إن الكثير من الناس يعتقد أن فتنة النساء إنما تكون بتعرض المرأة إلى شاب أو رجل ليست بينها وبينه إلا الحب العارض والشهوة الجامحة .. ومع ذلك الرجل مع زوجته قد يتعرض للفتنة أيضا، على الرغم من أنها حلال عليه في ان يعاشرها .. ولكن هناك رجال من الأتقياء لم تفتنهم زوجاتهم وتقعدهم عن أداء حقوق الله سبحانه وتعالى وواجباته انطلاقًا من قوله عز وجل (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). وهؤلاء الأتقياء لم تفتنهم زوجاتهم فقدموا لنا القدوة والمثل. لذلك يكون من المناسب ونحن في شهر كريم أن نعرض بعض المواقف لمجموعة من الصحابة الذين تعرضوا لفتنة زوجاتهم فماذا فعلوا معهم؟.. وكيف تغلبوا على مصاعبهم وقهروا مشاكلهم؟ لقد روى الطبرانى وابن اسحاق.. أن أبا خثيمة رجع من سفر بعد ان سار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدة أيام إلى أهله فى يوم حار فوجد امرأتيه فى عريشين (أى خيمتين) لهما فى بستان له، قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماء فيه، وهيأت له منها طعامًا، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشمس والريح والحر، وأبو خثيمة في ظل بارد، وطعام مهيأ، وامرأة حسناء فى ماله مقيم ما هذه بالنصف؟. ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.. فهيأتا له زادًا ثم ركب دابته فارتجلها وخرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين ترك نزل بتبوك. الرجل على الرغم من شوقه إلى نسائه بعد غيابه عنهما وافتتانه بهما آثر حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يطأ إحدى امرأتيه اللاتي تزين له. فقد هان عليه كل شيء ولم تلهيه فتنة الحياة الدنيا بل شغله حب الجهاد في سبيل لله وحب الدعوة إليه فهان عليه كل غال ورخيص في الحياة. لهذا فإن الله سبحانه وتعالى يمكن لأتقيائه في الأرض ويبدلهم بعد خوفهم أمنًا ومن بعد ضعفهم قوة، وتصبح الدنيا تحت سلطانهم والإنسانية كلها منقادة لأمرهم أو نهيهم. ومن أمثلة السلف الصالح نقتدي بالكثير من العبر والمواعظ فى تغليب مصلحة الإسلام والجهاد على كل مصلحة ذاتية ومنفعة شخصية ومشاعر أسرية ونسبية ولا سيما مشاعر الركون الى الأهل والزوجات. فهذا الصحابي الجليل حنظلة بن أبى عامر لا يقل ورعا أو تقوى عن أبا خثيمة. فقد تزوج حنظلة من امرأة ذات حسب ونسب وعلى درجة عالية من الفتنة والجمال. وهى بنت أبى ليلة الجمعية. وفى صباح ذلك اليوم نادى المنادى (حي على الجهاد) فما أن سمعها حنظلة حتى تقلد سيفه ولبس درعه وامتطى جواده ثم سار إلى القتال فى غزوة أحد، فلما بدأت الحرب قاتل قتال الأبطال، ثم انكشف المسلمون فأخذ حنظلة يقاتل وهو يمر بعينيه بين صفوف المشركين فى أحد حتى يجد أبا سفيان، فلما وجده هجم عليه، فوقع أبو سفيان، وحنظلة يريد ذبحه بالسيف فصاح أبو سفيان مستنجدًا بقريش، فسمع الصوت رجال، فهجموا على حنظلة وضربوه قاتله حتى استشهد رضي الله عنه. وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يطلعه الله سبحانه وتعالى على عالم الغيب فيقول لأصحابه (انى رايت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن فى صحاف الفضة) ويسرع الصحابة الى حنظلة ينظرون إليه فإذا رأسه يقطر ماءًا فأرسلوا الى امرأته يسألونها فأخبرتهم انه ما سمع صيحة الحرب حتى خرج. ورفض نداءاتي وإغراءاتي. لقد كان نداء الله أحب إليه من أى شيء. وصحابي ثالث لا يقل حبًا لله ورسوله. وهو عبد الله بن أبى بكر رضي الله عنهما تزوج (عائكة بنت زيد) وكانت حسناء جميلة ذات خلق بالغ وأدب رفيع فشغلته عن غزواته وجهاده فأمره أبوه الصديق رضي الله عنه بطلاقها وقال معللا. إنها شغلتك عن مغريك فطلقها.. فطلقها فمر به أبوه وهو ينشد. فلم ار مثلى طلق اليوم مثلها ولا مثلها فى غير ذنب تطلق لها خلق جذل ورأى ومنصب على كبر منى وأنى لوامق (أى محب) فرق له أبوه، فأمره أن يراجعها فراجعها ثم شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة بالطائف فأصابه سهم فمات بعده بالمدينة رضي الله عنه. وهذه قصة الصحابي الجليل مرثد ابن أبى مرثد الذي جاءته امرأة تسمى عتاق وطلبت منه أن يبيت عندها فى هذه الليلة فتأبى نفسه ويجمع شهواته ويقول لها يا عتاق إن الله حرم هذا ولكنى إن شئت تزوجتك. فقد رفض هذا الصحابي الجليل بعد دخوله الإسلام أن يفعل ما كان يفعله فى الجاهلية وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يخبره بهذا الأمر ويستفتيه أيحل له أن يتزوجها فانزل الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن). فهؤلاء الأتقياء وغيرهم أرادوا أن يكونوا في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله فخافوا الله سبحانه وتعالى وكانوا يتركون الكثير من الحلال مخافة الوقوع في شرك الحرام.