمة والهجرة الأوروبية    القومي للمرأة يناقش قضايا التواصل والعنف السيبراني    61.15 دولار للبرميل.. تعرف على أسعار النفط بالأسواق العالمية    فرقة غزل المحلة تعرض "نساء شكسبير" بالقناطر الخيرية ضمن مهرجان نوادي المسرح    رئيس الجمعية الكورية للمسرح يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    ننشر توصيات اجتماع وزراء السياحة بالدول الثماني النامية بالقاهرة    تجهيز مستشفى السباعية وتطوير قسم الغسيل الكلوي ب«كوم أمبو»    كلية التمريض جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول المشروع القومي لمشتقات البلازما    شوبير يكشف مصير بيسيرو مع الزمالك وأبرز المرشحين لخلافته    في ذكرى وفاته ال23.. المايسترو صالح سليم حاضر في قلوب الأهلاوية وإرثه يلهم الأجيال    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    تطوير منطقة الكيت كات أبرزها.. تفاصيل لقاء محافظ الجيزة رئيسَ "التنمية الحضرية"    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    مركز السينما العربية يكشف عن برنامجه في مهرجان كان السينمائي ال78    أبرز اللقطات من داخل عزاء زوج كارول سماحة | صور    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    عقب التوتر مع باكستان.. حكومة الهند تأمر الولايات بتدريبات دفاع مدني    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    18 مايو.. بدء محاكمة مرتضى منصور في اتهامه بسب خالد يوسف وزوجته    محافظ أسوان يترأس اجتماع المجلس الإقليمى للسكان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    قرار عاجل من التعليم لإعادة تعيين العاملين من حملة المؤهلات العليا (مستند)    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    شوبير: الأهلي استقر على مدربه الجديد من بين خمسة مرشحين    وزير الري: خطة وطنية لمراجعة منشآت حصاد مياه الأمطار    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    «العربية للتصنيع» تتعاون مع شركة أسيوية لتأسيس مشروع لإعادة تدوير الإطارات المستعملة    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا في مستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.نادر الفرجاني يكتب:إساءة حكم المرحلة الانتقالية
نشر في الدستور الأصلي يوم 08 - 10 - 2011

لا يجوز تعليل ظاهرة تاريخية كبرى مثل ثورة شعب مصر الفل، التي قامت موجتها الرئيسية الأولى في نهايات يناير 2011، وانتهت بتنحي الطاغية رأس التشكيل العصابي الذي كان يحكم أرض الكنانة، بإرجاعها لسبب واحد. حيث يتضافر عديد من العوامل المتداخلة في تسبيب مثل هذه الظواهر التاريخية الاستثنائية. ومع ذلك يمكن الزعم بأن الظرف الموضوعي الأساس لقيام الثورة كان بلوغ مزيج الإفقار والقهر والفساد الذي أطلقه النظام الساقط على الشعب الطيب ذروة لا تطاق من الظلم والاستكبار السافرين والفاجرين. ولا شك في أن عديدا من العوامل الذاتية الإضافية قد ساهم في إشتعال شرارة ثورة الفل الرائعة، قد نذكر منها اغتيال شهيد البطش البوليسي الشاب خالد سعيد ومحاولة النظام الساقط التعمية على الجريمة الشنعاء، والتزييف الفاجر والمفضوح للإرادة الشعبية في الانتخابات التشريعية في العام 2010.
ولا ريب في أن بلوغ نقطة انفجار الغضب الشعبي في ثورة الفل التي أطاحت بزعيم التشكيل العصابي الإجرامي قد استغرقت وقتا طويلا حتى ظن البعض أن الشعب المصري قد استكان للمذلة والهوان، وكم كانوا مخطئين! ويقيني أن العامل الحاسم في طول فترة الحضانة للفعل الثوري، كان هو ضرورة بلوغ ذروة الشعور بالغضب والمهانة، التي ما إن بُلِغَت حتى اندلعت نار الثورة المتعاظمة من مستصغر الشرر مثل الدعوة لمظاهرة في ميدان التحرير على صفحة موقع للتواصل الاجتماعي على الإنترنت، موحدة الشعب العظيم في مواجهة الظلم والقهرن وصاهرة لجميع فئاته وطوائفة في وحدة نبيلة وجسورة. ومع ذلك لا يجب أن يغيب عن هذا التحليل السببي رصد تصاعد مد الاحتجاج الشعبي في السنوات القليلة السابقة على اندلاع ثورة الفل.
