زيلينسكي: نواجه نقصا في عدد القوات.. والغرب يخشى هزيمة روسية أو أوكرانية    زعيم كوريا الشمالية يشرف على اختبار صاروخ جديد: تعزيز الحرب النووية    مباراة الأهلي والترجي اليوم في نهائي دوري أبطال إفريقيا.. الموعد والقنوات الناقلة    الأرصاد توجه رسالة عاجلة للمواطنين: احذروا التعرض للشمس    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    عاجل - "تعالى شوف وصل كام".. مفاجأة بشأن سعر الريال السعودي أمام الجنيه اليوم في البنوك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    اختفاء عضو مجلس نواب ليبي بعد اقتحام منزله في بنغازي    موعد انتهاء امتحانات الشهادة الإعدادية الترم الثاني محافظة الإسماعيلية 2024 وإعلان النتيجة    أنباء عن حادث على بعد 76 ميلا بحريا شمال غربي الحديدة باليمن    حكايات| «نعمت علوي».. مصرية أحبها «ريلكه» ورسمها «بيكمان»    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    رقص ماجد المصري وتامر حسني في زفاف ريم سامي | فيديو    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    تدخل لفض مشاجرة داخل «بلايستيشن».. مصرع طالب طعنًا ب«مطواه» في قنا    ملف يلا كورة.. رحيل النني.. تذاكر إضافية لمباراة الترجي والأهلي.. وقائمة الزمالك    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    فانتازي يلا كورة.. هل تستمر هدايا ديكلان رايس في الجولة الأخيرة؟    أحمد السقا يرقص مع ريم سامي في حفل زفافها (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    التشكيل المتوقع للأهلي أمام الترجي في نهائي أفريقيا    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    الاحتلال يحاول فرض واقع جديد.. والمقاومة تستعد لحرب استنزاف طويلة الأمد    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبن مشيش ... الكنز المطمور
نشر في المشهد يوم 04 - 12 - 2014


شخصيات خالدة (2):
الولي الشهيد… عبد السلام بن مشيش الإ دريسي العلمي :
)المغرب مليئ بالأسرار،وهو محل الأسرار والكتم، وهو أشرف دول العالم الإسلامي، ومولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه هو سلطان سلاطين أولياء المغرب...(
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله، صلاة تفتح لنا بها أبواب السر والتيسير، وتغلق بها عنا أبواب الشر والتعسير، إنك على كل شيء قدير الواحد الغفار وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بين التلميذ وأستاذه :
شعر بيقظة قلبية وانتباهة روحية ورغبة جامحة في التقرب إلى الله، فبدأ البحث عن الأستاذ والدليل والموجه والمرشد والمصحوب.... لكن أين هو؟
فلنرحل إلى بغداد منارة العلم والعلماء ففيها الفقهاء والمحدثون و فطاحلة العلم.
وصلنا إلى بغداد وهاهو يلتقي العالم الكبير أبا الفتح الواسطي، لكن أبا الفتح يفاجئه فيخبره بأن مطلوبه لا يوجد بالعراق. إذن هو أين؟
يجيب: هو في بلدك (المغرب).
قفل راجعا يبحث عن مبتغاه، يسأل هنا وهناك، يبحث وينقب، وإذا بصبح الفرج يبزغ فجره ليجد ما يريد، نعم وجد الأستاذ والمربي الذي كان يبحث عنه، وجده في مغارة بأعلى الجبل كان يسكن ويعبد الله فيها.
وقد ورد عن تلميذه قال: "كنت في سياحتي فأتيت إلى غار لأبيت فيه فسمعت فيه حس رجل فقلت: والله لا أشوش عليه في هذه الليلة فبت على فم الغار، فلما كان عند السَّحَر سمعته يقول: اللهم إن أقواما سألوك إقبال الخلق عليهم وتسخيرهم لهم، فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك، اللهم إني أسألك إعراضهم عني واعوجاجهم علي حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك.
قال: ثم خرج فإذا هو أستاذي فقلت له: يا سيدي إني سمعتك البارحة تقول: (كذا وكذا…)
استأذن التلميذ أستاذه فأجابه: "اذهب فاغتسل" فذهب بجوار المغارة وكان بها ماء فاغتسل ثم عاد إلى الشيخ فقال له: "اذهب فاغتسل"، فذهب ثم عاد فقال له ثالثة: "اذهب فاغتسل".
ماذا هناك؟! لقد اغتسل وتوضأ.
