كشفت مجلة ال"فورين بوليسي" من خلال تقرير مطول عن عمليات تمويل قطر للجماعات الإرهابية وسعيها إلى السيطرة على النفوذ فى الشرق الأوسط والولاياتالمتحدة من خلال أموالها التى تحصل عليها من النفط. واقتتحت المجلة تقريرها بالقول "مولت الدولة الصغيرة الغنية بالنفط ملايين الدولارات من خلال شبكات غامضة لمقاتلين معارضين ومتطرفين فى سوريا، بهدف خلق سياسات خارجية أكبر من حجمها، وبعد سنوات من السكوت والاستفادة من علاقاتها وتوسطها لدى تلك الجماعات، بدأت واشنطن تدرك أخيراً حقيقة ما يحدث وتتحرك"، وجاء التقرير تحت عنوان "القضية ضد قطر"وكتبته "اليزابيث ديكنسون" في 30 سبتمبر الماضي. وتناول التقرير أحد المعارضين السوريين المقيمين في الدوحة، واسمه "حسام" والذي كان تحت سيطرته فى ذروة الأحداث السورية خلال عامى 2012 و2013، ما يقرب من 13 ألف رجل تحت سيطرته بالقرب من مدينة "دير الزور" شرق سوريا. وحسام هو أحد الذين حصلوا على التمويل القطرى والدعم اللوجيستى منها، واوضح التقرير إن التمويل الذى حصل عليه اللواء التابع لحسام، كان يأتيه مباشرة من وزير الخارجية القطرى "خالد بن محمد آل عطية"، ويقول حسام "فى البداية تلقينا الأموال مع عشرات الكتائب والألوية المعارضة الأخرى، ومع مرور الوقت تبدل الحال ولم نعد نحصل على تمويل، ولهذا بحثنا عن مصادر تمويل أخرى، حيث كان المال يلعب دوراً كبيراً فى الجيش السورى الحر". وقال التقرير أن "حسام شخصية هامشية فى شبكة قطر من الإسلاميين التي تشمل العسكريين السوريين السابقين، ومسلحى حركة طالبان، والإسلاميين السودانيين، والصوماليين"، واوضح التقرير أنه "حين بدأت الحرب فى سوريا، أسهمت قطر فى محاولة إسقاط بشار الأسد، وانضم حسام لمجموعة من الرجال الذين استدعتهم الدوحة لتنفيذ سياساتها الخارجية فى دعم المعارضة السورية"، واضاف التقرير أن "هؤلاء الذين يشبهون حسام، كانوا بمثابة سلاح ذى حدين بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة، فمن ناحية، واشنطن لا تذهب بعيداً عن الدوحة عندما تحتاج إلى اتصالاتها بهم، ومن ناحية أخرى، فإن نفس الشبكة القطرية لعبت دوراً فى تأجيج كل بقاع المشكلات الحادثة فى المنطقة ونمو الحركات المتشددة، وتراوحت النتائج من سيئ إلى كارثة فى كل البلدان التى تستفيد من المساعدات القطرية". وقالت ال"فورين بوليسي" في تقريرها أنه "لسنوات طويلة تجاهل المسئولون الأمريكيون شبكة الدوحة من الإسلاميين، بل واستفادت منهم من وقت لآخر، حتى اعلن جيران قطر في السعودية والإماراتوالبحرين استيائهم من هذا الدعم ووبخوا قطر علانية"، وهو ما أجبر قطر على التراجع نسبياً. ويذكر أن شركة "جلين جرين والد" الأمريكية، كانت قد كشفت الشهر الماضي، أن الإمارات أجرت اتصالات مع عدد من الصحفيين، وتبين بعد ذلك أن تلك الاتصالات أسفرت عن كشف كيفية جمع التبرعات لجهات مثل جبهة النصرة، وحركة حماس، بشكل علنى فى الدوحة. وقالت المجلة أن قطر بدأت استراتيجية خاصة بالربيع العربى في مصر وهي الاستراتيجية التي فشلت من حيث بدأت، ففى 3يوليو من العام 2013 اعلنت الحشود المتظاهرة فى ميدان التحرير بالقاهرة، عن فرحتهم بالإطاحة بالرئيس الأسبق "محمد مرسى"، والذى حظيت