ولا خلاف الآن على أن إسقاط رأس التشكيل العصابي الإجرامي الذي كان حاكما للبلد الطيب وقاهرا لشعبه الكريم، توسلا بالفساد والاستبداد وتزوير إرادة الشعب والنهب الفاجر لدم الشعب وعرقه، من خلال ثلاثية خنق الحريات والتدليس الإعلامي والبطش البوليسي الغاشم، لم يتبعه، كما كان مأمولا، إسقاط باقي النظام العفن وتطهير أرض الكنانة من آثامه تمهيدا لاكتمال الثورة ونيل غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية. ويقع اللوم في حماية بقايا النظام الساقط والتقاعس عن حماية الثورة الشعبية، على السلطة الانتقالية التي يسر لها الطاغية المخلوع تسلم السلطة العليا، وائتمتنها الثورةالشعبية على حماية اكتمال الثورة ونيل غاياتها، أي المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتبعته حكومته الذلول. ومن ثم، يثور التساؤل الآن: هل أخطات الثورة بائتمان المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبادعاء رئيس حكومته الانتماء للثورة؟
الزعم الرئيس لهذا المقال هو أن من يتمعن في أحوال مصر والمصريين في الحقبة الراهنة لابد يلحظ التشابه المفزع بين اللحظة التاريخية الراهنة وحقبة نهايات عصر الحكم التسلطي الذي قامت ثورة الفل لإسقاطه. في الواقع، يكاد التشابه يصل حد التطابق بما ينضج ظرفا موضوعيا، وشعورا بذروة من الظلم والمهانة، تماثل تلك التي أطلقت الثورة الشعبية، ونزيد هذه المرة الإحساس بالخديعة من السلطة الانتقالية، ما يمهد لاشتعال موجة رئيسية تالية من الثورة الشعبية على الحكم التسلطي وجرائره، قد لا تبقي ولا تذر.
وحتى لانستغرق في تعداد سلبيات الواقع الراهن، ما قد ينشر إحباطا مضرا، نشير فقط إلى استمرار الانفلات الأمني نتيجة لتقاعس السلطة الانتقالية عن الإصلاح الجدي لمنظومة الشرطة التي أسسها النظام الساقط على عقيدة البطش بالمواطنين وبحقوقهم. وزادت السلطة الانتقالية من الضرر بإضافة أدوات البطش العسكرية التي تخطت بعض تجاوزاتها (مثل فحص العذرية المشين) أسوأ جرائم الشرطة المدنية؛ ويصب في المجرى ذاته تفعيل حالة الطوارئ التي نعلم من خبرة النظام الساقط أنها أبدا لم تحقق أهدافها المخادعة المعلنة ولم تستخدم إلا لتكبيل الحريات وقمع المعارضة الوطنية؛ ولا ننسى اشتداد الظلم الاجتماعي في ظل إطراد السياسات الاقتصادية للنظام الساقط وإحجام السلطة الانتقالية عن أي إجراءات لبدء إقامة العدالة الاجتماعية؛ ولا مناص من الإشارة إلى العودة إلى تقييد الإعلام في ظل إعادة منصب وزير إعلام السلطة وتكريس نفاق أولي الأمر واعتماد إدانة وتجريم الاحتجاج الشعبي في الإعلام الرسمي من قبل إعلاميين متسلقين إمعات.
ولعلنا نشير فقط إلى مسألة التعثر الاقتصادي والمالي. فقد عاد الإعلام الرسمي إلى ترديد أكاذيب النظام الساقط عن أن النمو الاقتصادي كان "قويا" قبل الثورة، موحيا بأن الثورة، خاصة ما يسمونه الاحتجاجات الفئوية، هي السبب في الأزمة الاقتصادية الحالة وتناقص الاحتياطيات المالية، ومتجاهلا حقيقة أن النظام الساقط قد ترك اقتصادا غير منتج، ضعيفا ومهلهلا، يسود فيه الاحتكار القاتل للكفاءة وللعدل كليهما، وفوق كل ذلك منهوبا بفجاجة وفجر، ماأنتج استشراء البطالة والفقر بين عامة الناس بينما أثرت بطانة الطاغية المخلوع فحشا. ولا ريب في أن الفترة التالية للثورة قد شهدت ركودا في السياحة وعزوفا عن الاستثمار أساسا بسبب الانفلات الأمني. ولكن الحق يقتضي الاعتراف بأن هذا الانفلات كان من تركة النظام الساقط، وقد جرى طبقا لخط وضعتها الأجهزة السرية لوزارة داخلية المخلوع، تحت قيادة المجرم الجلاد العادلي، لنشر الفوضي بتوظيف الشقاة الصعاليك أدوات الحكم الساقط وحزبه المنحل، عند الإحساس بتهديد مصيري للنظام. وزادت السلطة الانتقالية تعميق الانفلات الأمني بإخفاقها في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإصلاح منظومة الأمن بما يكفل حسن أدائها لدورها الأصولي في حماية أمن المواطنين وصيانة حقوقهم، بل أعادتها رويدا لدورها في نظام الطاغية المخلوع لضمان أمن السلطة الحاكمة، ولو بإهدار حقوق المواطنين وحرياتهم، وداعمة لها في هذا الغرض الخبيث بأجهزة القهر العسكرية.
