ينطلق الصاروخ من مكان ما فتقصف غزة ، يُختطف المستوطنون في الضفة الغربية فتقصف غزة ، وربما مات على فراشه صهيوني خارج فلسطينالمحتلة كلها فتقصف غزة أيضا .. غزة صك الدم المستحق دائما متى قرر الصهاينة استيفاءه ، من أجل أي شيء وربما للاشيء أصلا . وغزة تقدم شهداءها الجاهزين برضا غريب وبلا مقابل . وتأخذنا وتأخذهم الحماسة ، حتى وهم يدقنون شهداءهم ، ونحن وهم نحصي صواريخ المقاومة تصيب الصهاينة بالفزع من إيلات إلى تل أبيب . ووحدها قضية الوطن مصابة بالامتعاض من الجميع منا ومنهم ومن المقاومة ، وليس على لسانها سوى سؤال واحد : وماذا بعد ؟ .. لا بعد إلا ما كان قبلا يا أم القضايا الإنسانية وليس العربية فقط .. لا بعد غير تهدئة أخرى تبرر توسعا غير مسبوق في الاستيطان ، وتغييرا في الواقع على الأرض ، وتهدأ الصواريخ ليتحمل أبو مازن وحيدا عبء المقاومة السياسية بلا اي صواريخ سوى صواريخ الاتهامات بالعمالة وموجهة بدقة هذه المرة إليه . وفلسطين موزعة بين الفصائل من جهة والسلطة من جهة أخرى ، وبينهما يقتل أهل غزة مرتين . وإذا كانت سياسة أبو مازن غير مقنعة للفصائل ، فما هو الموقف السياسي للفصائل .. وإذا كانت المبادرة المصرية ولدت ميتة كما تقول حماس والجهاد بالرغم من موافقة مجلس وزراء الخارجية العرب عليها ، فما هي مبادرة الفصائل ؟ لا جواب طبعا غير الكفاح المسلح ، ومليون نعم للكفاح المسلح ، ولكن ألا يجب أن تكون هناك رؤية سياسية ممكنة يتحرك وفقها السلاح ، فلا يضيع دم الناس هباء هكذا ؟ .. وإذا لم يكن المقاومون مؤهلين للعمل السياسي ، لماذا لا ينسقون مع السلطة الفلسطينية ويوزعون الأدوار التي يجب أن تتكامل بينهم وبينها ؟ .. وفي ظل غياب الرؤية السياسية الممكنة للمقاومين ، وغياب التنسيق بين الفصائل والسلطة ، ألا يحق لنا أن نتهم الجميع يقتل أهل غزة مرتين ، مرة باستدعاء العدوان ، وأخرى بعدم استثمار الدم البريء . لسنا نزايد على أولياء الدم ، ولا على أهل القضية ، ولكننا ننتظر إجابات معقولة على هذه الأسئلة ، فمن غير المعقول مطلقا أن يقتلنا الصهاينة لهذا السبب أو ذاك مرة وتقتلنا الانقسامات مرة أخرى . نعم ، من حقكم أن ترفضوا ما ترفضونه وإن أجمع عليه العالم كل العالم ، ولكن من حق الشهداء أن تطرحوا البديل ، ولتستمر المواجهة ما شاء الله لها أن تستمر ، ولكن ضمن أفق هذا البديل .. هل قتال بلا هدف !! وهل قتلى بلا ثمن !! وهل يستمر التاريخ هكذا !! .. أزعم أن مأزق السلطة الفلسطينية أنها سلطة نفسها ، وخزينة دفع رواتب وحسب ، أما الفصائل فلها سلطات أخرى ، فثمة سلطة لهذا الفصيل في إيران ، وثمة سلطة لذاك الفصيل في تركيا ، ولعل "داعش" قد أصبحت تمثل سلطة لفصائل أخرى ، أما قضية فلسطين فليست قضية أهلها الحقيقيين بقدر ما هي واحدة من قضايا صراع القوى الإقليمية والدولية في المنطقة ، وعلى مذبحها المقدس يتقدم أهل غزة محض قرابين راضية بلقب "الشهداء" وحسب ، فلا وطن عاد أو كاد ، ولا بقي الأحياء أحياء ، ولا يستحى البعض من إعادة قتل القتيل .. لقد جف ريقنا دعوة للناس أيها الناس حددوا أهدافكم من صمودكم في وجه العدوان وأعلنوها حتى لا يستبق أحد في العالم دمكم بهذه المبادرة أو تلك مما ترفضون .. جف ريقنا بلا جدوى ، فالسلطات الخفية في الخارج ليس لها أهداف تقع حدودها ضمن حدود القضية ، وهو ما لا يجب إعلانه مطلقا حتى للفصائل التابعة لها ، ولذا ليس عجيبا ولا غريبا أن يستمر القصف حدة ويرداد طابور القرابين طولا وعرضا وازدحاما .