فى احتفال رسمى وبحضور كبار رجال الدولة وقاداتها، أزاح الملك فاروق الستار عن تمثال النهضة، عقب إلقاء مصطفى النحاس صاحب الدولة آنذاك خطبة عصماء عن التمثال وصاحبه، أمام الحشود الهائلة التى جاءت لتشهد ذلك الحفل المهيب، حيث قلب هذا التمثال موازين فن النحت رأسًا لى عقب؛ بسبب براعته وبراعة صاحبه الفنان العظيم وابن مصر البار محمود مختار. فكرة التمثال وبدايته جاءت الفكرة لمختارعقب ثورة 1919 مباشرة، حيث اراد أن يصنع لمصر أمجادها الفنية، مثلما صنع تماثيل لسعد زغلول، وتمثال الخماسين، ومع بدأية الفكرة كان مختار قد وصل صيته إلى العالمية، فعرض في باريس نموذج تمثال نهضة مصر الذى بهر النقاد الفرنسيين، وكل متذوقى ودارسى الفن، وشرعت الحكومة المصرية منذ ذلك الوقت نحو السعى قدمًا لتوفير التدبيرات المالية لإنشاء هذا التمثال، وبالفعل تبرعت الحكومة بقسط من المال، وأن يتم اكتتاب بعد ذلك لجمع بقية التكاليف، وظل مختار مثابرًا ومجاهدًا، وهو مفعم بعشق هذا البلد الذى أرسله ليتعلم الفن الحديث في باريس، بمنحة من النبيل يوسف كمال، وبعد جهد كبير انتهى من التمثال، وتقرر إقامة حفل لإزاحة الستار فى 20 مايو. وصف التمثال لم يكن تمثال مصر إلا نموذجًا متناغمًا مع منظومة فكرية وسياسية وثقافية واجتماعية شبه متوازنة، وكل هذا هو عبقرية التفاعل بين الشعب والثورة، والقتال من أجل تفعيل هذه الثورة في كل المناحى، خصوصًا المجالات الفكرية، حيث تكونت لجنة منذ أن كان التمثال فكرة، وكان أعضاؤها هم الأستاذ "ويصا واصف، وواصف غالى باشا، والفنان محمد محمود خليل بك، والدكتور حافظ عفيفى بك، والأستاذ أمين الرافعى بك، والدكتور فؤاد سلطان، وعبد القوى أحمد أفندى، وترأس هذه اللجنة حسين رشدى باشا"، كما أن التمثال مصنوع من الجرانيت الوردي، وارتفاعه 7 أمتار والعرض عند القاعدة 8 أمتار، ويصور امرأة واقفة في ملابس الفلاحة المصرية ترفع عن وجهها الحجاب بيسراها، بينما يمناها مفرودة لتلمس بأصابعها رأس تمثال أبى الهول الذى يفرد قائمتيه الأماميتين في تعبير عن النهوض، ويشير الفنان في هذا التمثال إلى الشعب المصرى بالفلاحة الأم. دلالة التمثال عند الأمم العربية وليس هذا التمثال دلالة على النهضة السياسية وحدها، لكن على نهضة شاملة بوجهاتها السياسية والاجتماعية والفكرية، فلا ريب أن الأمة حين نهضت في سنة 1919 بزعامة سعد باشا تطالب بحقوقها واستقلالها قد نفضت عنها الخمول ، وشرعت تطلب الرقى في جميع نواحيه، ومثلها في ذلك مثل الأمة الفرنسية حين قامت بثورتها العظيمة تريد الحرية السياسية، لكنها تأثرت من الثورة من جهات أخرى، فصارت تلك الثورة حدًا فاصلًا بين شطرين من تاريخ الفرنسيين وغيرهم. تمثال النهضة بين إيدى النقاد ورغم أن التمثال وجد استقبالات حافلة من شعراء وزعماء ونقاد فن كثيرين فإنه وجد نقدًا حادًا من عباس العقاد وإبراهيم عبد القادر المازنى، وكل هذه الكتابات التى لاحقت التمثال، نشرها الدكتور بدر الدين أبو غازى في مجلد ضخم، صدر في الستينيات، وبداخل المجلد يرصد أبو غازى مراحل تكوين وإنشاء التمثال بشكل مفصل، وكذلك ينشر مقالات العقاد والمازنى، والرد عليهما، مع مجموعة من الأشعار والصور التى توضح المراحل الفنية والتاريخية التى صاحبت التمثال والمثال في رحلتهما إلى الخلود، حيث قال العقاد في نقده: "إن أبا الهول في مشروع تمثال نهضة مصر لا يشبه في شيء من ملامحه أبا الهول القديم الذي بناه الفراعنة، وإنما هو صورة منقولة عما في معابد البطالسة اليونانيين من هذا التمثال، وإنه لمن الخطأ في قصة الفن والتاريخ أن نختار لتصوير نهضة مصرية تمثالًا بنته في مصر أسرة أجنبية وعندنا تمثالنا ذلك العريق المهيب"، ذلك كان نقد العقاد لمشروع تمثال نهضة مصر، وقد أخذ الفنان مختار بنقد العقاد وقام بتعديل تمثاله، وفي تحية التمثال يقول العقاد: "إن من ينظر الآن إلي وجه أبي الهول الذي أميط عنه الستار في هذا الأسبوع يحمد للأستاذ مختار أنه أخرج أبا الهول في صورة مصرية فرعونية، تدل عليها الشفتان والأنف والذقن والخدان والعينان، ولم يجعله يونانيًا كما كان عليه في مشروعه الأول منذ ثماني سنوات".