لكن الشيخ كان يريد اغتسالا معنويا وروحيا، كان يريد منه أن يغتسل من اعتداده بعلمه وعمله، ويتجرد من حوله وقوته، ويخرج من فخره وخيلائه وذنوبه، فانتبه التلميذ وفعل.
قال التلميذ بعد ذلك بزمن متحدثا عن هذه اللحظات وقد صار حينها أستاذا ومربيا كبيرا: "خرجتُ من علمي وعملي وطلعت إليه فقيرا، وإذا به هابط علي (...) فقال لي: مرحبا (...) طلعت إلينا فقيرا من علمك وعملك فأخذت منا غنى الدنيا والآخرة (...) فأقمت عنده أياما إلى أن فتح الله على بصيرتي". وهكذا التقى التلميذ بالأستاذ بعد رحلة بحث طويلة.
لكن مَن التلميذ؟ ومَن الأستاذ؟.
التلميذ هو العالم الشهير أبو الحسن الشاذلي، والأستاذ هو الشيخ والإمام والشهيد والمربي الكبير مولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه وأرضاه.
لكن ورغم رغبته في التخفي فقد أصبح تلميذه أبو الحسن الشاذلي أشهر من نار على علم حتى أصبحت تسير بذكره الركبان وكُتب لاسمه وآثاره الخلود، ومن ثم كان لابد لكل من أراد الحديث عن أبي الحسن أن يتحدث عن مرشده وأستاذه وشيخه.
سنستذكر سيرة هذا الشيخ الجليل الذي تصدى للفتن في بلاد المغرب في زمن سادته الفرقة وتفشت بين فئاته الصراعات الدامية.. وما أشبه اليوم بالماضي، فلم يقف ابن مشيش مكتوف اليدين إزاء الفتن التي تفشت في البلاد.. ونزل عن منصة الخطابة كي يفعل شيئاً من أجل التصدي لمثيري الوقيعة والفتن بين الطوائف الإسلامية المختلفة.. من شيعة وغيرها، وما أحوجنا اليوم لأمثاله.
فمن هو إبن مشيش!!؟
هو عالم متصوف عاش في زمن الخلافة الموحدية، وولي اشتهر بالصلاة المشيشية، وهي صيغة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شيخ أبي الحسن الشاذلي الولي المشهور، ولد بمنطقة بني عروس، تعددت ألقابه لجلالة قدره وعلو همته، فلقب بشيخ مشايخ الصوفية، وبإمام أئمة الطريقة الصوفية الشاذلية، وبالقطب الشهيد، والكنز المطمور، والغوث الأشهر وغيرها…، فضلا عن أنه من العلماء العارفين، والزهاد الورعين، وكبار المتصوفة المتحققين.
وقد ظهرت عليه بوادر الصلاح والتقوى منذ صباه، حين قال عنه أحد مؤرخيه: "هو الذي أنواره منذ كان في المهد صبيا، ثم طوى في السياحة في صباه الأرض طيا...، حفظ القرآن بالروايات السبع وهو إبن الثانية عشرة، وقضى في سياحته أكثر من خمسة عشرة سنة، درس وتعلم على يد كبار العلماء والشيوخ، من بينهم: الولي الصالح سيدي سليم شيخه في القرآن، والفقيه العلامة سيدي أحمد الملقب بأقطران، شيخه في الدراسة العلمية، ثم شيخه في التربية والسلوك العارف بالله سيدي عبد الرحمن بن الحسن الشريف العطار المدني، الشهير بالزيات، الذي أخذ عنه الطريقة، وشرب من يده عوالم الحقيقة".
كان علاوةً على علو همَّتِهِ وحالهِ عالمًا فاضلاً جليل القدر، متحمِّسا للدين عاملا على نشر فضائله.
ألِفَ العبادة والنُّسك من صغره، يقول سيدى الإمام أبو الحسن الشاذلى: إنه سلك الطريق إلى الله منذ أن كان عمره سبع سنين وبعد أن سار فى العبادة أشواطا وبلغ مبلغ الفتيان، ظهر له من الكشف أمثال الجبال، وهو مازال بعدُ فى بواكير شبابه، ثم نزع إلى السياحة وأقام فى السياحة ست عشرة سنة كاملة.
والسياحة أصلها الذهاب على وجه الأرض، أي أن الشيخ عبد السلام سار على سنة أسلافه، فسافر متعبدا، وسافر متعلما، قال تعالى: [التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ] سورة التوبة 112
لم يكن عبد السلام بن مشيش يتطلَّع إلى شهرة ولا زعامة، وقد نفض قلبه من حبِّ الرِّياسة، حيث بالغ فى إخفاء نفسه حتى يكون سرُّه مع الله دائما.
