حين يكتشف شركاء الناتو أنفسهم، أن الولاياتالمتحدة .. لا أمان لها. كانت هذه حكاية تحول الحليف الألماني الذي شاركها صراعا إستمر لعقود مع العدو السوفييتي، ليكتشف أنه أصبح فجأة مجرد خصم وربما عدو محتمل لواشنطن ، يتم التجسس عليه من قبل الأخ الأكبر. بدأت الحكاية بقيام عميل الإستخبارات الأمريكي "إدوارد سنودن" بنشر عدد كبير من وثائق جهازه علي المواقع الإلكترونية، ومن بينها ما يثبت قيام وكالة الإستطلاع القومي الأمريكية "إن إس إيه” بعملية تجسس وتنصت واسعة في ألمانيا، شملت حتي التنصت علي هاتف المستشارة الألمانية ميركل نفسها. ما أثار ضجة في ألمانيا إلي حد مطالبة ميركل من واشنطن إطلاعها علي ملفاتها لدي وكالة الأمن القومي ، وإعلان تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الفضيحة، وذلك لتجاوز الحدود بحجم التجسس ولأنه طال المستشارة نفسها، ولنشره للرأي العام ، وبالتالي لا يمكن "تطنيشه" وحله ضمن قواعد اللعبة الإستخباراتية. الإستياء الألماني زاد بشدة بعد إكتشافهم قيام مكتب "السي آي إيه" في سفارتهم ببرلين بتجنيد عميل يعمل في المخابرات الألمانية للتجسس لصالحها ، وبالذات علي هذه اللجنة التي تحقق في الأمر، بل وثبت أنه "باع" لهم 218 وثيقة هامة مقابل 25 ألف يورو. وزير الخارجية الألماني "شتاينماير" وصفها بالفضيحة المقلقة لأقصي حد، و"ميركل" إعتبرتها أمرا خطيرا يتناقض تماما مع الشراكة مع الأصدقاء، بينما الرئيس الألماني "يواخيم جاوك" أكد أنها ستتسبب في توتر حقيقي بين البلدين، وأنه حان الوقت لوضع لحد لهذه التصرفات الأمريكية. فتم إستدعاء السفير الأمريكي في برلين "جون إيمرسون" للخارجية الألمانية لإظهار الإستياء، الذي وصل كما نقلت صحيفة "بيلد" عن وزير الداخلية "توماس دي ميزيير"، قوله أن ألمانيا ستواجهه بالتجسس علي الولاياتالمتحدة ، زي ما إتجسست عليها. لكن لم تمض سوي أيام قليلة لتكتشف المخابرات العسكرية الألمانية، قيامهم بتجنيد مموظف آخر في المكتب السياسي في وزارة الدفاع الألمانية ، أكدت التحقيقات الأولية ، أنه سرب معلومات أخطر من تلك التي سربها العميل الإستخباري ، فتم إعلان طرد ممثل "السي آي إيه"، بعد سحب الوضع الديبلوماسي منه، وهو أقصي ما تسمح به حيث تمنع إتفاقية جينيف لمعاملة الديبلوماسيين. واشنطن بدورها ردت بنوع من "الجليطة السياسية"، علي لسان "مايك روجرز" رئيس لجنة الإستخبارات بالكونجرس ، منتقد اتصرف برلين ، واصفا إياه بأنه "نوبة من غضب الأطفال" ، بينما أشار المتحدث للبيت الأبيض أنه كان الأفضل حل المشكلة بعيدا عن الإعلام. أهم ما عكسته هذه الحالة، أن الجواسيس الحقيقيين يجندون في المراكز الحساسة للدولة، لنقل أسرار إستخباراتية وعسكرية خطيرة لدول أخري، وأن واشنطن تتجسس علي أقرب حلفائها، فما بالنا بخصومها أو حتي تابعيها. وأيضا أنه في ظل إنتشار المعلومات علي الإنترنت، قد فات زمن "الصفقات السرية" ، كما فعل مبارك بعبارته الشهيرة ردا علي سؤال أحد الصحفيين الإسرائيليين عن قضية الجاسوس الإسرائيلي "عزام عزام"( قبل أن يطلق سراحه بعدها في تمثيلية مفبركة): “إنتوا السبب ..واللي صعبتوا الموقف بالضجة الإعلامية اللي عملتوها، إحنا مش كنا أفرجنا عن 31 جاسوس إسرائيلي قبل كده .. بهدوء؟"