حكومته بدعم قطرى كبير وصل إلى درجة منحها 5 مليارات دولار، بينما رحبت السعودية والإمارات والكويت بتحركات المصريين للإطاحة ب"مرسى"، وقدموا جميعاً التزامات بمنح مصر مساعدات مالية وصلت إلى 13 مليار دولار. وفى ليبيا وسوريا، "ساعدت قطر على تمويل مجموعات دولية كغطاء لما تفعله، ولكنها أيضاً كانت تقدم المساعدات والدعم إلى الأفراد والميليشيات مباشرة، ولكن فى سوريا "نجحت الشبكة القطرية فى إصابة أهدافها بشكل أكبر، وأدى التنافس بين العملاء السعوديين والقطريين الى جعل المعارضة السياسية بلا أسنان، وبات ينظر إليها على أرض الواقع على أنها تابعة للقوى الأجنبية، وفى تلك الأثناء، خلال عامى 2012 و2013، تسبب انتشار الجماعات المسلحة التى تزايد غرورها، فى انطلاق منافسة من نوع جديد على التمويل، وأصبح بعض عملاء قطر جماعات رئيسية، مثل لواء التوحيد الذى وحد قائده المسلحين فى معركة للسيطرة على حلب التى انقسمت بالفعل". ويقول حسام "سرعان ما أصبح نظام المناقصات القطرى مليئاً بالفساد، وبدأ الوسطاء فى المبالغة فى قدراتهم واتصالاتهم على الأرض مع الميليشيات المختلفة أمام المانحين فى الدوحة، أن المال الإضافى كان يذهب فى الاتجاه الخاطئ تماماً، وكانوا يفعلون الأمر نفسه، فإن كانت عملية ما سينفذها فصيل معين فى سوريا يحصل على تمويل من قطر تتكلف مليون دولار، كانت تلك الجماعات تحصل على 5 ملايين على الأقل، وتختفى بعدها ال4 ملايين الأخرى". وأضاف أنه على الرغم من أنه لا معلومات مؤكدة عن أن "قطر دعمت تنظيم داعشن إلا أن أشخاصاً وجماعات عدة استفادت من التمويل القطرى فى البداية للجماعات المقاتلة، انضمت بعد ذلك إلى التنظيمات المتشددة، وهو ما يعنى أنها أسهمت بشكل ما فى بروز هذا التنظيم". وتابعت المجلة "حتى حينما انجذبت المعارضة السورية نحو التطرف، حاولت قطر التخفيف من حدة أثر هذه التحركات، ودعت العالم إلى عدم القلق من هذا التشدد والتطرف، بحجة أن الوقت غير مناسب لهذا القلق، وعليهم أن يتركوا القلق لما بعد"، وقال وزير الخارجية القطرى "خالد بن محمد العطية"، والذى كان يشغل منصب وزير دولة وقتها، إنه يعارض تماماً أى محاولة لإقصاء أى طرف من على الساحة السورية أو وصف أى طرف بالإرهابى أو اتهامه بأنه يتبع تنظيم القاعدة، والغريب أن تصريحات قطر المختلفة والتى أعلنت فيها رفضها للإرهاب وتنظيم داعش، فإنها لم تأت على ذكر تنظيم "جبهة النصرة" على الإطلاق. أما رئيس مركز الجزيرة للدراسات، فإنه يدافع عن دعم قطر للإسلاميين فى الشرق الأوسط بأكمله، ويصف الخلاف بين الدول الخليجية والدوحة على أنها منافسة بين القوى المختلفة حول التغيير أو إبقاء الأوضاع على ما هى عليه. وتضيف المجلة إن قطر "ربما تكون أبعد ما يمكن عن أن تكون الدولة الوحيدة التى تسببت تحركاتها فى تداعيات سلبية في سوريا، فالحرية الكاملة التي تمتعت بها قطر في إدارة شبكتها بسوريا، سببه انشغال الولاياتالمتحدة في الاتجاه الآخر، ففى عام 2011، منحت الولاياتالمتحدةقطر الحرية المطلقة للتدخل في شئون الشرق الاوسط نيابة عن امريكا نفسها ". واستشهدت المجلة بمسئول أمريكى سابق، رفض كشف هويته قال إن "ليبيا هى المثال الحى الأبرز على هذا الأمر، فحينما