توارى عن الأعين وتباعد عن الظهور، وتجرَّد للعبادة وفرَّ بنفسه عمَّا فيه الناس من الفتن.
تعلم في الكتّاب فحفظ القرآن الكريم وسنه لا يتجاوز الثانية عشر، ثم أخذ في طلب العلم، بالإضافة أن ابن مشيش كان شخصا سويا يعمل في فلاحة الأرض كباقي سكان المنطقة ولم يكن متكلا على غيره في تدبير شؤون معاشه، تزوّج من ابنة عمه يونس وأنجب منها أربعة ذكور هم: محمد وأحمد وعلي و عبد الصمد وبنتا هي فاطمة.
كان ذا جد واجتهاد ومحافظة على الأوراد، قطع المقامات والمنازلات حتى نفذ إلى طريق المعرفة بالله، فكان من العلم في الغاية و من الزهد في النهاية، ورغم زهده، وطول سياحته، لم يغفل الجانب الأسري ولا العلمي من حياته، فأعطى لكل ذي حق حقه، دون الخروج عن جادة الشريعة.
يتصل نسبه برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ينتهي نسبه إلى إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبذلك يكون من بين أجداده أربعة ملوك حكموا المغرب في دولة الأدارسة، بالترتيب الزمني هم : إدريس الأول بن عبد الله الكامل، وإدريس الثاني بن إدريس الأول، ومحمد بن إدريس الثاني، وعلي المدعو حيدرة بن محمد الإدريسي.
الصلاة المشيشية :
هذه الصلاة لدفين جبل العلم القطب الإمام عبد السلام بن مشيش من أكرم ما وصفت به الحقيقة المحمدية، ولها أنوار وأسرار يعرفها من هو من أهلها.
وقد شرح معانيها الصوفية الدقيقة، وإشاراتها الروحانية العميقة بعض الربانيين من أهل الله، فليس فيها عبارة تتعارض مع الكتاب والسنة، إلا عند الفهوم السطحية القاصرة، كما مزجها أكثر من واحد بطريقة لطيفة، كأنها شرح بسيط لبعض معانيها الشريفة، ولشيخنا الإمام الرائد رحمه الله تعالى شرح لطيف موجز عليها.
هذه الصلاة حارت عقول العارفين في شرحها و تفسيرها،... أسرار الصلاة المشيشية فيها التجريد و التفريد و التوجه و الإنسلاخ من الشوائب والتعلقات الدنيوية و الأخروية،لأن صاحبها كان له قلب مفرد فيه توحيد مجرد وغرق في بحر الوحدة،ولها أزجا و تصريفات، اعتكف بهذه الصلاة مولانا عبد السلام بن مشيش قدس الله سره في وسط المغارة 14 سنة.
وهذا نص الصلاة المشيشية:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على مَنْ منهُ انشقَّت الأسرار، وانفلقَتِ الأنوارُ، وفيهِ ارتقَتِ الحقائقُ، وتنزَّلتْ عُلومُ آدمَ فأعجزَ الخلائقَ، ولهُ تضاءَلتِ الفُهومُ فَلمْ يُدْرِكْهُ منّا سابقٌ ولا لاحِقٌ، فرياضُ الملكوتِ بزهرِ جماله مونِقةٌ، وحياضُ الجبروتِ بِفيضٍ أنوارِهِ مُتدفّقةٌ، ولا شيءَ إلا وهوَ به منوطٌ، إذ لولا الواسِطةُ لذهَبَ كما قيلَ الموسوطُ، صلاةً تليقُ بكَ مِنكَ إليهِ كما هو أهلهُ، اللهمَّ إنّه سرُّكَ الجامعُ الدَّالُّ عليكَ، وحِجابُكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ، اللهمَّ ألحقْنِي بنسبِهِ، وحقِّقْنِي بحسَبِهِ وعرِّفني إِيَّاهُ مَعرفةً أسْلمُ بها مِن مواردِ الجهلِ، وأكرعُ بِها مِنْ مَوارِدِ الفَضل. واحملني على سَبيلِهِ إلى حَضْرتِكَ حَمْلاً محفوفاً بِنُصْرَتِكَ، واقذفْ بي على الباطل فأدمغَهُ، وزُجَّ بي في بحار الأَحَدِيَّة، وانشُلني من أَوْحالِ التَّوحيدِ، وأغرقني في عين بحْرِ الوَحدةِ، حتى لا أرى ولا اسمَعَ ولا أَجِدَ ولا أُحِسَّ إلا بها، واجعلْ الحِجابَ الأعظمَ حياةَ رُوحي، ورُوحَهُ سِرَّ حقيقتي، وحقيقَتَهُ جامعَ عَوالمي، بتحقيقِ الحقِّ الأوّلِ، يا أَوّلُ يا آَخِرُ يا ظاهِرُ يا باطنُ، اسمع ندائي بما سمعْتَ به نداءَ عبدِكَ زكريا، وانصُرني بكَ لكَ، وأيّدني بكَ لكَ، واجمعْ بيني وبينَك وحُلْ بيني وبينَ غَيرِك، اللهُ، اللهُ، اللهُ ((إنَّ الذي فرضَ عليْكَ القُرآنَ لرادُّكَ إلى معادٍ))، ((ربَّنا آتِنَا مِنْ لدُنْكَ رحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً)).