كما يجب التنبه لأن قسما غير صغير من الخسارة الناجمة عن الفساد الفاجر والنهب الإجرامي للبلد والشعب، بل وهروب المجرمين المتسببين فيه، وبعضهم تكشف أنهم كانو أيضا خونة للوطن وعملاء لأعداء، قد تم تحت سمع ونظر، وربما تيسير، المرحلة الأخيرة من نظام حكم الطاغية المخلوع، خاصة نائبه ورئيس آخر حكوماته، والسلطة الانتقالية ذاتها. كما تباطأت السلطة الانتقالية في المتابعة الجادة للأموال المنهوبة وتقاعست عن المحاكمة الناجزة للأنذال المسئولين عنها، بما يكاد يقضي على أي احتمال لاستعادة ولو قسم يسير من ثروة شعب مصر المنهوبة من قبل الطاغية المخلوع وأسرته وباقي تشكيله العصابي المجرم.
فمن المسئول حقا عن التعثر الاقتصادي الراهن؟ وهل هم حقا جيوش المستضعفين على أرض مصر الذين تضن عليهم السلطة الانتقالية بإقرار حد أدنى للأجور يضمن الحياة الكريمة، وترفض بإباء وإصرار تحديد حد أعلى للأجور يوحي برغبتها في تحقيق أحد غايات ثورة الفل، في العدالة الاجتماعية.
لا غرابة إذن أن تصاعد مد حركات الاحتجاج الشعبي على تفاقم فقدان الأمن واستشراء الظلم الاجتماعي على الرغم من تفعيل المجلس العسكري لحالة الطوارئ وقانون تجريم الإضرابات الذي ما كان له أن يصدر عن حكومة تدعي الانتماء للثورة، وقد ثبت زيف الإدعاء بالقطع.
ولكن، إحقاقا للحق، ينبغي الاعتراف أن التركة الثقيلة التي تركها نظام الحكم التسلطي الساقط بعد أطول من ثلاثة عقود من الفساد والاستبداد والنهب المنهجي الفاجر، ما كان يمكن نقضها خلال شهور قليلة. ولهذا فإن ما تلام السلطة الانتقالية عليه بحق هو التقاعس عن تطهير البلاد من بقايا التشكيل العصابي الذي كان يحكم البلد، قوانين ومؤسات وسياسات وشخوصا مفسدين في الأرض، وعن مجرد البدء، جديا، بإجراءات تضمن إكتمال الثورة ونيل غاياتها. بل بدا في أحيان أن السلطة الانتقالية كانت على استعداد للتجني على الشعب، خاصة الشباب النشط، والمستضعفين، لحماية بقايا النظام الحقير وتمكينه، وكأنها منه وله، حتى عاد الآن مهددا السلطة الانتقالية ذاتها إن ما جرؤت على الاقتراب منه، ولو بالقانون والحق.
وفي النهاية، لا يصح الادعاء بأن الموجة الرئيسية الثانية من الثورة الشعبية ستحتاج فترة حضانة طويلة. والسبب أن الشعب في نهايات 2011 قد اختلف نوعيا عنه في نهايات 2010. فقد اكتسب الشعب مناعة ضد ثلاثية خنق الحريات والتدليس الإعلامي والبطش البوليسي الغاشم التي عادت لها السلطة الانتقالية لإجهاض إمكان الثورة الشعبية، وأمسى شعب مصر العظيم، لا سيما أجيال الشباب العظيمة، يتحلي بعزيمة ماضية يكاد يستحيل قهرها، شحذها الانتصار الأولي المبهر بإسقاط رأس التشكيل العصابي الساقط بعد أن كان يظن أن لا راد له.
وقد يتسبب شعور الشعب بالخديعة من قبل السلطة الانتقالية التي ائتمنها على ثورة الفل، في أن تنحرف الموجة الرئيسية الثانية من الثورة الشعبية عن مثال النقاء والسلمية الذي وسم الموجة الرئيسية الأولي ولن يكون ملوما وقتها في سفر التاريخ إلا السلطة الانتقالية التي تنكرت لواجبها وحتى لالتزاماتها المعلنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.