بدأت إدارة اوباما فى بناء تحالفها لشن غارات جوية على نظام القذافى، استغرق الأمر وقتاً لقيادة هذا التحالف من الخلف، فجعلت فرنسا وبريطانيا تأخذان زمام المبادرة فى تنفيذ منطقة حظر الطيران، فى حين أظهر التورط القطرىوالإماراتى فى تلك التحركات دعماً عربياً كاملاً". وتضيف المجلة " ينطبق الأمر نفسه على سوريا، فعلى الرغم من تكتم مصادر النفوذ المختلفة للولايات المتحدة، خاصة بين الذين عملوا فى ليبيا، فإن الخيار الأقل سوءاً على الإطلاق كان قطر، حيث إنها يمكنها تقديم حل إقليمى للصراع الذى لم يكن البيت الأبيض يرغب فى التورط فيه، وببساطة، دفعت واشنطنقطر إلى عدم إرسال الصواريخ ومضادات الطائرات إلى المعارضة السورية، ولكن قطر واصلت تقديم تلك الصواريخ والأسلحة رغم الطلب الأمريكى". وقال المسئول الأمريكى إنه "علاوة على التساهل اللوجيستى الذى أبدته قطر، فإن الدوحة كانت تتخذ القرارات سريعاً وعلى استعداد لتحمل المخاطر المحتملة، وأرسلت قطر بالفعل طائرات متعددة لنقل ما يقدر ب3500 طن من المعدات العسكرية إلى سوريا فى الفترة ما بين 2012 و2013، وهذا الأمر تم بدعم من الاستخبارات الأمريكية". واضاف قائلا أن "الأمر كان ايجابيا، فلقد تحولت واشنطن إلى الدوحة حينما للاتصال مع حركة طالبان فى أفغانستان، وهو ما دفع قطر إلى الموافقة على منح الحركة فيلا كبيرة فى حى السفارات بالدوحة، لاتخاذها مكتباً للحركة الأفغانية". وتقول المجلة "ولكن سرعان ما تحولت المزايا التى حصلت عليها قطر إلى التزامات، حيث انتقلت الدوحة من أزمة إلى أخرى، وأظهر القطريون قدرة قليلة فى اختيار الوكلاء الموثوق فيهم، كما أخفقوا فى السيطرة عليهم فور أن يتسلموا الموارد العسكرية واللوجيستية منها". ويقول المسئول الأمريكى "فى رأيى، أن القطريين وصناع السياسة فى قطر مجرد هواة"، واشارت المجلة الى ما قاله نائب وزير الخارجية الأمريكى لشئون الإرهاب "ديفيد كوهين" في مارس الماضي من أن "قطر تعتبر بيئة مناسبة ومتساهلة لتمويل الإرهاب"، وكانت تلك التصريحات وقتها غير مسبوقة وبمثابة انتقاد صارخ، وعلق خبراء مكافحة الإرهاب بالقول إن "خروج هذا التصريح علناً كان يعنى أن الولاياتالمتحدة تحاول". وأضافت المجلة أنه "فى 24 سبتمبر الماضى، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية عدة منظمات وجمعيات خيرية لها صلات بقطر، على أنها جماعات إرهابية، واتهمت مواطناً قطرياً بنقل التمويل من الخليج إلى أفغانستان"، وأضافت "فى واشنطن نفسها، زادت الدوحة من وجودها داخل البلاد، حيث نجحت فى التعاقد مع جماعات الضغط النشطة لصالحها، واستطاعت التغلغل فى كل الأنشطة الأمريكية إلى أن أصبحت الراعى لبرنامج تبادل الطلاب والجمعية الخيرية التابعة للكونجرس، كما دعمت قطر جماعات متطرفة فى دول الخليج أيضاً، ومن بينها دعم الحركات السلفية فى البحرينوالإمارات والكويت والسعودية. وأنهت المجلة تقريرها بالتأكيد على أن قطر منحت من تسميهم ب"أصدقائها"، منصة للعمل وتمويلاً دائماً ووسائل إعلام يمكنهم استخدامها كما يحلو لهم، والأهم "عاصمة سياسية"، وأن "واشنطن لعبت جنباً إلى جنب مع قطر حتى الآن، ولكن السؤال يكمن فيما إذا كان يتم التلاعب بواشنطن أم لا؟".