قدسية موت مولاي عبد السلام:
آنذاك ساءت الحال جداً في بلاد المغرب، فلم يعد يطاق بالنسبة للشيخ الإمام إبن مشيش، إذ تناهى إلى سمعه ما يروجه كثير من الضالين الغاوين في أنهم يتلقون الوحي، وإعلانهم بالتالي النبوة، الأمر الذي شجع ضعاف النفوس والجهلاء لاتباعهم، فيما انشغل العلماء في صراعهم المذهبي.
وتحت إلحاح تلاميذه ، شمّر الشيخ ابن مشيش عن ساعديه.. وهبط عن الجبل.. يناجز الضالين ويقارعهم بما أوتي من علم وحنكة وحجة يعززها فقه عميق وعقل مستنير، ناهيك عن شخصيته الوديعة الحسنة القبول، وابتسامته التي لا تفارق محياه.
فأخذ عليهم إبن مشيش بالمنطق والحجة، داحضاً كل ما ادّعوه ومضيّقاً عليهم الخناق..
كان يعلم إبن مشيش أن البلاد تفتقر للأمان، لانشغال السلاطين في صراعاتهم الداخلية، والعلماءِ في صراعاتهم المذهبية، فأحكم خصومه المتربصين به تطويقه، وترصدوا له بعد أن ضيّق عليهم الخناق بين الناس وعزلهم عنهم، فاغتاله أبو الطواجن الكتامي الساحر المدعي النبوة.
بعد أن أعلن عليه المتصوف عبد السلام بن مشيش حربا ضد أفكاره وادعاء اته، وذلك من خلال دعوة القبائل بالحجة والدليل حول فساد دعوة أبي الطواجين، لإقناعها بتركه.
قصة إغتياله:
كان سبب شهادته أن محمدا بن أبي الطواجين الكُتَامِيّ كان قد ثار بتلك البلاد وانتحل صناعة الكيمياء ثم إدعى النبوة وتبعه على ضلالته كثير من العوام، فسول له الشيطان أنه لا يتم أمر مَخْرَقَته، في تلك الناحية إلا بقتل الشيخ، فدس له جماعة من أتباعه وأشياعه، ويذكر أنه كان لإبن أبي الطواجين جم غفير من الأتباع، وفي بعض الروايات أن غالبية مرتاديه كانوا من النساء يقصدن إبن أبي الطواجين من أجل العرافة والسحر والأعمال الشيطانية، وكان يستغلهن في إطفاء نزواته الجنسية الزائدة.
كانت عادة الشيخ إبن مشيش قبل صلاة الصبح أن يخرج من خلوته ومكان تهجده حيث ينزل إلى عين ماء تسمى إلى يومنا بعين القشور فيتوضأ من مائها البارد ثم يصعد منها إلى مكان عال يرتقب منه طلوع الفجر ليصليه ويصلي الصبح.
فرصدوا الشيخ حتى نزل من خلوته في سحر من الأسحار إلى تلك العين هنالك قرب الجبل المذكور وبينما مولاي عبد السلام في ليلة مشؤومة من ليالي عام 622ه يرتقب صعود الفجر فاجأه رهط من أتباع أبي الطواجين حيث طعنه بسكين من نحاس أصفر وفر هاربا. و تزيد الرواية فتقول بأن ضبابا كثيفا غشيهم فضلوا الطريق وسقطوا من مكان شاهق وتمزقوا أي ممزق .
وفي هذا الجانب قال ابن خلدون ( قتله في جبل العلم قوم بعثهم لقتله ابن أبي الطواجن الكتامي الساحر المدعي النبوة ) فكان شهيد الذود عن الإسلام وعن شريعة الله تعالى.
وتقول كتب التاريخ أن الذين دفعوا لاغتيال المولى عبد السلام بن مشيش وهو قائم لصلاته في فجر ذات يوم قد حل بهم عذاب الله العاجل وماتوا شر ميتة فذهبوا وذهب ريحهم ومحي ذكرهم فإن المولى عبد السلام بن مشيش لا يزال رفيع الشأن حاضرا الحضور الفاعل في قلوب المؤمنين والمحبين.
ومن هنا فابن أبي الطواجين اكتسب هذه الكنية من صناعة الطواجين الفخارية.

ودُفن رضي الله عنه بموضعه بجبل العلم بثغر تطوان، ومقامه من الأماكن التى يستجاب عندها الدعاء،حيث أن مقامه فى المغرب كمقام الشافعى بمصر.
لكن قبره سرعان ما خفي على الناس، وظلوا يزورونه ليتبركوا بالمكان الذي دفن فيه دونما تحديد لقبره وبقي الأمر على هذه الحال إلى مجيء الولي الصالح سيدي عبد الله الغزواني الذي أعاد اكتشاف قبره في القرن العاشر حيث رآه في المنام وهو يعين له مكان القبر.
لما توفي سيدي عبد السلام بن مشيش لم يترك إرثا لأولاده الثلاثة سوى، مصحفا و سيفا و مسبحة:
• وارث المصحف، خرج من ذريته علماء
• وارث السيف، خرج من ذريته مجاهدون
• وارث المسبحة، خرج من ذريته الذاكرين الله، و صاحبنا منهم.
وجدير بالذكر هنا أننا نجد بجبل العلم المقابر والأضرحة التي تضم رفات جُل أسلاف العلميين وقد حددت موقع الكلام للدكتور أمل العلمي، أربعة عشر ضريحاً وإنها وان دلت على شيء، فإنما تدل على تلكم السلسلة المباركة من أولياء الله الشرفاء من العترة النبوية الطاهرة المطهرة من اسلافنا رحمهم الله، الصلحاء، المصلحون، الذين اجتباهم الله وصرفهم عن الدنيا وحطامها، وعمر قلوبهم بذكره تعالى والعزوف عن الدنيا وحب الآخرة فاعتصموا بتلكم الأرض الطاهرة على أعلى قمة من جبل العلم يدرسون العلم ويُدرسونه، ويحفظون كتاب الله الذي يُتلى بدون فتور ليل نهار بأماكن العبادة فتسمع تلاوته كأنه أزيز نحل يحوم حول شهده.
ولا يزال هذا الجبل يسمى إلى اليوم باسم "جبل العلام" باللهجة المحلية، أي العلم ومعنى العلم في اللغة العربية: الجبل المرتفع. والحقيقة أن جبل العلم المذكور هو فعلاً جبل شديد الارتفاع، وجد عائلة العلمي (عبد السلام بن مشيش الادريسي الحسني) مدفون في قمته حيث توجد خلوته التي كان يتعبد فيها.
وقبر عبد السلام بن مشيش دائما يتلى فيه القرآن والمكان الذي يتلى فيه القرآن تكون فيه الملائكة.
ويبدو بأن هذا الجبل قد سميّ بجبل العلم أي بجبل سيد القوم نسبة إلى المغفور له عبد السلام بن مشيش لأنه من غير المعقول لغوياً بأن يسمى بجبل العلم ليقصد من كلمة العلم الجبل أيضاً !!
وعبد السلام بن مشيش إلى يومنا هذا له مكانة خاصة عند المغاربة ومحبة، تجتمع فيها محبة آل البيت والعثرة الشريفة عموما وبني مولاي إدريس الأول على الخصوص، الحسنيون العلويون، الهاشميون.
إذ يكتسي القطب عبد السلام بن مشيش مكانة كبيرة في تاريخ المغرب الثقافي، ذلك أنه يمثل المنبع الذي انبثقت عنه عديد المسالك الفكرية والتربوية بالغرب الإسلامي على مدى قرون.. ويكفي أن نعرف أنه أستاذ الشاذلي، وما أدراك ما الشاذلي، علما وتربية وعلو همة وتأثيرا في العالم مشرقا ومغربا.
المشهد.. لا سقف للحرية
المشهد.. لا سقف للحرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.